معهد غوته: بستان الثقافة واللغة الألمانية في قلب العالم العربي
يشكل نشر اللغة والثقافة الألمانية في دول العالم العربي بوابة ينفذ عبرها المهتمون إلى المجتمع الألماني. وبعد تأسيس معهد غوته في عام 1951، كمركز ثقافي تابع لجمهورية ألمانيا الاتحادية، تولى القائمون عليه مهمة نشر لغة ألمانيا وثقافتها من خلال فروعه المنتشرة فروعه في العديد من الدول العربية. فلا غرو أن المهتمين بألمانيا في العالم العربي ليسوا بقليلين، ومرجع ذلك هو السمعة الطيبة، التي يحظى بها كل ما هو ألماني هناك. ومن الملاحظ أن الآونة الأخيرة شهدت جهوداً مكثفة قام بها العاملون في معهد غوته من أجل تعزيز الحوار الثقافي العربي - الألماني. ولعل من قبيل الصدفة البحتة أن يكون "شارع البستان" هو الشارع، الذي يزخر بفرع معهد غوته في القاهرة، لكن أن يطلق أحد المثقفين المصريين على المعهد لقب "بستان اللغة والثقافة الألمانية"، فهو بلا شك من دواعي الاكتراث بالمهمة، التي تقع على عاتق هذه الدار العريقة، وبالدور، الذي تلعبه في التقارب بين الشعوب.
حفاوة وتعاون مشترك
في العاصمة المصرية التقى الموقع العربي لدويتشه فيلّه بالسيد يوهانس ايبرت، مدير فرع معهد غوته في كل من القاهرة والإسكندرية والمسئول الإقليمي عن جميع فروع معهد غوته في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومما لا شك فيه أن الحفاوة والاحترام، اللذان استقبل بهما السيد ايبرت موقعنا قد جاءا انعكاساً لطبيعة التعاون المشترك والقائم بين مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية ومعهد غوته منذ سنوات عديدة، والذي كان من ثماره إنتاج دورات تعليم اللغة الألمانية عبر الانترنت، وهي ما يثير اهتمام وإعجاب قرائنا الأعزاء في شتى أرجاء العالم العربي.
اللغة الألمانية يسر لا عسر
خلال السنوات الأخيرة قام معهد غوته بتطوير أساليب تدريس اللغة الألمانية لغير الناطقين بها، مما أدى إلى تراجع الاعتقاد السائد في جميع أنحاء العالم بصعوبة تعلم لغة كانط وفريدريش شيلر وتوماس مان وغونتر غراس وغيرهم من الأدباء والمفكرين الألمان. كما أن مدلول ذلك هو إقبال الشباب العربي على تعلم الألمانية في أوطانهم، وهذا ما يؤكده ايبرت بالقول:"منذ أعوام وفروع معهد غوته، المنتشرة في العديد من الدول العربية، تسجل أعدداً ضخمة لدراسي اللغة الألمانية بها. ففي القاهرة وحدها يتلقى سنوياً ما يزيد عن 1000 شخص دروساً في اللغة الألمانية".
سر الإقبال على تعلم الألمانية
ويدفعنا هذا الرقم الملفت للانتباه إلى التساؤل عن السر، الذي يكمن وراء الإقبال الشديد على تعلم اللغة الألمانية، وهو ما يملك يوهانس ايبرت إجابة شافية عليه، إذ يقول:"هناك أسباب قوية تدفع الجيل الشاب إلى تعلم الألمانية، إذ يبلغ عدد الناطقين بالألمانية في أوربا حوالي 100 مليون شخص، وهم من مواطني دول ذات ثقل اقتصادي عالمي كبير كألمانيا وسويسرا والنمسا. أما شبكة الانترنت فتفيض بملايين الصحفات الالكترونية الألمانية، التي تشكل مصدراً فائق الأهمية للحصول على معلومات في كافة مجالات الحياة." وبالإضافة إلى ذلك يتطلع الكثيرون في العالم العربي إلى ألمانيا كدولة أوربية متحضرة تربطها علاقات حسنة بكافة الدول العربية. أما السواد الأعظم من الفئة الشابة فيود الدراسة في الجامعات الألمانية ذات السمعة الدولية الممتازة.
الإنكليزية لغة هامة ولكن...
تبقى اللغة الألمانية، مقارنة باللغة الإنكليزية والفرنسية، أقل انتشاراً في العالم العربي، وهو ما يعود إلى التطورات السياسية، التي طرأت على الدول العربية في القرون المنصرمة، بالإضافة إلى الدور المحوري، الذي تلعبه اللغة الإنكليزية كوسيط دولي في عصر العولمة، إلا أن ايبرت يرى أنه من الضروري ألا "ينحصر اهتمام العرب وغيرهم باللغة الإنكليزية وحدها،إذ انه يجب على المرء في عصرنا الحالي أن يلم بأكثر من لغة من أجل العمل والتعايش وتفهم ثقافات الأخرى، على حد تعبيره".
"بستان ثقافي"
ويعتبر يوهانس ايبرت تشبيه أحد المثقفين المصريين، لمعهد غوته بـبستان للثقافة واللغة الألمانية في مصر والعالم العربي، أحد دواعي سروره وتكليلاً للجهود اليومية، التي يبذلها العاملون بالمعهد، من أجل تفعيل الحوار الثقافي مع شعوب الدول المتواجدين بها وخصوصاً الدول العربية. فهناك العديد من الأنشطة التي يسهر موظفي المعهد على إعدادها ليتمكن الجمهور العربي من الحصول على معلومات شاملة عن الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية في ألمانيا، وذلك عن طريق المحاضرات والندوات الثقافية التي ينظمها معهد غوته لجمع شمل الألمان بأصدقائهم العرب، فضلاً عن مراكز المعلومات الحديثة ببعض الفروع، كمركز دويتشه فيلّه بمعهد غوته في القاهرة على سبيل المثال، والذي يمكن من خلاله للمواطن العادي استماع ومشاهدة برامج راديو وتلفزيون دويتشه فيلّه، بالإضافة إلى الإطلاع على موقعنا على شبكة الانترنت. أما مكتبة معهد غوته فأينما كانت تزخر بما جادت به قريحة الكتاب الألمان في مجالات متعددة، كالأدب والفن والفلسفة والسياسة والتاريخ. وعنها يقول ايبرت: "ينشرح قلبي كلما رأيت مكتبة معهد غوته في القاهرة، فهي دائماً عامرة بالمصريين، الذين يترددون عليها بشكل مستمر. وفي بعض الأحيان يضطر الكثيرون إلى الانتظار بعض الوقت خارج المكتبة حتى تشغر أمكان الإطلاع، فهى لا تحتوى إلا على ستين مقعداً فحسب".
ومن حين لآخر يحرص السيد يوهانس ايبرت، الذي يجيد لغة الضاد، على زيارة موقع دويتشه فيلّه باللغة العربية على شبكة الانترنت، ويؤكد ايبرت على"الدور الهام، الذي يلعبه هذا الموقع في نقل صورة واضحة للمواطن العربي عن مختلف نواحي الحياة في ألمانيا"،. وينظر ايبرت إلى المواقع الالكترونية الألمانية، التي تخاطب العرب بلغتهم الأصلية، على أنها "مقومات هامة تساهم في إثراء الحوار الثقافي بين العالم العربي وألمانيا، فنحن كلنا في قارب واحد ليتم التقارب بين الشعوب"، على حد قوله.
علاء الدين سرحان