مصالحة خليجية مع قطر.. أين تقف الدول المعنية؟
٥ يناير ٢٠٢١استيقظ العالم اليوم الثلاثاء على أخبار بوادر انتهاء الأزمة الخليجية، وما بين مشككٍ ومصدق، ظهر على شاشات التلفزة عناق، وصف بـ"التاريخي"، بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لدى استقباله في مطار العلا السعودي، قبيل عقد أعمال القمة الخليجية الـ41. وقد وصف البعض هذا العناق بأنه "كسر لقواعد البروتوكول وبداية لصفحة جديدة".
كما يفتح هذا العناق المجال لتساؤلات عدة، حول مواقف الدول الأخرى التي كانت جزءاً من الأزمة الخليجية، وإذا ما كان عقد الجبهة المناوئة لقطر قد انحل، وكذلك تساؤلات عن مصير المطالب الثلاثة عشر التي وضعتها الرياض كشرط للمصالحة أمام الدوحة.
مصر وقطر.. خلاف ثنائي قد يستمر
غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقيام وزير الخارجية المصري سامح شكري بالنيابة عنه في أعمال القمة، قد يعطي مؤشرا لوجود تردد مصري حول المصالحة الخليجية.
وهذه الشكوك تدعمها تصريحات الإعلامي المصري المقرب من الرئيس السيسي، أحمد موسى، الذي نشر عبر حسابه على الفيسبوك قبيل ساعات من القمة بأن: "مصر لن تتصالح مع النظام القطري..."
ورغم أن القاهرة رحبت بالمصالحة بشكل عام، إلا أن غياب التفاصيل حتى هذه اللحظة يجعلها مترددة، كما يشرح المحلل السياسي المصري جمال عبد الجواد في حوار عبر الهاتف مع DW عربية، مضيفاً أن "المفاوضات على محتوى المصالحة مستمرة، وسوف تتضح لاحقاً، وبناء على محتواها فإن الموقف المصري سوف يتضح بالتزامن".
ويرى عبد الجواد أن مراقبة الإعلام القطري ورصد خطابه تجاه القاهرة، قد يكون مؤشراً حول ما إذا كانت الدوحة حريصة على علاقتها مع نظيرتها المصرية، ورغبتها بتضمينها في الاتفاق.
وفي ذات السياق، يؤكد الكاتب والأكاديمي والعضو السابق بمجلس الشورى السعودي خليل الخليل، في حديث مع DW عربية، أن مشاركة وزير الخارجية المصري في القمة استثناء، لأن مصر ليست دولة خليجية، ومشاركتها جاءت على خلفية كونها طرفاً في المقاطعة، مشيراً إلى أن الخلاف القطري-المصري ربما سيستمر بشكل ثنائي، لأن الخلاف كان موجوداً قبل المقاطعة، وذلك بسبب دور دولة قطر في دعم الأخوان المسلمين المصريين.
هذا الموقف يعززه بيان وزارة الخارجية المصرية اليوم الثلاثاء (الخامس من يناير/ كانون الثاني 2021)، عقب توقيع الوزير سامح شكري على "بيان العلا" الخاص بالمصالحة، والذي ذكرت فيه أن مصر "تدعم العلاقات بين الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من علاقات قائمة على حسن النوايا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية".
ترحيب أم تحفظ إماراتي؟
كانت الإمارات حتى اللحظة، كما يقول محللون، الأكثر تحفظاً بين الدول الأربعة على إنجاز المصالحة، ولكن هذا لم يمنع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش من كتابة "تغريدة"، جاء فيها "نحن أمامقمة تاريخية بامتياز في العلا".
تصريحات قرقاش قد تقدم وجهة نظر إماراتية "إيجابية" جديدة فيما يتعلق بالمصالحة، التي بدأت منذ إعلان الكويت والسعودية وقطر عن مصالحة خليجية خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بيد أن جمال عبد الجواد يرى بأن قطر استهدفت الإمارات بشكل خاص من خلال "الدعاية الإعلامية"، بعكس السعودية، التي تعاملت معها الدوحة بشكل أقل عدائية، مضيفاً أنه "مثل الموقف المصري، يجب مراقبة أداء الإعلام القطري، لفهم موقف الدوحة من نظيرتها الإماراتية".
ويتوقع المحلل السياسي المصري أن القمة الخليجية لن تكون نهاية المشاورات حول المصالحة، فهي لن تتحقق بشكل مفاجئ وليست عملية واحدة، على حد تعبيره، وسوف تستمر لأيام قادمة وعليه فإن الموقف الإماراتي سيكون أكثر وضوحاً.
