مصر: مخاوف وآمال من عودة الجماهير إلى الملاعب
٤ يناير ٢٠١٥كما لو أنها تسكنها الأشباح، تحولت استادات كرة القدم في مصر إلى صمت قاتل، لا يكسره إلا بعض كلمات وصرخات لمدرب على الخط أو لاعب يعترض على الحكم أو يندب حظه على كرة ضائعة. فكرة القدم، التي كان لها السبق في جمع الملايين، قبل أن يخطر على البال مصطلح "المليونية"، أصبحت تلعب أمام مدرجات فارغة، تعكس حال بلد فقد شعوره بالأمن في الملاعب بعد حادثة بورسعيد، التي راح ضحيتها 72 مشجعًا أهلاويًا بعد اشتباك مشجعي المصري البورسعيدي معهم. تلك الحادثة تسببت في توقف النشاط الكروي لقرابة عام ونصف العام، قبل أن يعود بشرط عدم حضور الجماهير لدواع أمنية، إلا في بعض المباريات القارية، لمنتخب مصر أو الأندية.
وبعد ثلاثة سنوات من الغياب، اتفقت وزارة الشباب والرياضة والاتحاد المصري لكرة القدم مع وزارة الداخلية على عودة الجماهير إلى الملاعب في الدوري المصري بعدد محدود بين خمسة إلى عشرة آلاف مشجع، فكيف ترى عناصر اللعبة القرار وكيف تكون علاقة الجماهير وخاصة مجموعات الألتراس بالأمن؟
القرار "يعيد الروح" للرياضة المصرية
"عودة الجماهير للملاعب تمثل عودة الروح للرياضة المصرية ككل وليست فقط للكرة المصرية"، بهذه الكلمات استهلت إيناس مظهر رئيسة القسم الرياضي بجريدة الأهرام ويكلي حديثها لـDW عربية، مضيفة: "كرة القدم اللعبة الأولى في العالم، وهي المقياس لمن يحكم عليك في الخارج، فمنعك لحضور الجماهير قد يترجم على أنك غير قادر على حماية الملاعب، وكذلك غير قادر على حل المشكلة، وهي نقطة سيئة في حق الأمن واتحاد الكرة وكل مسؤولي الرياضة".
ولفتت "مظهر" إلى أن تجربة عودة الجماهير في المباريات القارية الأخيرة أثبتت نجاحها، إلا أنها كذلك أبدت تفهمها لقرار الأمن وضع حد أقصى للحضور الجماهيري بعشرة آلاف مشجع، قائلة: "لا تستطيع، بعد كل الأزمات اللي مرت بها الكرة المصرية، أن تطالب بأن تمتلئ الاستادات عن آخرها، يجب أن يحدث ذلك تدريجيًا وبناءً على تصرفات الجمهور، سيتعامل مسؤولو الأمن والاتحاد ويزيدوا العدد".
وعن العلاقة بين الأولتراس والأمن، توقعت رئيسة القسم الرياضي ببقائها "على شعرة"، حسب قولها، متابعة: "كل واحد فيهم يبقى عنده ضبط نفس، من الصعب أن تطلب من الجهتين نسيان ما حدث بينهما، ولكن ما يطلب منهم هو فتح صفحة جديدة دون أن ينسوا، لمستقبل الرياضة المصرية وكرة القدم المصرية".
الداخلية والثأر من أولتراس الأهلاوي
أما عمرو الصاوي، الصحفي الرياضي ببوابة المصري اليوم، فيقول لـDW عربية: "عودة الجمهور للملاعب له جزئية خاصة بلعبة كرة القدم نفسها، فهي بحاجة لعودة الجمهور، لأن غياب الجمهور أثر على مستوى الفرق وعلى متابعة الدوري، كما أن كثيرا من أندية الدوري الممتاز كانت تعتمد على دخول الجمهور، فليس كل الأندية لديها أموال كإنبي وبتروجيت (فرق شركات البترول)، فنادي كالمصري وحتى الزمالك، في وقت من الأوقات، كان يعتمد على فكرة الجمهور عندما يحضر بيبقى إيراد المباريات مختلف".
ولفت إلى أن "كل الناس تريد عودة الجمهور، لكن الأولتراس أو أعضاء الروابط فهناك خلاف كبير في الشارع الرياضي حول فكرة عودتهم. وكان هناك دعاوى بحل هذه الروابط"، فيما اعتبر الصحفي الرياضي أن العدد المحدد للحضور الجماهيري يعتبر بداية جيدة، إلا أنه أكد أنه من الوارد جدًا حدوث اشتباكات بين الأمن والأولتراس، وخاصة أولتراس أهلاوي، قائلًا: "السؤال يبقى: كيف ستستطيع الداخلية حل فكرة الثأر الدائمة بينها وبين أولتراس أهلاوي؟".
