مرضى اليمن.. رحلة بحث مضنية عن العلاج في ظل الحصار والحرب
٢٢ يناير ٢٠١٨لم تتحمل "حليمة"، رؤية الحالة الصحية لطفلها عدنان البالغ من العمر 10 سنوات تتدهور يوماً بعد يوم، بسبب معاناته مع الفشل الكلوي، فسعت إلى توفير واقتراض ما أمكن من المال، لإنقاذ حياته بالسفر للعلاج خارج البلاد. بيد أن السفر في حد ذاته تحول إلى ما يشبه "الجحيم" لمجموعة من الأسباب، أبرزها إغلا مطار صنعاء الدولي أمام رحلات نقل الركاب.
في الفترة التي قضتها أسرة عدنان، في محافظة إب "جنوب صنعاء"، تجمع تكاليف السفر وتجهز الوثائق اللازمة، بما فيها الجواز الذي كلف أسرته 50 ألف ريال يمني "أكثر من 100 دولار أمريكي"، ازدادت حالته الصحية تدهوراً. وتسرد والدته وعيناها تنهمران بالدموع "قررنا السفر لعلاج عدنان، وتحمل صعوبات الطريق من إب إلى صنعاء ومن ثم إلى سيئون (في محافظة حضرموت مطار شرق اليمن) للسفر جواً"، وقبل بلوغ المطار الذي تستغرق الرحلة إليه 24 ساعة على متن حافلة، لفظ عدنان أنفاسه الأخيرة وفارق الحياة لعدم قدرته على تحمل مشقات السفر.
عدنان، واحد من عشرات الآلاف من اليمنيين، ممن تتطلب حالتهم الصحية السفر إلى خارج البلاد، عدنان فارق الحياة مع عناء السفر، لكن آخرين لم يتمكنوا من توفير التكاليف اللازمة للسفر وتحمل العناء، مما جعلهم يفقدون الأمل في منازلهم أو في المستشفيات المحلية التي تقدم خدمات صحية أقل فاعلية، وتعجز عن استعاب حالات كثيرة.
العجز عن السفر
عماد (34 عاماً)، من سكان صنعاء، يعاني من ورم سرطاني في القولون، نصحه الأطباء قبل أكثر من عام، بالسفر خارج البلاد لإجراء عملية إستئصال للقولون إلا أن الأوضاع المادية التي يمر بها وظروف السفر منعته من المغادرة، واظطر الأطباء لإجرء عملية جراحية له في إحدى المستشفيات المحلية، لكنها لم تنجح بالشكل المطلوب. بعد ذلك بدأ بتلقي العلاج الكيماوي لأشهر، وهو ما استنزف ميزانية أسرته. رغم كل ذلك لا يزال عماد يعاني مع المرض حتى اليوم. ويقول الأطباء، وفقاً لمقربين من عائلته لـDW، إن آمال علاجه، كانت أكثر في حال تمكن من السفر خارج البلاد.
كثرة نقاط التفتيش
محمد صالح الحيمي (45 عاماً)، موظف حكومي يسكن في صنعاء، يتحدث لـDW، عن معاناته عندما أراد منذ شهرين السفر إلى القاهرة لعلاج زوجته التي تعاني من مرض في الكبد. ويقول الحيمي "أول المعاناة تبدء بعدم وجود مستشفيات وعلاج لكثير من الحالات البسيطة، حينها يصبح السفر أمراً ضرورياً، لتأتي بعد ذلك التكاليف الباهظة للسفر في ظل الواقع الاقتصادي الصعب، كوننا كموظفين بلا رواتب لأكثر من عام".
ويضيف الحيمي أن تذاكر السفر فقط تكلف أكثر من 500 ألف ريال، ويليها تكاليف سفر أخرى داخلية بسبب إغلاق مطار صنعاء. ويوضح الحيمي "اخترنا مطار سيئون للسفر، وفق نصائح أصدقاء، كون الطريق آمناً اكثر من مطار عدن، لكنها كانت رحلة شاقة استمرت 24 ساعة براً لا يتحملها الكثير من المرضى".
ويضيف "زوجتي المريضة كانت تستخدم المهدئات طوال الرحلة، والأكثر صعوبة في كل الرحلة هي العدد الكبير لنقاط التفتيش الأمنية، سواء في مناطق سيطرة الحوثيين (أنصار الله)، أو قوات الشرعية (الحكومة المعترف بها دوليا)".
ويشير الحيمي إلى أنه توقف لساعة ونصف في إحدى نقاط التفتيش التابعة للحوثيين وأقل من ساعة في إحدى النقاط التابعة للحكومة.
واحد من 10 أشخاص يموتون عند محاولة السفر
إغلاق الكثير من السفارات أبوابها في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب الحرب، وانتقالها للعمل من الخارج أزم أكثر وضع المرضى اليمنيين الراغبين في السفر للخارج من أجل العلاج. ويقول مدير عام النقل الجوي، المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد في صنعاء، مازن غانم لـDW إن "واحداً من كل 10 أشخاص يموتون عند محاولة السفر من المنفذين الجويين الوحيدين العاملين في البلاد (عدن وسيئون)"، بسبب بعد المسافة والأوضاع الأمنية غير المستقرة.
ويشير المتحدث إلى أن عدد المرضى الذين توفوا بسبب عدم تمكنهم من السفر إلى خارج البلاد وصل إلى حوالى 15600 مريض منذ إغلاق مطار صنعاء في أغسطس/آب 2016، ويتابع أنه ووفقاً لإحصائية وزارة الصحة (الخاضعة للحوثيين)، فإن أكثر من 95 ألف مريض، بحاجة ماسة للسفر لتلقي العلاج في الخارج، وخصوصاً حالات مرضى السرطان والفشل الكلوي وزراعة الكلى ومرضى القلب والكبد ونقص المناعة وغيرها من الأمراض المستعصية.
مساعدات رمزية لبعض المرضى
وسمح التحالف الفترة الماضية للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية التي تنقل مساعدات غذائية وطبية بتنظيم رحلات إلى مطار صنعاء الدولي، لكنه لم يسمح لرحلات الركاب التي تنقل المرضى بذلك. ووفقاً للمتحدث باسم النقل الجوي، فإنه لا توجد منظمات تساعد في نقل المرضى عبر المطار، الذي يصفه بالشريان الرئيسي الذي يُشغل أكثر من ثمانية ملايين يمني.
من جانبه، يشير محمد علي، الذي يعمل في أحد المكاتب التي تقدم خدمات لتسهيل سفر المرضى إلى الهند، إلى عدم وجود جهات داعمة، باستثناء بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات، كأطباء بلا حدود التي تقدم مبالغ رمزية لبعض الحالات المرضية.
صفية مهدي ـ اليمن