موجة عنف في العراق بتزامن مع ولادة عسيرة للحكومة الجديدة
٦ أبريل ٢٠١٠يرصد المتتبعون لأوضاع العراق تزامن تصاعد أعمال العنف مع المفاوضات الصعبة التي تخوضها الكتل السياسية من أجل تعيين رئيس وزراء وتشكيل ائتلاف جديد بعد مرور حوالي شهر على الانتخابات التشريعية التي أفرزت تقاربا في نتائج بعض القوائم الأمر الذي يجعل ولادة الحكومة الجديدة أمرا عسيرا.
وتعتبر موجة أعمال العنف الحالية الأسوأ من نوعها بعد عامين من تحسن الوضع الأمني في العراق، وبرأي الدكتور بيتر هارلينغ الخبير في الشؤون العراقية بـ "مجموعة الأزمات الدولية" (مقرها بروكسيل) فإن "أعمال العنف مرتبطة إلى حد كبير بصراع القوة بين أطراف العملية السياسية داخل العراق أكثر من ارتباطها بأطراف أجنبية".
من يقف وراء موجة العنف الجديدة؟
تكشف أعمال العنف التي يشهدها العراق في الآونة الأخيرة تعددا في المواقع التي تستهدفها، فقد شملت العاصمة بغداد ومناطق سنية شمال البلاد بالإضافة إلى مواقع شيعية في الجنوب، وهو ما يجعل عملية تحديد الجهات المستهدفة أو الأطراف المستفيدة من هذه العمليات الإرهابية "أمرا صعبا" كما يقول الخبير الفرنسي في الشؤون العراقية بيتر هارلينغ في حوار مع دويتشه فيله. لكن هارلينغ يلاحظ وجود "تزامن بين موجة أعمال العنف ومرحلة معينة من مشاورات تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة"، مشيرا أن فترة الانتخابات لم تشهد أعمال عنف بنفس درجة القوة التي تتسم بها العمليات التي يشهدها العراق حاليا.
ويرجح الخبير هارلينغ فرضية أن "الهجمات الحالية تقف وراءها أو تستفيد منها على الأقل أطراف من داخل العملية السياسية" معتبرا أن عمليات العنف تتم "في سياق علاقات القوة بين أطراف مختلفة وفاعلة في العملية السياسية". وفي رده على سؤال حول الكيفية التي يجري من خلالها توظيف أعمال العنف من قبل الأطراف السياسية أشار هارلينغ إلى أن الأشهر السابقة للانتخابات شهدت عمليات اغتيال لشخصيات سياسية عديدة "وهو ما يدفع للاعتقاد بأن عمليات من تلك النوع كانت تستهدف ضرب شرعية وشعبية رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي" وأضاف "والآن نحن مجددا أمام تفجيرات عمياء تقتل المدنيين ولكنها تحمل في نفس الوقت رسائل سياسية في إطار علاقات القوة بين أطراف العملية السياسية".
أدوار خارجية أم معادلة داخلية
ولكن إلى أي مدى يمكن ترجيح فرضية استخدام العنف كوسيلة ضمن صراع القوة بين الأطراف الداخلية للعملية السياسية، في ظل التداخلات الكثيرة التي يتعرض لها العراق من أطراف أجنبية ودول جوار؟ بالنسبة لوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري فإن الهجمات الإرهابية التي يشهدها العراق تحمل بصمات تنظيم القاعدة "على الأرجح رغم أنه يفضل انتظار التحقيقات". وحول خلفيات هذه الهجمات قال زيباري "إن الهجوم سياسي هدفه إخراج العملية عن سكتها وإرسال رسالة مفادها أن الإرهابيين لا يزالون يعملون في ظل الفراغ السياسي" الذي نتج عن تأخر تشكيل الحكومة.
أما الخبير بيتر هارلينغ فيلاحظ أن عددا من المسؤولين العراقيين وكذلك الأميركيين "لديهم لحد الآن توجه لتحميل مسؤولية أعمال العنف لأطراف خارجية تتدخل في العراق وتسعى لإرباك العملية السياسية"ويعتقد هرلينغ أن "هنالك بالفعل تدخلات خارجية لكنها تعتمد على ديناميات داخلية" موضحا أن "هذه الديناميات معقدة جدا بشكل يجعل من الصعب على دول مجاورة الاعتماد على دعامات داخل النظام السياسي العراقي". ولذلك يستنتج الخبير الأوروبي قائلا "من المهم جدا أن نركز أولا على الديناميات الداخلية أكثر من فاعلين خارجيين يمكنهم توظيف الحالة الداخلية".
"العراق بلد فيه يحسم صراع القوة بواسطة العنف"
وحول تحليله لاحتمالات تطور الأوضاع السياسية في العراق يرى الخبير هارلينغ بأن "الوضع في العراق حاليا يكتنفه الغموض"موضحا بأن المرشحين الحاليين لمنصب رئيس الوزراء، حصلا على نتائج متقاربة جدا، فإياد علاوي حصل على 91 مقعدا متقدما بمقعدين على منافسه الرئيسي نوري المالكي الذي حصل من جهته على عدد أصوات ناخبين أكبر، وتواجه كليهما "صعوبات كبيرة" تكمن برأي الخبير الأوروبي في أن"لا أحد منهما يتوفر على المصداقية الحقيقية لتولي رئاسة الوزراء ، فالمالكي المنتهية ولايته لديه عداوات كثيرة داخل العراق وفي دول الجوار، فهنالك فيتو عليه من التيار الصدري داخل العراق وكذلك من السعودية وسوريا". وأضاف بأن علاوي "ينظر له على أنه يفتقد الشرعية لدى الشيعة وأن انتخابه معتمد بالأساس على أصوات السنة، وهو مدعوم من دول عربية مثل السعودية وسوريا، وسبق له أن اتخذ مواقف صارمة جدا ضد إيران، واعتقد أنها ستضع عقبات كبيرة في سبيل محاولته بناء ثقة مع إيران".وحول توقعاته لمآل الصراع بين المالكي وعلاوي قال هارلينغ "رغم كونهما مرشحين قويين جدا فهما يواجهان في نفس الوقت استحالة تولي أي منهما منصب رئيس الوزراء، وهما يخوضان صراع قوة من الصعب جدا تسويته في بلد تحسم فيه صراعات القوة بواسطة العنف".
رجل أمن مسلح لكل سبعة مواطنين
وأثارت موجة أعمال العنف التي تجتاح العراق حاليا تساؤلات حول مدى مسؤولية الأجهزة الأمنية العراقية، وهل هي ضعيفة في ظل تراجع الدعم الميداني والاستخباراتي الذي تقدمه لها القوات الأميركية التي تستعد بدورها لخفض عددها إلى 50 ألف جندي بحلول نهاية يوليو/ تموز المقبل وبانسحابها الشامل نهاية العام المقبل.
وبرأي هارلينغ فإن الأجهزة الأمنية العراقية "ليست ضعيفة" موضحا أنها "تتوفر على إمكانيات ضخمة من العتاد والعدد" وأضاف "إذا أخذنها بعين الاعتبار المكونات المختلفة للأجهزة الأمنية من جيش وشرطة وأجهزة أمنية مختلفة وعناصر ميلشيات تم إدماجها، فيمكن أن يناهز عدد العاملين بها حوالي مليون شخص مسلح، أي بمعدل رجل أمن مسلح على كل سبعة مواطنين (في سن الرشد) أي أن معدل الذين يعملون في سلك أمن الدولة مرتفع جدا كما أن الأجهزة الأمنية لها صلاحيات واسعة وخصوصا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب". لكن الأجهزة الأمنية العراقية ، كما يقول الخبير الأوروبي "تخترقها عقليات طائفية وانقسامات في ولاءات أفرادها وينخرها الفساد بشكل كبير".
ويخشى المراقبون تطور أعمال العنف إلى دوامة جديدة من العنف الطائفي الذي شهده العراق خلال الأعوام التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، ويذكر أن عدد التفجيرات التي شهدها العراق منذ عام 2003 إلى نهاية العام الماضي ناهزت ألفين تفجير نفذ حوالي 37 في المائة منها عبر عمليات انتحارية، حسب إحصاءات لمعهد بروكنز للدراسات الأميركي في واشنطن.
الكاتب : منصف السليمي
مراجعة: طارق أنكاي