فيما يرى المحلل خليل الخليل، أن الموقف السعودي هو العمود الفقري للمقاطعة الرباعية، وكانت الرياض تفاوضت باسم الدول الأربع، لا باسمها فقط، ويختلف مع نظيره المصري، قائلاً إن "الخلافات القطرية مع مصر ودولة الإمارات لم تكن لها قوة وزخم قبل دخول المملكة العربية السعودية ضمن المقاطعة".
الجبهة المناوئة لقطر وحسابات الأطراف
في يونيو/ حزيران 2017 أعلنت الدول الأربع، السعودية والبحرين ومصر والإمارات، مقاطعتها لقطر، ووضعت 13 شرطاً لتحقيق المصالحة، وأغلقت الحدود فيما بينها وبين قطر، وخرج كلٌ منها ضد الآخر في سجال إعلامي، واندفعت قطر باتجاه تقارب مع إيران وتركيا، ما وضع الثقة بين الدول الأربع والدوحة في موقف حرج.
ولكن بعد ثلاث سنوات، وجدت قطر ودول الجبهة المناوئة لها أنفسها على طاولة واحدة في القمة الخليجية الـ41، ولكن بإجراءات ثقة مختلفة على ما يبدو، كما يذكر الأستاذ الجامعي المساعد في جامعة الكويت بدر السيف لوكالة فرانس برس، مضيفاً أن بناء الثقة بدأ ما بين الرياض والدوحة، "ولكن سينضم لهما الآخرون لاحقاً".
فيما يختلف مع هذا المحلل السعودي سلمان الأنصاري، في حديث مع DW عربية، قائلاً "إن المصالحة لم تحدث بين السعودية وقطر فقط"، وأي تصريحات إعلامية تصور هذا فهي "زائفة جملة وتفصيلاً"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن المصالحة تم الاتفاق عليها من كامل الدول المعنية، وهي اتفاق شامل.
إن عجلة المصالحة، كما يرى جمال عبد الجواد، بدأت بالفعل بالدوران، وبطبيعة الحال سوف تلتحق دول أخرى بالسعودية في مراحل لاحقة، ولكن بعد استكمال الشروط التي وضعتها هدفاً للمصالحة.
ولهذا فإن حسابات الأطراف المعنية تعتمد على ما يمكن أن تحققه وتفرضه على قطر من الشروط الـ13.
هذا التوجه كان واضحاً في بيان وزارة الخارجية المصرية، الذي شدد بالقول على "عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول"، في إشارة واضحة منها لضرورة توقف قطر عن دعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والذي يعتبر أحد أهم الركائز التي تطمح إليها القاهرة.
ويشرح عبد الجواد قائلاً إنه رغم كون التدخل في الشؤون الداخلية للدول مزعجاً، إلا أن ضعف الأخوان وفقدانهم لقوتهم السابقة في مصر، يفتح المجال لمزيد من التغيير في السياسات ومساحة لاختلاف طريقة الأداء القطري، فيما يرى الأنصاري أن السعودية لن تسمح بتعريض المصالح الأمنية الاستراتيجية لحلفائها لأي خطر.
العامل الآخر والذي يجمع عليه السعودية والبحرين ومصر والإمارات، هو العلاقة القطرية الإيرانية، إذ شددت واشنطن، والتي كثفت ضغوطها على الدول المتخاصمة لحل الأزمة، على أن وحدة الخليج "ضرورية لعزل إيران".
أما بالنسبة لقطر، والتي لم يتضح حتى الآن موقفها من إيران، فإن التقارب مع السعودية، لا يكسبها حليفاٌ خليجياً فقط، بل ستتوقف عن دفع رسوم باهظة لطهران مقابل استخدام مجالها الجوي، وذلك مع اقتراب مونديال عام 2022، والذي كان مهماً لها لاستكمال استعدادتها لاستضافة الحدث، وفقاً لوول ستريت جورنال.
من جهة أخرى يرى عبد الجواد، أن الملف الليبي، الذي تنخرط فيه مصر والإمارات ضد تركيا، هو عامل آخر مهم تدركه الدول، وسوف يكون له دوراً فيما يتعلق بإجراءات المصالحة، والذي يجعل من شرط إغلاق القاعدة التركية في قطر أكثر إلحاحاً من خفض مستوى العلاقات بين قطر وإيران، كما يذكر موقع فوربس.
مرام سالم