مسلمو أوروبا بين الصور النمطية وإشكالية الهوية
٢٩ مايو ٢٠١٣يركز الجدل حول الإسلام في أوروبا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001 الإرهابية على هوية المسلمين واندماجهم في المجتمع. وتنقسم الآراء بهذا الخصوص بين من ينظر إلى الإسلام على أنه عنصر غريب على الثقافة الأوروبية، وبين من يرى بأنه بات جزءاً من أوروبا مثله مثل المسيحية أو اليهودية.
تشير الإحصاءات إلى أن عدد المسلمين في القارة الأوروبية، بما فيها روسيا، يصل إلى 44 مليون شخص، أي ما يشكل ستة في المائة من إجمالي السكان. ويثير هذا الأمر مخاوف لا سيما لدى المتأثرين بظاهرة رهاب الإسلام/ الإسلاموفوبيا. لكن مسلمي أوروبا يعتبرون أنفسهم أوروبيين إلى حد كبير، على حد قول سليمان فيلمز، رئيس تحرير "الصحيفة الإسلامية" التي تصدر في برلين. ويضيف فيلمز في حوار مع DW عربية، أن "خلط النقاش حول الاندماج مع النقاش الدائر حول الإسلام خاطئ، وأعتبر أنه من الخطأ مطالبة أي شخص يدين بالإسلام بأن يندمج في المجتمع".
إيبهارد زايدل، الإعلامي الألماني وخبير قضايا الهجرة والإسلام المتطرف، يعتبر من جهته أن اندماج المهاجرين في المجتمع يتصل بالجوانب السياسية والاجتماعية والدينية أيضاً، مضيفاً أن "هناك بالطبع عوائق ... تحول دون اندماج المهاجرين"، منها عوائق على الصعيد الديني ، إذ إن "تاريخ الإسلام كدين له تأثير في ألمانيا لا يتجاوز الخمسين عاماً ... آنذاك لم يكن المجتمع الألماني جاهزاً لتلبية الاحتياجات الدينية (للمهاجرين). وحتى من قدموا إلى ألمانيا للعمل ظنوا أنهم سيغادرون بعد عدة أعوام، إلا أن بقاء الإسلام في ألمانيا لفترة طويلة لم يتم إدراكه إلا حديثاً".
تقصير الجمعيات التي تمثل المسلمين
إن قصْرَ الجدل حول مكانة الإسلام في أوروبا على الهوية الوطنية أو العرقية، والذي يصفه سليمان فيلمز بالخطأ، ساهم في انتشار ظاهرة رهاب الإسلام/ الإسلاموفوبيا ، وأثار مخاوف المواطن العادي بسبب التركيز على قضايا معينة مثل قضية الحجاب أو بناء المساجد، على حد قوله. وفي هذا الصدد يعتبر الإمام بنيامين إدريس، رئيس مركز الإسلام في أوروبا بمدينة ميونخ الألمانية، أن الجيل الذي وُلد وترعرع في ألمانيا ودول أوروبية أخرى لن يعاني من "أزمة هوية"، مشيراً إلى أننا نمر حالياً في "مرحلة انتقالية، وهي من أصعب المراحل، وتشبه الجسر الذي نعبره من جهة إلى أخرى. لكن هذه المرحلة ستنتهي بقدوم الجيل الذي يخلفنا وزوال الجيل الذي هاجر من مسقط رأسه".
لكن إدريس يربط انتهاء هذه المرحلة أيضاً بوجود المقومات اللازمة للتعاطي مع المسلمين كجزء طبيعي من المجتمع الأوروبي، والتي يرى أنها متجذرة في الدستور الألماني الذي "يضمن الحرية الكاملة للمعتقدات بغض النظر عن طبيعتها".
ومن جانبه، يرى زايدل أن من الصعوبة معرفة متى سينتهي النقاش حول الاندماج في المجتمع الألماني، لأن ذلك ستحدده الأغلبية في المجتمع. ويحذر الإعلامي والخبير الألماني من الإفراط في التفاؤل، مشيراً إلى أن ذلك لم يتحقق في عدد من الدول على مر التاريخ، وأن مكانة الإسلام في ألمانيا "مرتبطة بنظرة المجتمع إلى هذا الدين وبمدى تقبله لفكرة تساويه في الحقوق مع الأديان الأخرى، كالمسيحية واليهودية".
