معرض دوكومنتا: فضاء لفن يرفض القيود
١٢ يونيو ٢٠١٢غرفة مظلمة لا يستطيع زائرها رؤية أي شيء، وفيها تصطدم أذناه بأصوات غريبة، بين الهمس والصراخ. وعندما يدخل الزائر لمعرض دوكومنتا العالمي تلك الغرفة، تختلط عليه الأمور. وفجأة يكتشف وجود عشرات الراقصين إلى جانبه. كيف ذلك؟ هل يرقصون من دون جمهور؟ وهل تحول الزائر إلى جزء من الحدث؟ إنه إحساس غريب بالمكان، يتولد عن دخول تلك الغرفة التي تمثل الذروة في معرض "دوكمنتا" في نسخته الـ13 المقام حاليا في مدينة كاسل الألمانية. وقد قام بإخراج ذلك العرض الراقص الفنان الألماني-البريطاني الأصل تينو سيغال، وحسب مديرة المعرض كارول كريستوف بكرغييف، فإن عرض سيغال هذا، تجاوز كل المفاهيم الفنية الحديثة. وهو يتماشى بذلك مع الأفكار التي يطرحها معرض دوكمنتا العالمي الثالث عشر.
وقبل انطلاق المعرض في التاسع من حزيران يونيو 2012، صرحت كريستوف بكرغييف، أنه لم يوضع أي إطار فني محدد لهذا المعرض، فجميع الأفكار مرحب بها، وكل شيء جائز وقابل للنقاش. وهذا ما يطرح تساؤلات طالما شهدتها القاعات والمعاهد الفنية حول تعريف ماهية الفن، فمتى يكون الفن فنا؟ مديرة المعرض أوضحت في كلمتها الافتتاحية للدوكوميتا أن الفن عبارة "عن مجموعة من الأعمال، والإيماءات والأفكارن فضلا عن حقائق. وعن ذلك تنتج علاقات تظهَر للعيان وتسمى فنا". وأضافت المديرة "أن الحدود التي تفصل الفن عما هو غيرالفن تفقد من أهميتها، حيث إن معرض دوكومنتا يشكل وضعا فكريا".
الرفض لكل المفاهيم الكلاسيكية
وربما يكون مصطلح "الرفض" الأقرب إلى تعريف الفن كما قدمته المشرفة على المعرض العالمي، رفض جميع المفاهيم الكلاسيكية للفن، وكل العروض المتداولة في غالبية المعارض الفنية. وقد توجه ما يزيد عن 160 فنانا من كل أقطار العالم إلى مدينة كاسل للمشاركة في المعرض. وهم لا يمثلون مختلف أنواع التوجهات الفنية فحسب وإنما مختلف المجالات العلمية أيضا بما في ذلك العلوم والفيزياء واللسانيات والهندسة والفلسفة وغيرها. وكل هؤلاء مطالبون بطرح مفاهيم فنية مختلفة عمّا يسود الساحة الفنية القائمة.
وبالنسبة لعالم الإعلاميات والإعلام دفيد لينك الذي يعيش في مدينة كولونيا غرب ألمانيا فلا يوجد فضاء إبداعي أفضل من معرض دوكمونتا. وفي مشاركته الأولى في هذا المعرض في نسخته الثالثة عشرة قدم الفنان عرضا تحت عنوان "الإنسان والآلة". ويتحدث الأستاذ المحاضر في جامعة لابيزيغ لمادة "التقنيات التجريبية في السياق الفني" عن أن السواد الأعظم من الناس "يعتقد أن الكمبيوتر تم اختراعه في الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي في حين أن الكمبيوتر صنع مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية في بريطانيا".
وقام لينك بإعادة تصنيع ذلك الحاسوب الذي حمل آنذاك اسم "مانشستر مارك 1"، حيث تم فيه إدخال برنامج لصياغة الرسائل الغرامية. وهذا ما أثار الإعجاب الشديد للخبير في مجال البرمجيات. ويوصف لينك في معرض دكومنتا بأنه يعمل على خطى "التاريخ الإعلامي وتتجلى أهمية إبداعاته في خلق قصص بديلة عن تقنيات دخلت طي النسيان؛ كما أنه يطور سيناريوهات تعكس القدرات الأدبية والفعلية للتكنولوجيا".
وما بين العرض الراقص في غرفة مظلمة، أو العرض الذي يبحث في علاقة الآلة بالإنسان في إنتاج الشعر، يبقى معرض دوكومنتا مختبرا للإبداعات الفنية غير المحدودة، حيث إنها تبحث عن فضاءات بديلة وتفتح آفاقا فنية جديدة.
يوخن كورتن/ وفاق بنكيران
مراجعة: عبدالحي العلمي