من بريطانيا إلى فرنسا .. ظاهرة تدفق عكسي للمهاجرين في تصاعد
٩ سبتمبر ٢٠٢٤على عكس عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يعبرون بحر المانش كل عام باتجاه المملكة المتحدة، يقوم آخرون بالرحلة في الاتجاه المعاكس وهذا ما تسميه السلطات الفرنسية "بالتدفقات العكسية". تعتبر هذه ظاهرة هامشية وقليلة الدراسة، لكنها بدأت تحظى باهتمام ومراقبة السلطات الفرنسية. ففي عام 2024، تم توقيف 93 مهاجراً بعد دخولهم بشكل غير قانوني إلى فرنسا من المملكة المتحدة، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن محافظة منطقة "Hauts-de-France".
في هذا الإطار، أكد المحافظ المكلف بالأمن والدفاع في المنطقة، لوي-كزافييه تيرود، لمهاجر نيوز أنه تم "تسجيل أقل من خمسة مهاجرين في السنوات السابقة" وهذا ما يفسر "يقظة الخدمات الفرنسية تجاه الدخول غير القانوني إلى الأراضي الفرنسية من بريطانيا". فعدد المهاجرين بهذه الطريقة مازال قليلا لكنه في تزايد.
المملكة المتحدة كـ"باب خلفي" بالنسبة للمهاجرين من شمال إفريقيا
من بين هذه التدفقات العكسية، يمكن التمييز بين صنفين من المهاجرين. بالنسبة للصنف الأول، أوضح المحافظ، كزافييه تيرود، أنه يستهدف فرنسا كوجهة نهائية ويتم في العادة توقيفهم في وسائل النقل العمومية التي يستخدمونها إلى جانب كشفهم عند الحدود الفرنسية من قبل الجمارك أو الشرطة خاصة من جانب المملكة المتحدة. كما أكد أنه عادة ما يكونون في وضع غير قانوني، وبالتالي يتم إعلامهم بأمر مغادرة الأراضي الفرنسية واحتجازهم في مركز احتجاز إداري، أو يتم إعادتهم ولكن البعض منهم يطلب اللجوء.
ومن جهة أخرى، أشارت في نفس السياق رئيسة الأركان الإقليمية المكلفة بمكافحة الهجرة غير القانونية، المفوضة ماتيلد بوتيل، لمهاجر نيوز، بداية آب/أغسطس، إلى أن المهاجرين هم من المغرب وباكستان، لم يسبق لهم أن وطئت أقدامهم الأراضي الفرنسية ووصلوا إلى أوروبا بفضل تأشيرات أصدرتها المملكة المتحدة وهو ما أكدته العديد من الأحداث التي قامت بتغطيتها الصحافة البريطانية.
ففي آب/أغسطس 2023، تم توقيف حوالي 22 مهاجراً من شمال إفريقيا، بينهم جزائريون ومغاربة وتونسيون وذلك من قبل الشرطة في دوفر أثناء محاولتهم استخدام شاحنة لدخول فرنسا بشكل غير قانوني. هذه الطريقة الجديدة لها إيجابيات للمهاجرين. فمن ناحية، يتجنبون عبور البحر الأبيض المتوسط الخطير وبالتالي تكون رحلتهم أقصر ومن ناحية أخرى، يصلون بشكل قانوني إلى المملكة المتحدة وقد لا يتم ترحيلهم في حال توقيفهم عند الحدود الفرنسية. وقال مصدر في الشرطة لصحيفة "ديلي تلغراف": "علينا أن نحدد ما يجب القيام به، لأنهم يملكون تصريح دخول رسمي إلى المملكة المتحدة. قد يكونون في وضع غير قانوني لأنهم جاءوا هنا تحت ذرائع كاذبة".
وقد أصدرت المملكة المتحدة لمواطنين من المغرب والجزائر حوالي 40,000 تأشيرة سياحية في عام 2023. وقد أكدت المفوضة ماتيلد بوتيل أن الأمر يتطلب عملاً دبلوماسياً لفهم كيفية وصول هؤلاء الأشخاص مشيرة إلى مراقبة هذا الظاهرة بعناية لأنها "غير اعتيادية".
ويذكر أنه مؤخرا، حُكم على رجلين، أحدهما مواطن مغربي، بالسجن لمدة 5 و6 سنوات لتورطهما في تهريب 39 مهاجراً من أصل جزائري ومغربي إلى فرنسا في شاحنة مبردة من المملكة المتحدة.
خيبة الأمل من المملكة المتحدة
الفئة الأخرى من "التدفقات العكسية" تتكون من الأشخاص الذين خاب أملهم في المملكة المتحدة. فأغلب هؤلاء تم رفض طلبات لجوئهم ووجدوا أنفسهم مرة أخرى في وضع غير قانوني وبالتالي عرضة للترحيل.
في أيار/مايو الماضي، التقى صحفي بريطاني من قناة "سكاي نيوز" في مدينة دونكيرك بعمر، وهو كردي يبلغ من العمر 52 عاما، كان قد أنفق 14,000 يورو للذهاب من كردستان إلى المملكة المتحدة، قبل أن يدفع لمهرب 600 جنيه إسترليني إضافية للعودة إلى فرنسا بعد فشل محاولته لتسوية أوضاعه.
يقول عمر في حديثه لقناة سكاي نيوز: "أُبلغت أن طلبي للجوء قد تم رفضه. لم أعد أستطيع تحمل العيش في بريطانيا (...) كان من الممكن أن يعتقلوني ويرسلوني إلى رواندا أو العراق (...) إنه شعور فظيع أن أعود إلى هنا، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟".
2,000 يورو للعودة في شاحنة
بالنسبة للآخرين، مثل محمد بومطة، كان نقص المال والظروف المعيشية الصعبة السبب في إنهاء حلمهم البريطاني. ففي آذار/مارس، التقت صحيفة "ديلي ميل" بهذا الشاب المغربي وهو يتجول على شواطئ دوفر (المدينة القريبة من سواحل فرنسا)، باحثًا بشكل يائس عن شاحنة ليعبر بها المانش في الاتجاه المعاكس.
فوفقًا للصحيفة البريطانية، يطلب المهربون حوالي 2,000 يورو لهذه الرحلة العكسية. يقول محمد: "كنت على وشك الموت الليلة الماضية. كنت على شاحنة لم تتوقف لمدة ثماني ساعات. كنت متشبثًا بها وأخشو من السقوط على وجهي. كان الضجيج رهيبًا". لسوء حظه، اتضح أن الشاحنة لم تكن متجهة نحو محطة العبارات، بل إلى المطار. في تقرير لقناة "آرتي"، التقى الصحفي الفرنسي جوليان جوديشو أيضًا بعدة مهاجرين على الأراضي البريطانية يرغبون في العودة إلى فرنسا.
على الجانب الفرنسي، لم تصادف الجمعيات الناشطة في الميدان مثل هذه الحالات خلال عملها. يقول أكسل غودينا، منسق جمعية "Utopia 56" في كاليه: "أعتقد أن هؤلاء الأشخاص يعرفون بالفعل كاليه والخدمات المتاحة هنا، ولا يتواصلون معنا مرة أخرى. وأفترض أنهم لا يبقون في كاليه بعد عبورهم بالاتجاه المعاكس".
هل تسبب مشروع ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا في تخويف البعض؟
يوضح بيتر والش، محاضر في دراسات الهجرة بجامعة أكسفورد، لموقع مهاجر نيوز أن "الأرقام المتعلقة بالعبور باستخدام القوارب الصغيرة تظهر أن هذا لم يكن له تأثير كبير على حافزهم للقدوم، والسبب الرئيسي في ذلك هو أنهم لم يكن لديهم سوى القليل من التفاصيل حول تنفيذ هذا القانون، الذي تم التخلي عنه في نهاية المطاف".
على الرغم من تزايد عدد المهاجرين، تسعى المملكة المتحدة منذ عشر سنوات تقريبًا للحد من الهجرة غير النظامية. فعندما كانت تيريزا ماي وزيرة للداخلية في عام 2012، أطلقت برنامج "البيئة العدائية"، الذي كان يهدف إلى "جعل بقاء المهاجرين غير النظاميين في المملكة المتحدة أكثر صعوبة" وذلك من خلال تقييد الوصول إلى الخدمات الصحية، وسوق الإسكان، وحتى فتح حساب مصرفي. ومع ذلك، من الصعب تقييم ما إذا كانت هذه الاستراتيجية قد حققت نجاحًا.