١٩ سبتمبر ٢٠٢١
اتسمت الحملات الانتخابية في الانتخابات العامة في ألمانيا التي ستجرى في السادس والعشرين من سبتمبر / أيلول الجاري، بالهدوء إلى حد ما فيما يتعلق باستخدام الأحزاب السياسية للموسيقى والأغاني لاستقطاب المزيد من الناخبين.
بيد أن الأمر ظل هادئا حتى اُثيرت ضجة عقب نشر حزب الخضر مقطعا مصورا لمجموعة من الأشخاص من مختلف الأعمار وهم يقومون بغناء نسخة جديدة من أغنية قديمة من التراث الألماني تعود للقرن التاسع عشر وتحمل أسم "ما من بلد أجمل في هذا الوقت" (Kein schöner Land in dieser Zeit)، والتي أُذيعت لأول مرة عام 1840.
وتم استخدام كلمات جديدة في النسخة المعدلة من الأغنية للدلالة على "الطرق الحديثة ووسائل المواصلات من حافلات وقطارات وبالتأكيد خدمات الإنترنت اللاسلكي فائق السرعة."
وبعيدا عما إذا كانت النسخة المعدلة من قبل حزب الخضر لهذه الأغنية، قد لاقت استحسانا من الألمان أم لا، فإنها حققت لحزب الخضر الهدف الذي كان يرغب في تحقيقه والمتمثل في جذب انتباه الكثير من الألمان.
وقد حققت الأغنية مشاهدات كبيرة بلغت أكثر من 600 ألف مشاهدة على موقع اليوتيوب وأكثر من مليون ونصف المليون على تويتر.
الموسيقى تثير العواطف
ودائما ما تثير الموسيقى العواطف وتحفز الناس فضلا عن قدرتها على خلق إحساس بالانتماء والوطنية ، لذا يلجأ السياسيون إلى الموسيقى والأغاني لكسب ود الناخبين خلال الحملات الانتخابية.
بيد أن الأمر قد يسير على عكس ما ينشده السياسيون فيما يتعلق بالناخبين أو الموسيقيين الذين يكتبون هذه الأغاني. فعلى سبيل المثال، تعرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لمشاكل كثيرة في اختياراته للأغاني والموسيقى.
أما فيما يتعلق بالأحزاب السياسية والسياسيين في ألمانيا، فلم يكن اللجوء للموسيقى بالأمر السهل.
ففي عام 2005، أعربت فرقة الروك البريطانية "ذا رولينج ستونز" عن استيائها من استخدام أغنية الفريق الشهيرة "انجي" كنشيد غير رسمي للحملة الانتخابية لحزب ميركل، إذ قال الناطق باسم الفرقة في ذاك الوقت إن أعضاء الفريق أصيبوا بخيبة أمل لأنه لم يتم استئذانهم قبل استغلال الأغنية.
وبعد ذلك وتحديدا خلال السباق الانتخابي عام 2013، لم ترغب فرقة غنائية ألمانية تسمى "دي توته هوزا" (Die Toten Hosen) في أن يستخدم الحزب الديمقراطي المسيحي أغنية الفريق الناجحة "Tage wie diese" أو "أيام مثل هذه" في الحملات الانتخابية.
واضطر الحزب إلى التوقف عن استخدام الأغنية، إلا أنه جرى استخدامها مرة الأخرى للاحتفال بفوز الحزب بالسباق الانتخابي، لكن عقب الحصول على موافقة الفرقة.
وفي ذلك الوقت، قال رئيس الفرقة كامبينو في مقابلة مع محطة "إن.دي.آر" الألمانية إن الأغنية كانت مناسبة للأجواء الاحتفالية.
القواعد المنظمة
ويرى فابيان راك - محام ألماني متخصص في حقوق النشرـ أن هناك ضوابط وقواعد في البلاد حيال استخدام الموسيقى والأغاني خاصة لأغراض سياسية.
وأضاف أن هذه القواعد تنص على أنه يحق للأشخاص الذين يؤلفون مقطوعات موسيقية وأغاني أن يقرروا من يستخدم هذا العمل الموسيقي، لكن في الغالب لا يكون من الضروري الحصول على إذن فردي في المقام الأول، لأنه قد يمكن الاستعاضة عن ذلك باللجوء إلى المنظمات التي تُعنى بحقوق الملكية الفكرية نيابة عن أصحاب الأعمال الفنية.
وفي ألمانيا، فإن الأمر متروكا بأسره لجمعية غيما (GEMA) التي تعنى بالدفاع عن حقوق الملكية الفكرية للمطربين والملحنين وتقوم بتحصيل رسوم في كل مرة يتم فيها تشغيل مقطوعة موسيقية بشكل تجاري لأي مغني أو ملحن ما يجيز تلقائيا استخدام أعمال الفنانين الذين تمثلهم غيما التي تقوم بعد ذلك بإعادة توزيع الأموال على الموسيقيين.
