مسرحية "تسونامي": مخاوف مشروعة من لباس الإسلامويين الأسود؟
١٧ أغسطس ٢٠١٣دقَّت الساعة الثالثة صباحًا عندما أنهى الفاضل الجعايبي بروفة مسرحيته في المدرج الروماني في مدينة دقّة التونسية التاريخية. وفي اليوم التالي قدَّم هنا على هذا المسرح الأثري العرض الأوَّل لمسرحيتة الجديدة "تسونامي" أمام جمهور كبير في وطنه تونس. ويبدو أنَّ حالة الإجهاد كانت كبيرة جدًا: فقد أَجبر هذا المحيط غير المألوف المخرج على تقليص مسرحيته إلى ما هو أساسي والاستغناء عن مؤثِّرات الفيديو وكذلك عن الإضاءة والكواليس. كما أدَّى الممثِّلون المشاركون في المسرحية أدوارهم في وضح النهار على هذا المسرح القديم الواقع في شمال غرب البلاد، حيث اكتشف الفاضل الجعايبي في فترة شبابه المسرح الكلاسيكي.
يُعدّ الجعايبي مع شريكته الممثِّلة والكاتبة الدرامية جليلة بكار التي تقوم بصياغة نصوص مسرحياته من أكبر الأشخاص الفاعلين في المسرح العربي المعاصر. وحتى أنَّه كان قبل الثورة في تونس يُخرج مسرحيات سياسية ملتزمة وكان ينتقد فيها أصحاب السلطة السياسية بكلِّ دقة ووضوح.
ومسرحيته "تسونامي" هي آخر عمل ضمن ثلاثية يقوم فيها كلّ من الفاضل الجعايبي وجليلة بكار بتشريح الوضع السياسي في تونس. وبعد مسرحية "خمسون" وكذلك مسرحية "يحيى يعيش" التي تعدّ أشبه بنبوءة وقد صوّرا فيها في العام 2010 سقوط الديكتاتور، تعدّ مسرحية "تسونامي" أوَّل مسرحية ظهرت لهما بعد الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير 2011 وهروب الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي. كما أنَّ هذا العمل يعدّ في محور قضايا الهوية التي تتم مناقشتها حاليًا في تونس.
الخوف من الإسلامويين والمعركة ضدّهم
وتعرض المسرحية فتاة اسمها درة في منتصف العقد الثاني من عمرها تهرب من أسرتها عندما يحاولون إجبارها على الزواج. وتتقاطع طريقها مع طريق الناشطة اليسارية حياة وهي امرأة في الستين من عمرها تقدِّم لهذه الشابة في الوقت نفسه الملجأ ومساحة للاحتكاك. ومع أنَّهما تشتركان في الخوف من الإسلامويين والمعركة ضدّهم، إلاَّ أنَّهما لا تتَّفقان على الوسائل. وأمام عينيهما ينزلق محيطها في حرب أهلية - إذ تراقب الممثِّلتان هذا التطوّر بعجز وكأنهما متحجّرتين. تذكِّر مسرحية "تسونامي" في سلسلة من الصور بالأحداث السياسية التي أثَّرت في تونس في العامين والنصف الماضيين.
ويخرج بشكل متكرِّر من مجموعة المشاهد التي تم تصميم رقصاتها بدقة بعض الممثّلين بصورة فردية من أجل الربط بين قصة الشابة درة وزميلتها حياة وبين السياق السياسي؛ حيث يجد في هذه المسرحية اغتيال المعارض شكري بلعيد في شهر شباط/ فبراير 2013 مكانًا له وكذلك أيضًا المظاهرات والاحتجاجات في ولاية سليانة التي تعاملت فيها الشرطة بوحشية مع المتظاهرين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وأصيب العديد منهم بطلقات الخرطوش وبنادق الصيد. وفي مسرحية الجعايبي يتظاهر المواطنون احتجاجاً في سليانة وهم يحملون لافتات فارغة وتغطي عيونهم المصابة ربطات. ولا تحظى مطالبهم الاجتماعية بأية أهمية - لدى الحكومة التونسية والمعارضة على حد سواء، وكذلك أيضًا لدى الفاضل الجعايبي وجليلة بكار اللذين يتَّبعان في "تسونامي" منطق السياسة ويتعاملان أيضًا بشكل بدائي مع الجدالات حول موضوع الهوية.
لا مكان للآراء الوسط
ويؤكّد الجعايبي عندما يتحدَّث عن مسرحيته "تسونامي" أنَّ هدفه هو التحذير من قيام دولة إسلامية. وفي مسرحيته هذه تبدو الخطوطُ مستقيمةً كما أنَّ الأدوار موزّعة بشكل واضح. ويشكِّل الإسلاميون في هذه المسرحية كتلةً موحَّدة يظهرون وهم يرتدون عباءات سوداء. ويقابلهم العلمانيون الذين يرتدي كلّ منهم قميصًا أحادي وقوي اللون. وهنا لا تبقى سوى مساحة صغيرة للآراء الوسط. وكذلك تتميَّز مسرحية "تسونامي" بتصنيف الجدالات حول التوجّهات السياسية وحول الفضاء العام في تونس، بحيث أنَّها تفتقر إلى الدقة المعروفة في الأعمال السابقة التي أخرجها الفنَّانان الجعايبي وبكار. صحيح أنَّ هذه المسرحية تبذل جهدًا كبيرًا في معالجة الصور العدائية الجديدة، إلاَّ أنَّ التعامل مع الفترة بعد الدكتاتورية كثيرًا ما يكون مبسَّطًا. كما أنَّ الجعايبي يرفع إصبعه ليحذِّر جمهوره من الإسلامويين - ويبدو أنَّ هذا المخرج المسرحي يفتقر من أجل التحليل المتباين إلى البعد عن الجدالات اليومية التي تستحوذ على هذه المسرحية.
وفي مسرحيته الأولى بعد الثورة وضع المخرج كلَّ ما لم يكن في السابق يستطيع قوله أو كان يقوله فقط بصيغة مشفرَّة. ولذلك فإنَّ مسرحية "تسونامي" لا تعتبر مجرَّد تحذير من موجة الإسلام السياسي السوداء التي يراها الجعايبي مخيِّمة فوق تونس، بل هي كذلك أيضًا بمثابة سيل عارم من الكلمات والمخاوف وكذلك حالة الالحاح. وربما سوف يكون عمله القادم غير مشحون إلى هذا الحدّ وسوف يعود إلى أسلوبه الدقيق القديم.
سارة ميرش
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
ar.qantara.de