مستقبل "مُشع" للطاقة الذرية في العالم العربي
٢٧ سبتمبر ٢٠١٠عادت السياسة لتهتم مرة أخرى بالطاقة النووية، ليس فقط في ألمانيا، بل أيضاً في مصر والإمارات والأردن والسعودية. كل هذه الدول تريد الاستفادة من الطاقة النووية. كما أن هناك بلداناً أخرى أبدت اهتمامها بالطاقة النووية مثل الجزائر وليبيا والمغرب. وإذا نُفذت الخطط والمشاريع فسوف يُشيد على المدى المتوسط عدد كبير من المفاعلات النووية في المنطقة؛ هذا مع أن الدول العربية تسعى لتقوية مكانتها كمصدر مستقبلي للطاقة الشمسية.
وتُعد الإمارات العربية المتحدة أكثر الدول مضياً على طريق تنفيذ خططها النووية: بسرعة كبيرة حصلت مجموعة شركات كورية جنوبية على مناقصة بناء وتشغيل أربعة مفاعلات نووية، من المقرر أن يبدأ العمل فيها في الفترة بين 2017 و2020، على أن تعقبها مفاعلات أخرى.
وكانت الحكومة الإماراتية قد صرحت في إعلان مبدئي من عام 2008 بأن احتياجاتها من الطاقة الكهربائية ستزيد حتى عام 2020 بنسبة 150 في المائة. ولتبديد مخاوف الدول الأجنبية بخصوص الاستفادة من الطاقة النووية لتحقيق أهداف عسكرية فقد تعهدت الإمارات بأن تستغني عن التكنولوجيا الشائكة الخاصة بتخصيب المواد المشعة وإعادة استخدامها، وهو ما جلب لها مديحاً وتقريظاً دولياً.
مخزون يوارنيوم في الأردن
في مصر أعطى الرئيس حسني مبارك في شهر أغسطس (آب) إشارة البدء في بناء المفاعل الأول من بين أربعة مفاعلات للطاقة النووية من المخطط بناؤها حتى عام 2019. وقد سبق هذا القرار نقاش عنيف وطويل – غير أن هذا النقاش لم يدر حول منافع ومضار توليد التيار الكهربائي من الطاقة النووية، بل حول مكان تشييد المفاعل الذري.
ومن المقرر بناء ذلك المفاعل على ساحل البحر المتوسط، على بعد 200 كيلومتر من الإسكندرية. غير أن بعض رجال الأعمال النافذين سياسياً أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لإيقاف برنامج الحكومة النووي، إذ إنهم اشتروا في تلك المنطقة أراضي لبناء منتجعات سياحية، وهم الآن سُيمنون بخسارة فادحة في حالة بناء المفاعل.
أما الأردن فيريد ببلوغ عام 2030 أن يغطي ثلث احتياجاته من التيار الكهربائي من خلال الطاقة النووية، وذلك عبر بناء أربعة مفاعلات. ويتم حالياً فحص مكان بالقرب من العقبة على البحر الأحمر لبناء مفاعل قدرته 1000 ميغاوات.
ويستفيد الأردن من مخزون اليورانيوم الذي يتم الآن تحديد مواقعه. ومن المقرر أن يستخدم هذا المخزون في المفاعلات الأردنية وكذلك في الخارج. وعلى ما يبدو فإن رغبة الأردن في تخصيب اليوارنيوم داخل أراضيه قد تسببت خلف الكواليس في حدوث جفاء في العلاقات مع الولايات المتحدة.
الطاقة النووية لتحلية مياه البحر
أما خطط المملكة العربية السعودية فلم تنضج بعد. فبعد إجراء عدة دراسات جدوى أعلنت المملكة في نهاية عام 2006 اشتراكها في مبادرة لدراسة إمكانية الدخول المشترك في عصر الطاقة النووية في إطار مجلس التعاون الخليجي.
وتُرجع الدول العربية اهتمامها الفجائي مرة أخرى بالطاقة النووية إلى الازدياد الجسيم في احتياجات الطاقة بسبب النمو السكاني وارتفاع مستوى المعيشة والنمو الاقتصادي المستديم.إلى جانب ذلك تعاني الدول الصحراوية من نقص في المياه، ولذلك تسعى تلك الدول إلى تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة النووية؛ بل إن دول الخليج تحصل الآن على كافة احتياجاتها تقريباً من المياه الحلوة بهذه الطريقة التي تتزايد أهميتها بالنسبة للأردن ومصر.
كما تفضل الإمارات والسعودية بيع نفطها في الخارج بأسعار مرتفعة عن أن تحرقه في الداخل لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما ينطبق على مصر أيضاً بخصوص مخزونها من الغاز الطبيعي. أما الأردن فيسعى إلى يكون أقل اعتماداً على صادرات الطاقة.
وهناك دافع آخر بالنسبة للدول العربية، ألا وهو المنافسة مع إيران ومشروعاتها النووية. ورغم أن الدول العربية الطامحة إلى توليد الطاقة النووية لا تحوم حولها الشبهات في الوقت الحالي بخصوص سعيها إلى حيازة أسلحة نووية، فإن مصر والسعودية على نحو خاص تريدان القيام بالخطوة الأولى في هذا الاتجاه لكي تكونا على استعداد في حالة نجاح إيران وللبقاء في المنافسة الرمزية مع طهران.
