معاهدة الاستقرار التقدي الأوروبية نحو مزيد من المرونة
بعد اجتماعات استغرقت نحو اثنتي عشر ساعة توصل وزراء مالية الاتحاد الأوروبي صباح اليوم إلى اتفاق يقضي بإدخال بعض التعديلات على معاهدة الاستقرار النقدي الأوروبية. ويقضي الاتفاق بإعطاء الدول المخالفة لشرط عجز الميزانية المتمثل في عدم شرعية تجاوز العجز المذكور نسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مزيداً من الوقت لتصحيح أوضاعها المالية. ويستفيد من الوضع الجديد بالدرجة الأولى كل من ألمانيا وفرنسا اللتين خالفتا الشرط المذكور بشكل متكرر. وقد أصرت الدولتان أمس على جعل معاهدة الاستقرار أكثر مرونة إزاء التعامل مع الدول المخالفة إذا كانت ميزانياتها تتحمل تكاليف إضافية مثل تكاليف الوحدة الألمانية وتوحيد أوروبا. وقد حال الاتفاق الذي استجاب لمطالب الدولتين دون تعرضهما لعقوبات مالية كبيرة من قبل المفوضية الأوروبية. وعلى ضوء الحل الذي تم التوصل إليه قال الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، رئيس وزراء لوكسمبورغ جان- كلود يونكر: "أصبح بالإمكان تطبيق المعاهدة بشكل أفضل من أجل النمو الاقتصادي دون المساس بجوهر شروط الاستقرار المتفق عليها."
ألمانيا على رأس المخالفين
ما تزال ألمانيا للسنة الرابعة على التوالي بعيدة عن تحقيق شرط معاهدة الاستقرار النقدي الخاص بعجز الميزانية. وقد شكلت مخالفة برلين ودول أوروبية أخرى وفي مقدمتها فرنسا له مبرراً لبدء القادة الأوروبيين بمفاوضات من أجل إدخال تعديلات على المعاهدة. وتهدف هذه المفاوضات إلى منع المفوضية الأوروبية من اتخاذ خطوات عقابية ضد الدول المخالفة. ويطالب الألمان بإتباع المرونة في تفسير بنود المعاهدة على أساس أنه لا يمكن الحكم على سياسة مالية تشجع النمو والاستقرار الاقتصادي فقط من خلال الالتزام بنسبة العجز المسموح بها وفقاً للمستشار الألماني غيرهارد شرودر. وكتب شرودر في مقال نشرته له جريدة فايننشال تمايز دويتشلاند أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي "أن معاهدة الاستقرار تنجح بشكل أفضل إذا تم تحديد صلاحيات المؤسسات الأوروبية في التدخل بسياسات الميزانيات العامة للدول." ومما يعنيه ذلك حسب المستشار إعطاء استثناءات للبلدان التي تتحمل ميزانياتها أعباء خاصة كتلك التي تتحملها الميزانية الألمانية بسبب تكاليف الوحدة الألمانية.
المرونة والاستقرار
على عكس المستشار شرودر يحذر الخبراء من جعل معاهدة الاستقرار النقدي أكثر مرونة. ويخشى الكثير من هؤلاء زيادة الإنفاق الحكومي الممول بالعجز بشكل كبير جراء ذلك. ويقول الخبير الاقتصادي الألماني يورغن دونجيس أن زيادة كهذه ستؤدي إلى تراكم الديون والإضرار بفرص النمو والتشغيل. وعندها ينبغي على الدولة اقتراض المزيد من أجل تحمل أعباء الفوائد والأقساط المترتبة عليها. أما توفير المال اللازم لذلك فسيتم إما عن طريق الضرائب أو عن طريق زيادة أعباء التأمينات الاجتماعية، وهو الأمر الذي سيضعف قدرة الشركات على الاستثمار والنمو. كما يعطي جعل المعاهدة أكثر مرونة إشارة خاطئة لبلدان شرق ووسط أوروبا. فعلى ضوئها سيسود لديها الاعتقاد بإمكانية دخول عضوية الاتحاد الأوروبي دون الالتزام بشروط معاهدة الاستقرار. ومن شأنه كذلك أن يضعف الثقة بالعملة الأوروبية الموحدة يورو. ويحذر خبراء من أن هذا الأضعاف يزعزع الثقة بها كعملة عالمية قوية تساعد على جذب الاستثمارات إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
التقشف والنمو
غير أن الكثير من الخبراء يرون أن الخطر يكمن في التمسك بسياسة مالية تقشفية تركز على الحد من الإنفاق بالعجز. فالخبير الاقتصادي بيتر بوفنجر على سبيل المثال يرى أن إتباع هذه السياسة لم يثبت نجاحه حتى الآن. وعليه فهو يطالب بأخرى تعطي صناع القرار المالي المزيد من الحرية لمواجهة تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات مقلقة خلفت الملايين من العاطلين عن العمل. وقد أظهرت خبرات السنوات الأخيرة أن على بلدان منطقة اليورو إتباع سياسات مالية أكثر مرونة في حال حدوث مشاكل اقتصادية كبيرة كتلك التي مرت بها خلال السنوات الخمس الماضية. فبدون سياسيات كهذه يتهددها خطر الركود وعدم القدرة على مواجهة المنافسة وتحديثات العولمة. وعليه يطالب بوفينجر برؤوية حدود عجز الميزانية العامة وفقاً للوضع الاقتصادي في كل دولة على حدة.