وعلى ضوء التقصير الحاصل في مجال تجاوز أزمة الهوية، يلقي سليمان فيلمز باللائمة على الجمعيات التي تمثل مصالح المسلمين، والتي يرى أنها تربط بين الهوية العرقية والدينية، مما يسبب اختلاطاً على الرأي العام في ألمانيا. ويضيف فيلمز: "هذا ليس خطأ، فأولئك الأشخاص ينحدرون من تلك الدول، إلا أن الصلات التي يقيمونها بين هوياتهم الوطنية والإسلام تعطي انطباعاً بأن هاتين الهويتين مرتبطتان، على الرغم من عدم ارتباطهما".
إشكالية ربط الانتماء الوطني بالهوية الدينية
ويرى الإمام بنيامين إدريس أن بعض التصريحات "غير المسؤولة" لمسؤولين ألمان ساهمت في خلق شعور بأن الإسلام غريب عن ألمانيا وبحاجة إلى أن يندمج في الأطر المجتمعية، وأن بعض الحركات المنتقدة للإسلام والعنصرية استغلت هذه المشاعر لنشر ثقافة الخوف من الإسلام وتأليب الرأي العام عليه.
في هذا السياق، تطالب مارغريت لونينبورغ، أستاذة الصحافة وعلوم الاتصال في جامعة برلين الحرة، بمنح "المسلمين في ألمانيا "حيزاً أكبر في الخطاب الإعلامي، وتقديمهم كعنصر فاعل في الحياة اليومية، سواء تعلق الأمر بسائق حافلة أو بمدرب رياضي أو غير ذلك". وترى لونينبورغ أن هناك ضرورة ملحة لأن يعكس المشهد الإعلامي في ألمانيا التعددية الدينية والعرقية والثقافية التي تميز المجتمع، غير أن ذلك لا يمكنه أن يحدث إلا إذا ما التحق عدد أكبر من الصحافيين ذوي الأصول الأجنبية بالقطاع الإعلامي الذي يقدم صورة واقعية عن المسلمين.
"على المسلمين تقبّل الانتقاد"
من جانبه، يقول رئيس تحرير "الصحيفة الإسلامية" سليمان فيلمز إن "تصوير شخص من الجيل الرابع من المهاجرين على أنه تركي أو مغربي أو سوري أمر سخيف من وجهة نظر إسلامية. هذا كله مرتبط للأسف بخليط من الفكر القومي الأوروبي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر".
ويطالب فيلمز بأن "يتقبل المسلمون في ألمانيا وأوروبا الانتقاد البنّاء، وألا يتسرعوا في إلصاق تهمة العنصرية بكل من يخالفهم الرأي، وأن يشيروا بدلاً من ذلك إلى أن الانتقادات الموجهة إلى الإسلام حالياً لا تمتّ له بصلة، بل هي نابعة من أسباب أخرى".
لكن إيبهارد زايدل يؤكد على وجود صلة بين الإسلام وبين ما يقوم به أعضاء المجموعات إسلامية متطرفة تحت ستار الدين بغض النظر عن الهوية العرقية، وهذا يستحق، من وجهة نظره، النظر إلى الانتقادات الموجهة إلى الإسلام وتفنيدها بدلاً من تنحيتها بشكل تام، وأن الانتقادات تستهدف بشكل أكبر "الإسلامويين وليس المسلمين".
أما رئيس مركز الإسلام في أوروبا بمدينة ميونخ، بنيامين إدريس، فيرى أن "على المسلمين ... أن يقدموا الصورة الصحيحة والجميلة والمعتدلة للإسلام. هذه مسؤوليتنا أيضاً كمسلمين".
تنويه: ينشر هذا المقال في موقع DWوالجزيرة نت Aljazeera.netفي إطار مشروع مشترك.