وحاولت DW عربية الحصول على تعليق من رابطة أولتراس أهلاوي، لكن أعضاء الرابطة رفضوا التعليق، إلا أنهم كتبوا على صفحتهم الرسمية بفيسبوك: "أكثر من 75% من فرق الدوري هي أندية بلا جماهير تذكر وبالتالي أكثر من 90% من المباريات ستكون بجمهور من طرف واحد إذن فأين المشكلة؟ جميع العناصر الأساسية المنظمة للكرة في مصر تطالب بعودة الجماهير للمباريات والداخلية هي من ترفض! من حق الجماهير التواجد في مباريات كرة القدم لتشجيع أنديتها، لذلك قرر جمهور الأهلي وجروب أولتراس أهلاوي التواجد في مباريات الأهلي القادمة لتشجيع الفريق".
"رايحين نشجع كورة والأمن يفتعل الاشتباكات"
وعلق م.م، عضو أولتراس وايت نايتس، على قرار عودة الجماهير قائلًا لـDW عربية: "معندناش ثقة في قرار عودة الجماهير إلى الملاعب ونتوقع إنه هيبقى بلونة هتفرقع مثل ما سبقه من قرارات، فلم يقدموا جديد كي نثق في كلمتهم هذه المرة".
وأضاف، ردًا على سؤال إذا كان متوقعًا اشتباكهم مع الأمن: "الاشتباكات دائمًا كان الأمن هو الذي يفتعلها، ولذا كل جماهير الأندية أصدرت بيانًا، الموسم السابق، طالبوا بعدم تواجد قوات شرطة في المدرجات لأن ده مش مكانها. ولو لم يحدث أي استفزاز من الأمن لن يتم أي تعامل من الجماهير معهم، احنا رايحين نشجع الزمالك، لو على الأمن فالأمن موجود في الشارع، احنا رايحين نشجع كورة".
وكانت صفحة أولتراس وايت نايتس قد أوضحت طلباتها لعودة الجمهور، على صفحتها بفيسبوك قائلة: "الحرية لإخواتنا المعتقلين ثم عودة الجماهير للملاعب المصرية كلها و ليست مباراة نفاوض عليها ثم نعود لنقطة الصفر".
وقال مصطفى لطيف، أحد أعضاء النادي الأهلي ومشجعيه، لـDW عربية، تعليقًا على قرار عودة الجماهير: "الدولة عايزة ترجع الجماهير أكثر ما أنت عايز تروح الاستاد، لأن سياسة الدولة القادمة هي إلهائك وجعلك تركز في الكرة، بالطبع سيكون هناك مشاكل بين الجماهير والأمن بكل تأكيد، لكن مثل الجامعات، مشاكل في بداية الموسم الدراسي، والأمن فرض سيطرته وبقيت أنت بتحضر ومبتقدرش تتكلم خلاص، هذا ما سيحدث، مشاكل وضرب وغاز، وبعدين الأمن رجع أقوى فأنت مش هتقدر تتكلم وهيقبض على كثيرين فتخاف وتلتزم بالتعليمات".
"عودة الجماهير تعني أن الوضع الأمني أصبح على ما يرام"
ويرى لطيف أن عودة الجماهير بعدد يصل لعشرة آلاف هو بداية جيدة، إلا أن رأيه الشخصي هو عدم عودة الجماهير قبل حل مشكلة مذبحة بورسعيد، مضيفًا: "لكن هذا لن يحدث بالطبع أن تظهر الحقيقة، لذا فلنفرح، يعني هتموت بحسرتك، خلي الناس تتبسط، عيش الشوية اللي فضلنلك واحضر ماتش وانبسط مع فريقك".
ويرى العميد المتقاعد محمد عبدالله أن قرار عودة الجماهير في حد ذاته يبقى مؤشرًا جيدًا على عودة الأمن لقوته السابقة، وقدرته على تأمين المباريات، والتعامل مع الشغب، حسبما قال لـDW عربية، موضحًا أن عودة الجماهير سترسل رسالة للعالم مفادها أن الوضع الأمني في مصر أصبح على ما يرام.
وعن العلاقة بين مجموعات الأولتراس والأمن، يرى عبدالله أن التعامل العنيف لن يجدي وأنه من الأفضل أن يتعاونا معًا لعودة النشاط الكروي لطبيعته، قائلًا إنه من المتوقع حدوث اشتباكات في بعض الأحيان، إلا أنه يجب على الشرطة التحلي بسياسة ضبط النفس. كما يجب على مجموعات الأولتراس عدم استفزاز الشرطة، والتشجيع بشكل راق والتركيز فقط على ما يحدث في الملعب.