مخاطر بيئية
في هذه الأثناء تعلو الأصوات المحذرة من جانب حماة البيئة وخبراء الطاقة الذين ينتقدون عدم تقديم إجابات واضحة حول المكان الذي سيتم فيه دفن النفايات بصورة نهائية، كما ينتقدون غياب "ثقافة أمنية" في البلدان العربية: إن الخبرة العملية تتناقض كل التناقض مع الاعتقاد بأن دولة كمصر تستطيع تشغيل مفاعل نووي بالكفاءة اللازمة لمنع تفجر أي عواقب وخيمة في حالة حدوث عطل نووي.
كما أن قضية الحماية من الزلازل تثير القلق بالنسبة لمصر والأردن على وجه الخصوص. إن حماة البيئة على وعي بالأهمية السياسية للطاقة النووية في المنطقة، ولذلك يوجهون نقداً بحذر وتحفظ. وهكذا يتساءل نجيب صعب، رئيس تحرير المجلة القومية "البيئة والتنمية" عن السبب الذي يدفع العرب بالرغبة في اللحاق التكنولوجي بالغرب في موضوع الطاقة النووية تحديداً.
في تعليق له بصحيفة "الحياة" اليومية يتساءل صعب في النهاية: "أليس من الأجدى استثمار جميع الامكانات المتاحة للطاقة المتجددة، خاصة من الشمس والرياح، وهي متوافرة ونظيفة ومأمونة، قبل إنتاج الكهرباء النووية؟"
إن برنامج الإمارات على سبيل المثال يهمل طاقة الرياح الطاقة الشمسية باعتبارها غير صالحة لتوليد كميات الطاقة المطلوبة على نحو موثوق به، ويقول البرنامج إنه حتى 2020 لن تستطيع الطاقة البديلة تأمين الطاقة المطلوبة في الإمارات إلا بنسبة ستة إلى سبعة في المائة.
غير أن خبراء المركز الألماني للملاحة الجوية والفضائية توصلوا في دراساتهم إلى أن مصادر الطاقة البديلة – وخصوصاً مفاعلات الطاقة الشمسية – ستكون قادرة على المنافسة في المستقبل القريب بسبب انتشارها المتزايد، سواء فيما يتعلق بتكاليف انتاج الطاقة الكهربائية، أو فيما يخص القدرة الانتاجية.
جذور المشكلة
غير أن المشكلة الأساسية في خطط الطاقة العربية تكمن في نقطة أخرى: إن تلك الخطط تواصل النمط الاستهلاكي والاقتصادي الضار، وذلك عبر استخدام تكنولوجيا إشكالية للغاية، بدلاً من علاج المشكلة من جذورها. على سبيل المثال: إن كل فرد من سكان الإمارات العربية يستهلك 550 ليتراً من الماء في اليوم، ما يمثل أعلى استهلاك للماء في العالم، رغم أن سكان الإمارات يعيشون في منطقة من أكثر مناطق العالم جفافاً. وحسب استطلاعات الرأي فإن الوعي بهذه القضية شبه معدوم.
لقد شجعت السعودية ببترولها وغازها ومنتجاتها النفطية الرخيصة قيام منشآت صناعية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، مثل صناعة الحديد والصلب والأسمنت والألومينيوم، هذه الصناعات تتسبب الآن في وجود احتياج ضخم للطاقة.
ووفقاً لحماة البيئة فبإمكان الأردن أن يعمل على استقرار منسوب مياه نهر الأردن المهدد بالجفاف وكذلك منسوب البحر الميت الذي يتقلص باستمرار، وذلك عبر ترشيد استخدام المياه. ولكن بدلاً من ذلك ينفق الأردن مليارات من الدولارات في بناء قناة تثير جدلاً بيئياً لإمداد البحر الميت بمياه من البحر الأحمر، ثم تحلية مياه البحر عبر استهلاك كميات كبيرة من الطاقة يتم الحصول عليها من المفاعلات النووية.
علاقات تبعية جديدة
كل هذا يتناقض تناقضاً لا يمكن أن ينكره أحد مع ما تدعيه تلك الدول من أنها رائدة في مجال الطاقات المتجددة. "إن السعودية تسعى إلى تصدير طاقة شمسية في المستقبل توازي كمية البترول التي تصدرها اليوم"، هكذا صرح على النجمي، وزير البترول في المملكة العربية السعودية العام الماضي.
كما تُجري مصر والأردن محادثات بشأت اشتراكهما في المشروع العملاق "ديزرتيك" الذي يهدف إلى توليد كميات ضخمة من التيار الكهربائي من الطاقة الشمسية المتوافرة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم تصدير تلك الطاقة إلى أوروبا. هذا هو الحال في الإمارات العربية أيضا التي تسلط الضوء الإعلامي على مشروع مدينة "مصدر" وتتفاخر بأن تلك المدينة "خالية من الانبعاثات". وقد تم هناك في العام الماضي تشغيل مفاعل شمسي قدرته عشرة ميغاوات.
إن الدول العربية القادرة على التمويل والاستثمارات تستطيع بالفعل بناء بنية تحتية للطاقة، وهو أمر لا محيض عنه، كما تستطيع الاستفادة من تلك البنية لتأمين مكانتها في المجال الذي تتزايد أهميته يوماً بعد يوم، ألا وهو تكنولوجيا المستقبل.
غير أنها تسعى بدلاً من ذلك إلى ضخ مليارات في الطاقة الذرية، وبذلك ستقيد نفسها عبر عقود قادمة بمصدر للطاقة غير متجدد، وهو ما سيولد علاقات تبعية جديدة.
كريستوف دراير وشتيفان رول
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2010
كريستوف دراير باحث في العلوم الإسلامية وصحفي حر متخصص في شؤون العالم العربي. شتيفان رول حاصل على منحة بحثية من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين.