مفارقة بين عراق الأمس واليوم بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب
٢٠ مارس ٢٠٠٦يصادف اليوم ذكرى مرور ثلاث سنوات على حرب العراق التي أطاحت بنظام صدام حسين، ولكن يبدو انها لم تأت بثمار الديمقراطية والاستقرار الموعودة، في وقت أصبح فيه الحديث عن إعادة الأعمار من الامور الثانوية المنسية بين دوي الانفجارات وعويل الضحايا. وأخذت آمال العراقيين تحوم الآن حول استقرار يضع نهاية لأعمال العنف الطائفي التي حصدت ومازالت تحصد أرواح الكثير من العراقيين يومياً. كما ان حالة الانقسام الداخلي بين العراقيين باتت واضحة على المستوى السياسي، فرغم مرور نحو ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية، يبدو انه من المبكر الحديث عن تشكيل الحكومة. كما ان الاتفاق على إنشاء مجلس امن وطني قد يكون خطوة إلى الأمام من اجل الوصول إلى إستراتيجية متفق عليها للخروج بحلول من شأنها النهوض بالوضع الأمني المتدهور.
شبح الحرب الأهلية
رغم إشادة الإدارة الأمريكية بسير عملية "إحلال الديمقراطية" في العراق ودفع البلد إلى الاستقرار من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية، تظهر مجريات الأمور على الأرض واقعاً مغايراً للصورة التي مازالت تتحدث عنها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش. ففيما يتعلق بمحاولات الجماعات المسلحة جر البلاد إلى حرب أهلية قال نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني ان هذه المحاولات قد فشلت، مما سيعمل على نجاح المهمة الأمريكية في العراق. ولكن يبدو ان رأي الزعامات العراقية منقسم هو الأخر حتى في هذه المسألة. ففي الوقت الذي أكد فيه الرئيس العراقي جلال الطالباني ان الحرب الأهلية غير واردة، حذر رئيس الوزراء السابق أياد علاوي من ان العراق بات يواجه مخاطر "حرب أهلية رهيبة"، معتبراً ان من الصعب وصف العنف الطائفي الذي يسود البلد بوصف آخر. كما يرى علاوي ان نتائج الحرب لن تقتصر على العراق فحسب، بل ستنتشر بصورة كارثية من خلال انتشار التعصب في المنطقة كلها.
وفيما يتعلق بشبح اندلاع حرب أهلية في العراق حاورنا الخبير الالماني في الشؤون العراقية الدكتور غيدو شتاينبيرغ، الذي كان يعمل مستشارا في ديوان المستشارية. فهو يرى أنه رغم العنف الذي يسيطر على البلاد منذ ثلاث سنوات، إلا انه من المبكر الحديث عن حرب أهلية، طالما ان بعض القوى الشيعية كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري لم تقم "برد منظم على الهجمات الإرهابية الموجهة ضد الشيعة". ويضيف شتاينبيرغ ان هذا لم يحدث حتى الآن بالرغم من "استفزازات بعض الجماعات المسلحة، التي تحاول جر الجانب الشيعي إلى مبادلتها والرد عليها". وأعتبر الدكتور شتاينبيرغ ان تصريحات علاوي لا تعتبر سوى وسيلة لتوجيه النقد إلى أداء الحكومة الحالية في السيطرة على الملف الأمني. ولكن للعنف المستمر في العراق عواقب سلبية مستقبلية كثيرة على الصعيدين الأمني والسياسي.
مباحثات دون نتائج
بعد مرور أكثر من ثلاثة اشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية لم يتوصل زعماء القوائم الفائزة من التوصل إلى صيغة لتشكيل الحكومة القادمة، إذ ان جميع الأطراف ما زالت تختلف في ترجمة معنى "حكومة وحدة وطنية". فالسنة يرون في مبدأ "الاستحقاق الوطني" أساسا لهذه الحكومة وهو ما يضع إشارات استفهام عن جدوى إجراء الانتخابات التي تعتبر أساسا للديمقراطية في جميع الأحوال، أما الشيعة والأكراد فيرغبون ان يكون الاستحقاق الانتخابي هو الأساس في تشكيل الحكومة، حيث فازوا بأغلبية مقاعد البرلمان. وبهذا الخصوص يقول الدكتور شتاينبيرغ ان تشكيل وحدة حكومة وطنية تعتبر أداة حقيقية للاستقرار في حالة عدم الأضرار بالقدرة على إدارة الأمور، ويضيف قائلاً " بعض القوى السنية الممثلة في البرلمان تهدف الى تعقيد الأمور"، معبراً في نفس الوقت عن خشيته من ان يكون هدف ذلك دعم المسلحين سياسياً. وهذا يعد مشكلة حقيقية بوجه التوصل إلى أسس مشتركة لبناء الحكومة.
مجلس جديد للأمن الوطني
ومع مرور الذكرى الثالثة تم تعليق المباحثات حول تشكيل الحكومة العراقية المستمرة منذ وقت طويل من دون الوصول إلى نتائج ملموسة لمدة أسبوع. فقد اتفق زعماء العراق على المبادئ العامة لإنشاء مجلس امن وطني داخل مجلس الوزراء من جميع ممثلي الكتل للإشراف على تحقيق الأمن والاستقرار المنشودين وكل ما يتعلق بأمن العراق. وسيتألف المجلس من 19 مقعداً: 9 منها للشيعة و 4 للسنة و4 للأكراد ومقعدين لليبراليين. ورغم الاتفاق على تشكيل المجلس إلا ان هنالك ثمة رأيان حول صلاحيات هذا المجلس، الأول يطالب باقتصار المجلس على الدور الاستشاري، فيما يرى آخرون ان من الضروري منح المجلس بعض الصلاحيات، وهو ما سيحسم في خلال هذا الأسبوع. وبهذا الخصوص عبر الرئيس العراقي جلال طالباني عن تفاؤله بمثل هذا المجلس. كما يرى الدكتور شتاينبيرغ ان حل الأزمة العراقية يكمن في الجانب السياسي وليس العسكري، من خلال إشراك الجماعات السنية المسلحة في العملية السياسية للخروج من دوامة العنف. ولكن الدكتور شتاينبيرغ يعتقد ان العملية ستحتاج إلى الكثير من الوقت لان هذه الجماعات أصبحت تتمتع بدرجة لا يستهان بها من القوة بحيث أن تجاهلها اصبح غير ممكن. وبما ان جزءا كبيرا من الخلاف بين الزعماء العراقيين سببه الوضع الأمني المتدهور وطريقة تعامل الحكومة في معالجة أسبابه، فقد يكون الاتفاق على سياسة أمنية موحدة مجرد خطوة أولى نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية.