مهرجان الألوان – تخفيف للمعاناة وتفريغ للمكبوت
١ سبتمبر ٢٠١٥عَقب انطلاق صفارة بدء مهرجان "حرب الالوان" غمرت فرحة واسعة الشباب الفلسطيني، حيث فُتحت عُلب الألوان، وتناثرت المساحيق في كل إتجاه، فصبغت وجوه المشاركين وأجسادهم بالألوان الزاهية. لكن لحظات الفرح هذه لم تدم طويلا، فبعد نشر صور المهرجان، اجتاحت ضجة عارمة مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض للتراشق بالألوان.
استنساخ مهرجان هندي
بينما كان الفنان الشاب فؤاد اليماني 19( عاما) منهمكا في عمل فني بالفحم، اخذ فرصة استراحة ليشرح لDW / عربية كيف استلهمته فكرة "نثر الالوان" وقال: " كنتُ أبحث عن عمل فني مميز لمرسم "خرابيش" في مدينة رام الله فشاهدتُ بالصدفة، مهرجان هولي الهندي على شاشة التلفزيون، وأعجبتني الفكرة، وبحثُت عنها أكثر في الانترنت، ووجدت ان نثر الالوان يساهم في تفريغ الطاقات المكبوتة وفي نشر البهجة، والتخفيف من هموم الاحتلال".
بين الفرح والمعاناة
وما أن نشر المشاركون صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي حتى باشر العديد من النشطاء بشن هجوم واسع على المهرجان والمشاركين فيه من الشباب والفتيات، إذ كتبت احدى الطالبات "مهرجانات الرقص وعرض الأزياء والتلوين في رام الله أمر مخجل ومهين، المفروض عقد مهرجانات لدعم الأسرى والمقاومة بدل مهرجانات مسيئة لقيمنا ومستوردة، كما أن التفريغ النفسي والفرح لا يجب أن يكون على حساب معاناة شعبنا!".
وتجاوزت رودد الافعال التي تناقلتها العديد من صفحات التواصل الاجتماعي لتصل إلى إدانات من قبل حركات اسلامية، فقد أدانت حركة حماس في بيان صحفي تنظيم مهرجان الألوان في رام الله، وأعتبر الناطق سامي أبو زهري أن إحياءه يشكل إساءة لنضالات شعبنا وتضحياته ودليلاً على استهتار السلطة وقيادة فتح بمعاناة شعبنا، وتنظيم هذا المهرجان يتضمن أجواء من الاختلاط والفسق وإحياء طقوس هندوسية غريبة عن تقاليد شعبنا".
وتفاعل نشطاء التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، حيث قالت الطالبة نورس عتيق (21 عاما ) في جامعة بيرزيت خلال حديثها مع DW/عربية " نشعر بالغبطة عندما نرى أجانب يرقصون الدبكة على أنغام موسيقة تراثية فلسطينية، بينما لا نقبل أخذ شيء من تراث الاخرين حتى ولو كان جزءا بسيطا. إن لعبة الالوان هي مثل لعبة كرة القدم او السلة، التي تحصد شعبية واسعة في صفوف الشباب بمختلف اطيافهم، وهي ليست من تراثنا المحلي، ولكن لماذا تقبلوها"؟
وتساءلت الطالبة هيا ريماوي 20 سنة عن الضجة الكبيرة التي أحدثها المهرجان، بينما لا نسمع مثلها لدعم قضايا الاسرى؟. لماذا لم نشاهد هؤلاء المؤيدين في مسيرة لدعم الاسرى والتي لا يتجاوز عدد المشاركين فيها عشرة اشخاص ؟".
جرت أجواء المهرجان بانضباط، كما يؤكد القائم على النشاط فؤاد خلال حديثه مع Dw/ عربية، معتبرا أن موجة الانتقادات "غير منطقية" وأضاف "أن القائمين على المهرجان مصممون على تنظيم إحتفال أضخم قريبا".
غموض في الهوية؟
يرى البعض أن المشاهد المرافقة للحياة العصرية لمدينة رام الله ذات طابع ديموقراطي ليبرالي، في حين يصر آخرون على أن الهوية الحقيقة لمدينة رام الله لا تنعكس على نمط حياة المدينة.
تحدثت الخبيرة في الشؤون التربوية والاجتماعية، أ. عليا الشعار خلال حديثها مع DW /عربية عن وجود أزمة هوية حقيقية، "فقد أصبح كل شخص يعتقد أن ما يقوم به صحيح وايجابي ويساهم في تعزيز الصمود الوطني، وأن من حقه أن يقييم الآخرين ويشكك في وطنيتهم وفي إخلاصهم لشعبهم. وفي نفس الوقت يقل الحديث عن طموحات الشباب واهتماماتهم، وتنحصر على التلائم بين البيئة وثقافة السلطة الحاكمة، فتصبح هوية الفرد متلائمة مع الثقافة السائدة في ظل غياب هوية عامة ناضجة معبرة عن احتياجات الشباب واهتماماتهم، وذلك بسبب التناقضات السياسية والفوارق الاجتماعية بين المناطق الجغرافية الفلسطينية".
من جانبه اعتبر الباحث أديب بركات أن: "الجهات المسيطرة في قطاع غزة والضفة الغربية تسعى لإبراز المظاهر والانشطة التي تدعم الأفكار السياسية لكل منهما، وهم بذلك يسعون الى تهميش أنشطة أخرى أو حتى منع تسليط الضوء على قضايا أخرى لا تحظى بأوليتهم ولا تنسجم مع أفكارهم السياسية، حتى ولو كانت الجهة المنظمة غير مرتبطة بنشاط سياسي معين،... وبالتالي فإن "توجيه النقد لنشاط مثل مهرجان التلوين في رام الله يعبر بالأساس عن نقد لتوجه سياسي واجتماعي عام يغرد خارج سرب الفئة الحاكمة"، حسب الأديب بركات.