معركة دمشق : انهيار الرايخ البعثي الثاني
٢٩ نوفمبر ٢٠١٢رغم المواقف الدولية وحتى العربية المترددة من دعم الثورة السورية ، ورغم حجم المساعدات اللوجستية والعسكرية والاقتصادية وحتى المقاتلين التي يتلقاها النظام السوري من حلفائه في المنطقة والعالم كروسيا وكوريا الشمالية وإيران والعراق وحزب نصر الله في لبنان ، وبرغم نزيف الدم الهائل الذي قدمه الشعب السوري وهو يواجه الآلة العسكرية لنظام الصمود والتصدي والممانعة المزعومة ، وبرغم مراهنة النظام على عنصر الزمن والمناورة العملياتية لإجهاض الثورة السورية إلا أن كل ذلك تلاشى وأمتد زخم الثورة الهادر ليشمل خارطة الوطن السوري بأسرها وليمتد لهيب الثورة من الشمال الحر وحتى الشرق المتحرر ووصولا للجنوب الثائر وصعودا لجبل العرب معقل الأحرار وأرض الثورة والحرية .
المواجهة العسكرية القادمة لن تكون سهلة وليست مجرد نزهة بل أنها مواجهة شاملة حاسمة جامعة مانعة يعتمد عليها مستقبل الوطن السوري وهي مواجهة باتت قريبة جدا ، فالرايخ البعثي الثاني الذي ظل طويلا يعتمد على الشعارات والدجل الثوري و التزويق اللفظي عبر البيانات الفارغة قد أفلس تماما و نهائيا بعد أن وصل تصميم المقاومة الثورية الشعبية لحدوده القصوى بعدم التراجع والخضوع لمناورات السلطة وحلفائها ورفض التفاوض تحت أي ظرف والإصرار على رحيل النظام والذي ترجمته المعارضة ميدانيا من خلال استمرار الصراع رغم لجوء النظام للعنف المفرط وللإيغال في ضرب المدنيين واللجوء للسلاح الجوي الذي لم يستطع أبدا حسم الوضع على الأرض ، فهذه حدود السلطة قد تقلصت كثيرا ، وهذه معركة حلب التي عول النظام على إنهائها خلال أسبوع واحد فإذا بالشمال السوري بات شبه منسلخ عن سيطرة النظام .
لم يعد للنظام من حل سوى وسيلتين أما الهرب والانكفاء والانسحاب نحو منطقة الساحل والتحصن بالكيان الطائفي الموعود وهو خيار صعب وغير قابل للتطبيق السلس بسبب تداخلات عديدة أبرزها أن الطائفة العلوية نفسها ليست على خط واحد متحد في الموقف من النظام ، وإما الاستعداد التام لخوض المعركة النهائية على تخوم دمشق وفي أحيائها والدخول في مواجهة ميدانية حاسمة قد تنهي الموقف بالكامل وتفرض حلا عسكريا دمويا صعبا ستكون له تداعياته الخطيرة على مستقبل السلم الأهلي والتوازن الاجتماعي وحتى على مستوى الخراب العمراني الشامل الذي قد يحول عاصمة الأمويين الجميلة العريقة لأطلال خربة .
وهذا على ما يبدو هو الخيار المفضل للنظام وأجهزة مخابراته التي باتت تعيش وضعا متحللا بعد هروب الكثير من عناصرها وبعد تحلل المؤسسة العسكرية أيضا والانهيار الاقتصادي والنفسي الشامل لعناصر النظام ، لا مندوحة عن القول بأن نظام البعث السوري بات يعزف اليوم أنغام معزوفة ( غروب الآلهة ) لفاغنر ، وأضحى يعيش تداعيات السقوط الحتمية ، ومعركة دمشق ستكون دون شك هي الفيصل و الحاسمة بشكل نهائي ، لأن من يمتلك دمشق يمتلك سوريا وأية ملاذات أو منغلقات طائفية و تقسيمية لن تنقذ النظام المتحلل السائر بيديه و تخطيطه نحو الجحيم و الاضمحلال و الانسحاب النهائي و التراجيدي من مسرح التاريخ وترك الشعب السوري يقرر مصيره بعد عقود طويلة من الهيمنة العائلية السوداء التي حولت سوريا العظيمة لإقطاعية عائلية يتوارثها الأبناء و الأحفاد .
ما مصير رأس النظام؟
تبقى مسألة مصير رأس النظام وقادته وكيف سيكون، هل سيخوض بشار وحزبه المعركة الأخيرة ويتلقون نتائجها في ساحة الوغى وحيث ينتحر المهزوم أو يقتل من أجل العرش المتهاوي ؟ أم سيكون المصير كمصير قائد الرايخ البعثي الأول صدام حسين الذي أنسحب هاربا ليظهر بعد شهور في حفرة ؟ أم تراه ينسحب تكتيكيا ليكون المصير كالقذافي الذي كان ؟ أم أن الطائر الميمون سيشغل محركاته لنرى رأس النظام في طهران أو موسكو ولربما بيونغ يانغ! كل الخيارات ممكنة ، ولكن ثمة خيار واحد بات واضحا وهي أن دمشق تعيش اليوم لحظات تحررها ، وإن حرية دمشق ستكون البوابة الكبرى لحرية الشرق القديم بأسره.. وتلك هي الحقيقة ، فوداعا لنظام الرايخ السوري البعثي الثاني آخر المهزومين والمندحرين.