معضلة أوباما في مواجهة تنظيم"الدولة الإسلامية"
٢٩ أغسطس ٢٠١٤أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن افتقاد واشنطن لإستراتيجية واضحة في التعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، ردود فعل وتساؤلات حول فعالية السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في ظل المتغيرات المتسارعة.
أولى الانتقادات جاءت من المعارضة الجمهورية في الكونغرس، حيث اعتبر النائب الجمهوري توم برايس في رسالة على موقع تويتر "الرئيس يقول (ليست لدينا استراتيجية بعد) للتعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية". هذا واضح وغير مقبول على نحو متزايد." ما دفع البيت الأبيض إلى تقديم توضيحات بأن أوباما كان يشير إلى الخيارات العسكرية وأن الرئيس لديه استراتيجية شاملة لمواجهة "الجماعة" من خلال الوسائل الديبلوماسية. بيد أن الخبراء يعتقدون أن تصريحات الرئيس أوباما تكشف أيضا عن أبعاد المعضلة التي يواجهها الرئيس أوباما في تعامله مع هذا الملف.
في حوار مع DW عربية يرى حسن أبوهنية، الخبير الأردني في شؤون الإرهاب بجامعة عمان، أن "إدارة الرئيس أوباما تواجه صعوبة كبيرة في بناء استراتيجية لمواجهة داعش الذي استطاع أن يحقق مكاسب ميدانية كبيرة في العراق وسوريا". لكن الخبير في الشؤون الدفاعية بمعهد بوكنز في واشنطن، ميشائيل أوهانلاو، يقول في حوار مع DW"نحن في حرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وإدارة الرئيس أوباما قطعت شوطا في الاتجاه الصحيح، عندما استصدرت إذنا من الكونغرس بتدريب وتسليح قوات المعارضة السورية المعتدلة،. ويعترف الخبير الأمريكي بأن الإدارة ما تزال في "بدايات" المعركة.
هل تحتاج واشنطن لـ"بيشمركة" سورية؟
ويرى محللون أن تحرك إدارة الرئيس أوباما يستم ببراغماتية كبيرة، فقد بنى منذ وصوله إلى البيت الأبيض سياسته الخارجية على عدم خوض حروب جديدة، وأمر بسحب القوات الأمريكية من العراق ثم من أفغانستان. ووجد نفسه في مواجهة وضع جديد فرضته الانتصارات السريعة التي حققها تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، الأمر الذي حتّم عليه خوض حرب لمواجهة "الخطر الأكبر" للولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة.
ولئن وجدت الإدارة الأمريكية في الحالة العراقية مجالا للتوفيق بين توجهات سياسة الرئيس أوباما ومقتضيات التدخل العسكري المستعجل لحماية الأقليات في شمال العراق، فإنها (الإجارة الأميركية) تواجه الآن في حقيقة الأمر صعوبات بسبب اختلاف الوضع السوري عن العراقي: ففي شمال العراق وجدت القوات الأمريكية على الأرض قوات محلية هي البيشمركة الكردية اعتمدت عليها برا وقدمت لها مساعدة جوية عبر طلعات استكشافية وضربات جوية لمواقع تنظيم"الدولة الإسلامية" مما اضطر هذه الأخيرة للتراجع.
بيد أن الوضع في سوريا يطرح على صانعي القرار السياسي والعسكري الأمريكي "صعوبات جمة"، كما يقول حسن أبو هنية. فمن ناحية، تمكَن "داعش" من السيطرة على مناطق استراتيجية في شمال سوريا وهي حلب والرقة ودير الزور. ومن ناحية ثانية، هنالك مشكلة غياب قوة محلية على الأرض مشابهة لقوات البيشمركة. وفي ظل استبعاد خيار التعامل مع نظام الأسد في مواجهة داعش، لا تبدو قوات المعارضة السورية المعتدلة والمتمثلة أساسا في الجيش السوري الحر الضعيفة عسكريا والمنقسمة سياسيا، جاهزة – على الأقل الآن – للقيام بدور عسكري محوري في الحرب على تنظيم" الدولة الإسلامية"، كما يلاحظ الخبير الأردني.