وبشكل أساسي، يمكن للأحزاب السياسية استخدام أي قطعة موسيقية أو أغنية في الحملات الانتخابية طالما حصلت على موافقة من هذه الجمعية، لكنهم في حاجة إلى الحصول على تصريح من مؤلفي العمل الموسيقى إذ رغبت الأحزاب في استخدام الأغنية في فيديو الحملة الانتخابية.
بيد أن استخدام الأغاني يحمل في طياته إشكالية إذ قد يوحي الأمر بأن صاحب هذا العمل الغنائي يدعم الحزب السياسي الذي يوظف هذا العمل في الحملات الانتخابية وهو ما قد يشكل انتهاكا للحقوق المعنوية للمؤلف.
وقد أوضح راك ذلك بقوله لـ DW إن "حقوق النشر ليست فقط حقا تجاريا يحول العمل الموسيقي إلى سلعة تجارية، لكن يتعين مراعاة أن الفنانين لديهم ارتباط أخلاقي شخصي بفنهم. وحتى إذا تم الحصول على ترخيص من منظمة غيما، فلا يعني ذلك استخدام العمل الموسيقي في سياق مشوه."
الأضرار بسمعة المطرب أو المطربة
وفي عام 2015، تعرض الحزب القومي اليميني المتطرف (NPD) في ألمانيا لمشكلة قضائية عندما رفعت المطربة الألمانية هيلين فيشر دعوى ضد الحزب بعد استخدامه لأغنيتها الشهيرة (ليلة تحبس الأنفاس).
وقضت المحكمة الإقليمية العليا في تورينغن لصالح الدعوى التي أقامتها فيشر إذ اعتبرت أنه من الممكن أن تتضرر سمعة المطربة إذا استخدم هذا الحزب الأغنية خاصة وأن المحكمة الدستورية الفيدرالية قد صنفت الحزب بكونه مناهضا للدستور.
وقالت المحكمة إن فيشر أكدت أنها لا تؤيد آراء ومواقف الحزب.
ولم تكن فيشر المطربة الوحيدة التي اتخذت مواقف ضد هذا الحزب إذ أقامت فرقة ألمانية تسمى "نحن أبطال" Wir sind Helden دعوى قضائية ضد الحزب بعد استخدامه إحدى أغاني الفريق وهي أغنية (جئت لأبقى) وكذلك أقامت فرقة "دي هونر" (Die Hِöhner) دعوى قضائية ضد الحزب بعد استخدامه أغنية الفريق الشهيرة (متى؟ إن لم يكن الآن). وقد قضت المحاكم الألمانية لصالح الفرقتين.
ولم يكن الحزب القومي الحزب الوحيد التي تعرض لدعوى قضائية جراء استخدام أغاني لأغراض سياسية وانتخابية.
ففي عام 2016، قرر حزب (البديل من أجل ألمانيا) الشعبوي التوقف عن استخدام الأغاني خلال حملاته الانتخابية بعد أن رفعت دعوى قضائية ضده تتعلق بحقوق الملكية الفكرية عقب استخدام الحزب لإحدى أغاني فرقة غنائية فرنسية في أحد الفيديوهات الترويجية للحزب دون الحصول على موافقة الفرقة.
ورغم الدعوى القضائية، لم يقدم (حزب البديل من أجل ألمانيا) الشعبوي على سحب الفيديو لكنه للتغلب على هذه الإشكالية قام بإزالة أغنية الفرقة فيما بقى الفيديو دون موسيقى إذ رفضت الفرق الغنائية السماح باستغلالها أغانيها لصالح الحزب.
وأيا كانت الميول السياسية، فإن استخدام الأغاني الشهيرة أصبح بالأمر الشائك ما دفع الأحزاب إلى تأليف أغاني انتخابية خاصة بها.
فعلى سبيل المثال، استعان الحزب الديمقراطي المسيحي بالموسيقار العالمي ليسلي ماندو لإنتاج أغنية خاصة بالحزب خلال الانتخابات الماضية، بيد أن أغنية An jedem neuen أو (في كل يوم جديد) لم تحقق نجاحا كبيرا.
كذلك لم تحقق أغنية Wir sind Zuhaus أو (نحن الوطن) الخاصة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي في ذاك الوقت، نجاحا كبيرا.
وباستثناء حزب الخضر، امتنعت الأحزاب الرئيسية عن استخدام الأغاني الشهيرة في الحملات الانتخابية هذا العام.
ورغم أن هذا الأمر ليس بالجيد إذ أن الموسيقى تعد مصدر إلهام وقد تستقطب المزيد من الناخبين إلا أن الأحزاب رأت في ذلك تفاديا للدخول في قضايا تتعلق بانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
وحتى حزب الخضر لا يواجه أي إشكالية تتعلق بانتهاك حقوق الملكية في استخدامه لأغنية "ما من بلد أجمل في هذا الوقت" في حملاته الانتخابية الجارية إذ أن حقوق الملكية الفكرية والنشر تسقط بعد 70 عاما.
أنابيل ستيفس هالمر / م ع