"مصير مبارك رهن بموقف المؤسسة العسكرية المصرية"
٣ فبراير ٢٠١١شابهت صور الترحيب الشعبي التي وصلتنا من مصر، حينما انتشر الجيش في الشوارع ليحل محل الشرطة، تلك الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية من تونس، عندما استنجد المتظاهرون في مدن تالة والقصرين وسيدي بوزيد في ذروة الاحتجاجات الشعبية قبل الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وهذا الأمر يدفع المرء إلى التساؤل هل تلعب المؤسسة العسكرية في مصر دورا مماثلا لذلك الدور الذي لعبته في تونس، حيث يبدو لنا أن الجيش، وفق محللين وخبراء، قد ساهم في الإطاحة بنظام بن علي بشكل أو بآخر. فهل يعيد التاريخ نفسه في مصر؟
المؤشرات الأولى كادت تجزم بأن الجيش المصري قد حسم موقفه لصالح المتظاهرين من خلال الإعلان قبل أيام قليلة أنه لن يطلق النار على أي متظاهر مصري، مساهما بذلك في تشجيع المتظاهرين على التدفق إلى الشوارع المصرية بعشرات الآلاف. لكن الدكتور محمد مجاهد الزيات، نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، ينفي في حديث لدويتشه فيله أن يكون للجيش دور مستقل عن النظام أو الحكومة، ويقول: "عندما يقول الجيش إنه لن يتدخل لقمع المتظاهرين، فإن ذلك رأي الدولة ورأي صنع القرار على مختلف مستوياته وليس رأيا مستقلا للجيش لأن قائد (العام) الجيش هو نائب رئيس الوزراء وعضو أساسي في الحكومة" الجديدة، في إشارة منه إلى المشير محمد حسين طنطاوي، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع.
"الجيش ليس مستقلا عن الدولة والحكومة"
وفي الواقع يعلق الكثير من المصريين آمالا في أن يلعب رئيس أركان الجيش المصري الفريق سامي عنان دورا في تقرير مصير الاحتجاجات المستمرة منذ ال 25 من كانون الثاني / يناير، نحو انتقال بمصر إلى حقبة جديدة بدون مبارك، معللين ذلك بأنه رفض استخدام القوة ضد المحتجين المناهضين لمبارك. لكن الخبير الاستراتيجي المصري محمد مجاهد الزيات يرى في ذلك عدم إدراك ب"الدور الحقيقي للمؤسسة العسكرية في مصر". ويقول: إن هناك تصورا سائدا مفاده "أن الجيش أصبح مؤسسة مستقلة داخل الدولة إلى درجة أنه عندما تم استدعاء رئيس الأركان (سامي عنان)، الذي كان في زيارة الى واشنطن، بدأ الحديث أن هذا الأخير سيقوم بدور سياسي مختلف. وهذا يدل على عدم فهم دور الجيش المصري أو وضعه داخل مؤسسات الدولة بصفة عامة."
ويفسر الزيات، نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط تدخل الجنود المصريين للفصل بين المتظاهرين المعارضين لمبارك والمؤيدين له المتواجدين في قلب العاصمة المصرية القاهرة وإبعادهم بأنه لا يعكس دعما للشعب على حساب الدولة، وإنما يعكس دور الجيش في الوقت الراهن تجاه المظاهرات العارمة في "فرض الأمن". ويوضح قائلا: "الجيش يحرص على قدر كبير من الاستقرار وضبط الأوضاع داخل الدولة ومواجهة العناصر المخربة"، مشددا على أن "وظيفته تكمن في تأدية الوظيفة الأمنية عقب انسحاب الشرطة".
المؤسسة العسكرية في مصر - "دور مزدوج"
من جهته، يرى الخبير المصري الألماني في شؤون الشرق الأوسط الدكتور عبد العظيم الضفراوي، أن المؤسسة العسكرية المصرية تلعب في الوقت الراهن "دورا مزوجا". ويقول الضفراوي من المؤسسة الألمانية للعلوم والسياسة في حوار خاص مع دويتشه فيله: "الجيش لا يريد فقدان سلطته، من جهة، ويحاول تجنب مواجهة مبارك وفي الوقت نفسه تجنب تأجيج غضب الرأي العام ضده من جهة أخرى". وتلعب المؤسسة العسكرية تاريخيا في مصر دورا بالغ الأهمية، إذ ينتمي جميع الرؤساء الأربعة، الذين حكموا مصر منذ الانقلاب الذي نفذه الجيش عام 1952 للإطاحة بالملك فاروق الى القوات المسلحة. وكان مبارك، الذي يشغل أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قائدا للقوات الجوية في 1975 عندما عينه الرئيس السابق أنور السادات نائبا له قبل أن يتولى منصب الرئاسة عام 1981 عقب اغتيال السادات.
واشنطن - تحرك الخيوط من بعيد؟
ولا يستبعد الضفراوي أن يلعب الجيش المصري دورا حاسما في تنحي الرئيس مبارك من منصبه، لكنه يربط ذلك بمدى تأثير الولايات المتحدة في هذا الإطار. "في حال قال الأمريكيون قد حان الوقت لذهاب مبارك وإذا أردتم الإبقاء على المساعدات العسكرية المقدمة لكم مقابل التخلي عن دعم مبارك، فمن غير المستبعد أن يغير الجيش موقفه ويشكل حكومة انتقالية وتعيين جنرال له سمعة غير ملطخة كرئيس للبلاد". ويضيف الخبير المصري الألماني: "تأثير الولايات المتحدة على الجيش المصري تأثير كبير، ذلك أنها أهم مزود للجيش المصري بالمال والعتاد، وفي حال فقد الجيش المصري هذا الدعم فإن ذلك من شأنه أن يضعها في وضعية حرجة". كما يرى الضفراوي وفق هذا السيناريو إمكانية "شخصية مقبولة" من قبل أغلبية أحزاب المعارضة في منصب رئيس الحكومة، لافتا في هذا الصدد إلى شخصيات معروفة على الصعيدين المصري والدولي على غرار عمرو موسى ومحمد البرادعي. وعن منصب رئيس الجمهورية يتوقع الضفراوي أن يكون نائب رئيس الدولة، عمر سليمان ذو المرجعية العسكرية والمخابراتية، أحد أهم المرشحين، مستبعدا أن تتخلى المؤسسة العسكرية عن هذا المنصب، الذي شغله عسكريون طوال أكثر من 58 عاما.
وإن أكد الدكتور محمد الزيات أن المساعدات الأمريكية للجيش المصري هي "جزء من اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل" وإن توقفها قد "يعني سقوط معاهدة السلام مع إسرائيل"، مستبعدا أن تقدم واشنطن على هذه الخطوة. ويرى الضفراوي أن موقف الجيش المصري، الذي وصفه سابقا ب"المزدوج"، معروف من الحكومة والنظام. ويلفت إلى أنه في حال تلقى الجنود أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، فقد يرفض الكثيرون منهم تنفيذ هذه الأوامر، عازيا ذلك إلى أن "أغلبية هؤلاء من المجندين وأن عددا لا بأس منهم على الأقل له أقرباء وأصدقاء يشاركون في المظاهرات". والحكومة تدرك أنه في "حال رفض هؤلاء تنفيذ الأوامر"، فإن ذلك "من شأنه أن يزعزع من ثقل السلطة العسكرية وهيبتها في البلاد". ويبقى مصير مبارك، وفق الضفراوي، رهن موقف الجيش المصري.
شمس العياري
مراجعة: سيد منعم