من يجرؤ على إعلان استقلال كوردستان؟
١٢ يونيو ٢٠١٤في الآونة الأخيرة تواردت الأخبار بكثرة عن استقلال كوردستان في الصحف اليومية ومحطات الراديو والتلفزة وصفحات التواصل الإجتماعي وغيرها، كما تكاثر الكتاب والمحللون وتناولوا هذا الموضوع الهام وكل واحد حسب تصوره ورؤيته وفلسفته وبرز البعض ممن وجدوا أرضية خصبة في ظل المُستجدات السياسية وراحوا يقذفون العراق وقومياته المتآخية بنار الحقد والضغينة وبعبارات مشينة ومُستهجنة وبات هدفهم الإيقاع بين فئات الشعبين العراقي والكوردستاني لتحقيق أهدافهم الدنيئة والوصول إلى غاياتهم القذرة.
يعلم القاصي قبل الداني بالنضال المرير والكفاح الدؤوب للشعب الكوردي الباسل ضد الاعداء وضد السيطرة العثمانية من اجل تحقيق حلمه وإنشاء دولته الكوردية على ارضه، وقدّم في هذا الطريق دماءً زكية، وكانت ثمرة نضالاته إبرام معاهدة سيفر في 10 آب عام 1920 بين الدولة العثمانية وقوات الحلفاء، واعتبرت هذه المعاهدة في وقتها وثيقة تاريخية (انصفت الكورد واعطتهم الامل) في تأسيس دولتهم الكوردية المستقلة، ولكن الزمر التركية الخائبة بقيادة كمال اتاتورك لجأت إلى نقض المواثيق بالتعاون مع الدول الاستعمارية (بريطانيا وفرنسا وايطاليا) ووقفت ضد هذه المعاهدة حيث تم إبطالها في معاهدة لوزان التي تم توقيعها في 24 تموز / يوليو 1923.
ومنذ ذلك الوقت يُناضل ابناء وبنات كوردستان والامة الكوردية من اجل الإستقلال، ووقفوا بصلابة ضد العنصريين والشوفينيين والانظمة الدموية وهم يهبون حياتهم ويقدمون دماءهم القانية للوصول إلى تحقيق امنياتهم وتطلعاتهم. ولكن رغم تلك التضحيات الجسام فان ديارهم ووطنهم قد تعرض للاسلحة الكيمياوية الفتاكة والمحرمة دوليا وشُنت عليهم حرب الإبادة (الجينوسايد)، وبهذه الأعمال الخسيسة والجبانة حاول ويُحاول الاعداء تشديد قبضتهم على الكورد وتعرضهم للظلم والجور، ويشترك معهم المجتمع الدولي بالغدر الأكبر لطمس تاريخ هذه الامة الشجاعة التي لا ترضخ للاعداء، وتجدر الإشارة هنا انه بعد توقيع معاهدة سيفر ولحد الإلتفاف عليها وتوقيع معاهدة لوزان تم توزيع اراضي كوردستان على دول رجعية و شوفينية وعنصرية مجاورة واتخذ الجميع بما فيهم منظمات دولية الصمت، ولم يحركوا ساكنا.
ان استقلال كوردستان عملية صعبة و ليست سهلة، والاستقلال لا يتحقق برغبة شخص ما، لانه يتعلق برغبات وامنيات اكبر شعب في العالم لم ينل حقوقه وليست له دولة مثل الشعوب الاخرى، ان هذه الرغبات والامنيات هي الاسمى لشعب ناضل على مر التاريخ، وان هذا الاستقلال يرتبط بجميع الكورد، وإذا تطرقنا إلى الديمقراطية علينا ان نشارك كل المواطنين في مثل هذه القرارات السياسية الحساسة التي تتعلق مباشرة بحق تقرير المصير، ونتذكر هنا الإستفتاء العام الذي جرى عام 2005 حيث صوّت اكثر من 96% من الكورد بكلمة نعم للإستقلال والدولة الكوردية.
تفويت فرص ذهبية
اليوم في العراق حكومة جاءت بها المحاصصة والطائفية، وهي تسير وفق الإجتهادات الشيعية المذهبية، ونوري المالكي رئيس الوزراء يتعامل مع الملفات الامنية ومعاملات النفط واقليم كوردستان كديكتاتور، وقد شهد الوضع السياسي مع اقليم كوردستان تصعيدا خطيراً حتى وصل الامر قطع رواتب العمال والموظفين والبيشمه ركة، ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري لصدام حسين وحزب البعث العربي وإلى يومنا هذا خسر "القادة" الكورد فرصاً ذهبية، ولم يستطيعوا بسبب ممارساتهم الحزبية الضيقة الافق ولجوئهم إلى مستنقع الفساد وجمع النقود في جيوبهم الإستفادة من تلك الفرص ان تكون في خدمة شعبهم وامتهم الكوردية، وقد مرت حكومة المالكي كما الآن في مشاكل عديدة حتى باتت ضعيفة، وكان بإمكان اولئك "القادة" ان يعلنوا الإستقلال ووضع الاسس والركائز للدولة الكوردية المنشودة، ولكن بدلا من ذلك عملوا إلى تصعيد الاجواء مع حكومة المالكي.
ان الاستقلال وحق تقرير المصير حق من حقوق جميع الامم لذا فان الكورد حاربوا الاعداء وناضلوا بثبات في سبيل تأسيس دولتهم على اراضي الآباء والأجداد، وبهذا الصدد استطاعت الدول التي استحوذت على كوردستان قسرا واحتلتها وفي جميع الاجزاء ان تعمل بانتظام واللجوء إلى اساليب المكر والخديعة لإسكات ابناء الشعب لكي لا تبرز تطلعاتهم وآمالهم، وان يتعاملوا معهم بكل قسوة وبإنتهاج سياسة بعيدة عن الإنسانية والاخلاق من اجل تبديد وإزالة الاحلام التاريخية لهذه الامة الكادحة التي اُلحقت اراضيها بها.
لاشك والكل يعلم بان الشعب الكوردستاني قد ابتلى بالمادة (140) التي اسميتها منذ سنوات بالمادة اللعينة لان الحكومات المُتعاقبة بدءاً من اياد علاوي وابراهيم الجعفري وصولا إلى ولايتي نوري المالكي ونظرا للافكار الشوفينية العربية والعنصرية وافكار المحاصصة والطائفية لم يكونوا مستعدين ولا يكونوا قط تنفيذ بنودها وإحقاق الحق للشعب التواق للحرية، وبالمقابل فانّ "القادة" الكورد ينتابهم الفوضى وينفعلون ويشغلون انفسهم ويظهرون كأنهم اصحاب قوة خارقة لإستغفال المواطنين، ويرومون الثأر عمّا فاتهم، ولكن بعد فترة وجيزة يتلاشى غليانهم، ومن ثم يتحدثون عن (الدستور) ولا يستطيعون عمل اي شيء، ونظراً لسياساتهم الخاطئة فانّ شبراً واحدا من الاراضي المستقطعة من كوردستان لم يتم إعادته.
عدم التصعيد مع بغداد
ان الإستقلال يعني العلو والسمو والرقي ويُعّبر عن تطلعات وآمال وأمنيات كل إنسان حر، ولا يرتبط بشخص واحد، ومن هنا اقول ان إعلان الإستقلال لا يرتبط ابدا بشخص السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان كما يرّوج له البعض من الكتاب او المحسوبين على الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما انه ليس الوحيد الذي ينظر إلى هذه المسألة القومية الهامة بعين الإكبار والإجلال، ويجب على كل الكوردستانيين أن ينظروا بعين الإحترام والتقدير لكل من ناضل قديماً ويناضل الآن من اجل الإستقلال وإعلان الدولة الكوردية دون الخوف او الفزع، لأن الإستقلال وإعلان الدولة الكوردية بحاجة إلى التعاون والتعاضد من لدن جميع المواطنين وكل الأحزاب والقوى الديمقراطية التي تؤمن بحق تقرير المصير للشعوب.
لقد اشرت في مقالتين باللغة الكوردية إلى الإستقلال ومخاطره، الاولى في 24/1/2012 بعنوان: اعداء الكورد وكوردستان يتجولون في كوردستان، وقلت فيها: ايها الكورد، ايها الرجال، انتبهوا وتيقظوا وكونوا على حذر فكوردستان في خطر، والثانية في 25/4/2012 بعنوان: كوردستان من مخالب العروبة إلى حلق اتاتورك، وقلت فيها: نعم، نعم، نعم لإستقلال كوردستان، لا، كلّا، لا لكوردستان يتبع تركيا!!!؟؟؟...