ويعترف خبراء أمريكيون بأن الإدارة الأمريكية "تأخرت كثيرا" في اتخاذ قرار بالتدخل في سوريا، "كما تأخرت كثيرا في عمليات تدريب قوات المعارضة المعتدلة وتسليحها"، كما يلاحظ ميشائيل أوهانلاو. وفي ظل التطورات المتلاحقة أصبح البنتاغون لديه صعوبات في رصد المعطيات العسكرية الميدانية في المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية المتشددة، ولذلك بادرت الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة بإعطاء الضوء الأخضر للقوات الجوية بالقيام بطلعات استكشافية فوق تلك المناطق. لكن "هجوما عسكريا جويا" ضد مواقع "داعش" الآن "ليس وشيكا"، كما أكد ذلك الرئيس أوباما الذي طلب من مستشاريه في مجلس الأمن القومي بلورة الخيارات العسكرية الممكنة.
إدارة أوباما تتحرك في "حقل ألغام"
وتواجه إدارة الرئيس أوباما، في محاولتها بناء جبهة إقليمية ودولية، صعوبات وتعقيدات مرتبطة بطبيعة القوى المؤثرة محليا وإقليميا. وكما تسعى واشنطن إلى بناء تحالف مع "قوى سنية معتدلة" في العراق وفك ارتباطها مع تنظيم"الدولة الإسلامية"، تجري أيضا محاولات لدعم قوى من المعارضة السورية المعتدلة، لكن في الحالة السورية تبدو الأمور "أكثر تعقيدا"، كما يقول الخبير الأردني حسن أبو هنية. ويضيف أن تعدد الجماعات الجهادية ونفوذها على جبهات القتال ضد نظام الأسد في سوريا يجعل الإدارة الأميركية في حيرة من أمرها، مشيرا إلى التخبط أحيانا في تصنيف تلك الجماعات كتنظيمات إرهابية. فبينما تم وضع "جبهة النصرة" من قبل واشنطن ضمن لائحة الارهاب، ما تزال هنالك شكوك حول مكونات "الجبهة الإسلامية".
وتتحرك الإدارة الأمريكية في منطقة مضطربة وشديدة الانقسامات، ما يجعل مهمة بناء تحالف إقليمي لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" مهمة شاقة. ذلك أن التناقضات المذهبية والطائفية تهيمن على علاقات دول المنطقة، مثل الصراع بين إيران والسعودية، إضافة للتنافس والانقسامات بين الدول السنية المعتدلة خصوصا داخل مجلس التعاون الخليجي التي تشكل دوله داعما رئيسيا للمعارضة السورية. "فضلا عن انقساماتها، فإن دول المنطقة لا تتوفر على جيوش متمرسة في خوض حروب كبيرة، مما يجعل دورها محصورا في تقديم خدمات لوجستية وإسناد مالي"، على مايلاحظ أبو هنية.
لكن الرئيس أوباما، الذي يعول على حلفائه الأوروبيين في جهود تسليح قوى محلية لمواجهة"الدولة الإسلامية"، ليس لديه خيارات كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فهو "مضطر للإعتماد على خدمات تركيا ودول الخليج العربي"، وفق ما يبرز الخبير الأمريكي ميشائيل أوهانلاو.
وفي ظل الصعوبات الميدانية والاستراتيجية، يعتقد الخبير الأردني حسن أبو هنية أن استراتيجية الإدارة الأمريكية ستكتفي في المرحلة الحالية على الأقل بوضع خطط لمنع تقدم تنظيم" الدولة الإسلامية" وليس القضاء عليه، مشيرا إلى أن هدفا من هذا القبيل يقتضي استراتيجية طويلة الأمد لا تعتمد فقط على الوسائل العسكرية، بل أيضا على حلول سياسية للأزمات القائمة في دول الربيع العربي، سواء سوريا أو اليمن ومصر و ليبيا.