مواقع أثرية مقدسة تفجر نزاعاً جديداً بين الفلسطينيين والإسرائيليين
٢٤ فبراير ٢٠١٠بررت الحكومة الإسرائيلية قرارها بضم الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل إلى قائمة المواقع الأثرية اليهودية بحاجة هذه المواقع إلى الصيانة والمحافظة عليها، وإنها ستقوم بأعمال الصيانة المطلوبة. ويأتي القرار الإسرائيلي هذا في سياق قرارات سابقة تتعلق بصيانة المواقع الأثرية ضمن حدود إسرائيل لعام 1948، فهي تريد صيانة المواقع الأثرية والثقافية والدينية التاريخية المقدسة لدى اليهود والحفاظ عليها، وهي تسعى الآن إلى ضم المواقع الأخرى الواقعة خارج هذه الحدود أي ضمن حدود عام 1967 في الضفة الغربية التي تقع ضمن سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، كما جاء في حديث الدكتور هانز غيورغ فليك الباحث في مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية في القدس لـ“دويتشه فيله“، وحسب رأي د. فليك فإن هدف إسرائيل من هذه الخطوة هو "إيجاد وقائع جديدة على الأرض يمكن أن تزيد من تعقيد وصعوبة حل الدولتين، ومن يريد حل الدولتين عليه عدم اتخاذ مثل هذه الخطوة التي تجعل هذا الحل غير ممكن".
القرار الإسرائيلي استفزاز للفلسطينيين
وأثار القرار الإسرائيلي غضب الفلسطينيين الذين رأوه استفزازاً لهم على حد تعبير رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الذي حذر من اندلاع حرب دينية نتيجة الخطوة الاسرائيلية التي لا تسهم "بطريقة ايجابية في استئناف عملية السلام" حسب ما صرح به عباس خلال مؤتمر صحافي في بروكسل إثر لقائه الأربعاء (24/2) مع رئيس البرلمان الأوروبي جيرزي بوزيك. أما رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض فقد طالب المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بالتراجع عن إعلانها مناطق فلسطينية كمواقع تراثية إسرائيلية. واعتبر فياض قرار الحكومة الإسرائيلية تكريساً للاحتلال ومخالفة لقواعد القانون الدولي، محذراً في الوقت نفسه من استمرار إسرائيل في ممارساتها هذه التي "تعرض الجهود الدولية المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية إلى مخاطر جدية" حسب تعبير فياض. ويرى الباحث الألماني د. هانز غيورغ فليك أيضاً أن هذا القرار الإسرائيلي سيؤثر سلباً على عملية السلام والعلاقة بين أطرافها و"إنه قرار غير موفق يؤدي إلى تعقيد العلاقة وزيادة توترها بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذا كان المرء يسعى وبجدية الى استئناف المحادثات، وهذا ما تريده إسرائيل، فعليه الامتناع عن اتخاذ مثل هذه الخطوة بغض النظر عن ما يهدف إليه".
التزام الحكومة الإسرائيلية بحرية العبادة
من جانبها رفضت الحكومة الإسرائيلية الانتقادات الفلسطينية وأبدت استغرابها واستهجانها لما جاء في تصريحات الرئيس الفلسطيني، معتبرةً رد الفعل الفلسطيني حملةً تستند على "أكاذيب مكشوفة" حسب ما جاء في بيان لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتانياهو الذي أكد على الالتزام بحرية العبادة لأتباع جميع الأديان وعدم السعي إلى تهويد المواقع المقدسة، مع الإشارة إلى أن "أعمال صيانة وترميم لساحة استقبال المسلمين والممر المؤدي إلى المصلى داخل الحرم الإبراهيمي تجري في هذه الأيام بالذات، ما يؤكد بطلان المزاعم بأن إسرائيل تسعى لتهويد هذا الموقع". وأضاف البيان أن "الحرم الإبراهيمي وقبة راحيل هما من المدافن القديمة لآباء وأمهات الشعب اليهودي ما يبرر حفظهما وترميمها".
ولم تقتصر الاحتجاجات على الخطوة الإسرائيلية على المستوى الرسمي فقط، وإنما اندلعت مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومحتجين فلسطينيين في مناطق مختلفة من القدس. كذلك أعربت الأمم المتحدة عن قلقها عبر مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط روبرت سيري الذي قال بأن الأماكن التي تريد إسرائيل إضافتها إلى المواقع التراثية اليهودية تعتبر مواقع ذات أهمية تاريخية ودينية لدى المسلمين والمسيحيين أيضاً.
الخطوة الإسرائيلية لا تهدد بدء المفاوضات غير المباشرة
ويحذر مراقبون من إمكانية التأثير السلبي للقرار الإسرائيلي على استئناف مفاوضات السلام بين مع الفلسطينيين الذين وافقوا على بدء مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين. ولكن الباحث الألماني د. هانز غيورغ فليك لا يرى أن "هذا القرار حاسم بالنسبة لمسألة استئناف أو عدم استئناف محادثات السلام". وحول المستجدات الأخيرة وإمكانية عودة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات يقول د. فليك في حديثه لـ"دويتشه فيله": "لا أظن أن هذه المفاوضات غير المباشرة يمكن أن تتأثر بهذه الخطوة ،وإنْ كان هذا القرار يمكن أن يشكل خطورة وعبئاً على المفاوضات غير المباشرة التي تم الاتفاق عليها."
ويمكن أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرارات بضم مواقع أخرى إلى قائمة المواقع التراثية اليهودية، إذ كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية النقاب عن رسالة وجهها مستوطنون يهود في الضفة الغربية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي طالبوا فيها بإدراج القبرين المفترضين لعتنائيل بن كناز، أحد القضاة في التوراة، وراعوث الموآبية في المنطقة نفسها ضمن قائمة المواقع التراثية اليهودية.
الكاتب: عارف جابو
مراجعة: سمير جريس