يجب عدم الإنجرار إلى تأزيم العلاقات بين حكومتي العراق واقليم كوردستان وتصعيدها، وبالعكس يجب الكف عن المهاترات والإنفعالات، وان لا تكون هذه العلاقات تبريراً لإعلان الإستقلال وإعلان الدولة الكوردية، وان السيد مسعود بارزاني بصفته رئيسا لاقليم كوردستان ليس بمقدوره ان يعلن استقلال كوردستان، وانه من الصعب جداً تنفيذ هذه الامنية الكبيرة وتطلعات شعب متلهف لرؤية دولته المستقلة على ارضه وترابه لاسباب عديدة اهمها عدم الاعتماد على دول الجوار، عدم الاعتماد على (تركيا العدوة اللدودة) لإستقلال كوردستان، والدولة الهزيلة (الاردن) التي لا تملك شيئا، وعدم الإعتماد على الدولتيين ذات الإمكانات المالية الكبيرة في المنطقة (السعودية وقطر) اللتين تساعدان وتمولان العنف والارهاب وإراقة الدماء، وعدم الإعتماد على ثنائية العلاقة الامريكية التي تحركها مصالحها قبل كل شيء، فمن جانب يطلب دافيد بترايوس مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية السابق من النظام التركي التعاون ومساندة تأسيس دولة كوردية، ولتصبح تركيا "الاخ الاكبر" للكورد، ومن جانب آخر يتدخل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ليقول لرئيس اقليم كوردستان بأنّ الإدارة الامريكية في واشنطن قلقة من إستقلال كوردستان، ومن الأفضل البقاء ضمن العراق، وفي الوقت الذي لا يزال الجيش التركي في ارض كوردستان (يحتل منطقة سيلي وبامرني) يزور السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان والسيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة كوردستان، تركيا (زيارات يومية واسبوعية أو شهرية) لبيع النفط بثمن رخيص، وحسب الاجندة التركية ساهمت حكومة كوردستان بحفر خندق في غرب كوردستان – رؤز اوا {رۆژ ئاوا} لتشدید الخناق علی الكورد الذين يُحاربون الاعداء.
إعلان الاستقلال يحتاج لإرادة الجماهير
في كوردستان المئات بل الالوف من الشركات الاجنبية والتركية، فالشركات التركية الفاشلة لها حصة الاسد من المشاريع التي تعمل بحجة الإستثمار، والتي تنهب خيرات وبركات كوردستان. وتجدر الإشارة هنا بان هذه الشركات لا تراعي قوانين العمل (إن وجدت)، وان العديد من العمال سقطوا ضحية لاساليب الشركات الجشعة، ومن المضحك ان ابنية جديدة سقطت وتهاوت قبل إستلامها.
لا يزال المئات من مستشاري الافواج الخفيفة (الجحوش) المتورطين في عمليات الانفال السيئة الصيت التي ادت إلى مقتل اكثر من 180 الف مواطن كوردستاني من رجال ونساء وشيوخ واطفال دفن معظمهم في مقابر جماعية طليقون، وكانت المحكمة الجنائية قد أصدرت مذكرات اعتقال بحق 258 شخصا منهم، ولكن معظم هؤلاء تمكن من الإفلات من الملاحقة القضائية إما بسبب انضمامهم إلى الأحزاب الكوردية أو الاحتماء بها، أو عبر مغادرتهم العراق إلى دول أوروبية هربا من الملاحقات، ويوما بعد آخر تشتد المطالبة الجماهيرية بتقديم هؤلاء المتهمين للمحكمة، لانهم ساهموا بفعالية ونشاط في عمليات الانفال القذرة، وقتلوا علنا البيشمركة الانصار والمواطنيين المدنيين. ان حكومة اقليم كوردستان بدلا من احالتهم للمحكمة تحترمهم ولهم رواتب مقطوعة، واكثرهم تغلغلوا في مفاصل الحكومة ليساهموا في الفساد والسرقة كما كانوا بالامس عند نظام صدام حسين الدكتاتوري..
تمر الايام وكوردستان بلا حكومة منذ اكثر من (8) اشهر ورغم ذلك تدعي الديموقراطية ودولة المؤسسات، واليوم تجري في كوردستان اللقاءات بين "القادة" الكورد وبقايا البعثيين لتشكيل حكومة العراق المرتقبة، فالنجيفي الذي كان عدوا لدودا للكورد يريد إستقطاع الموصل وتشكيل اقليم بمساعدة حكومة اقليم كوردستان وحكومة الاخوان المسلمين في تركيا، وليعلم الكورد ان طارق الهاشمي الهارب وعلاوي والنجيفي هم اعداء ألداء، وعلينا ان لا نصبح جسرا يعبرون عليه لتحقيق غاياتهم القذرة.
ان الأعداء يقفون ضد الاستقلال وإعلان الدولة الكوردية، وعلينا نحن الكورد والكوردستانيين ان نناضل ببسالة، وان لا نكون اذلاء بأيدي المسؤولين، وعلينا ان ننهض وعدم سماع الذين يريدون ان نسير وفق ما يريدون، علينا ان لا نقبل باكاذيبهم ونثأر ونصرخ بوجوههم فإعلان الإستقلال و إعلان الدولة الكوردية المستقلة تحتاج لإرادة جماهيرية وجرأة.