مرسي يوزع بريد "الإخوان" على العالم
٢١ سبتمبر ٢٠١٢لا شك أن الغرب والعالم الآن، معجبون يتولي محمد مرسي للرئاسة المصرية، وللسياسة الخارجية التي يتبعها حتى الآن. وهذه السياسة - دون شك - سوف تشجع باقي حركات "الإخوان المسلمين" خارج مصر، وفي العالم العربي الثائر منه، والذي سيثور ، على أن يتيح للإخوان المسلمين الحكم كما أتاحه لهم في مصر، ما داموا بهذه الأخلاق الاجتماعية والسياسية والإعلامية التي نراها الآن في مصر.
ولنلاحظ أن الغرب – خاصة – الذي كان متخوفاً وحذراً من حكم "الإخوان" ومن سلطة "الإخوان"، أصبح الآن يتسابق لتقديم الدعم المادي والسياسي لدولة "الإخوان". ومهما حاول مرسي في ندواته، واجتماعاته، وتصريحاته، أن ينفي "الأخونة " عن هذه الدولة، فلن يفيده ذلك شيئاً، وهو القادم من داخل هذه العباءة، ومن داخل هذه الكوة الدينية، التي كانت متشددة، فأصبحت تنافس الليبراليين في مناداتها بالتعددية، والديمقراطية، وحرية الرأي.. الخ.
الانتقام من عهود سابقة
ففي زيارة مرسي الأولى للصين، ثم لإيران، وهجومه الكاسح على بشّار الأسد، ونظام الحكم هناك، استطاع أن يثبت بوضوح، "أخونة" الدولة المصرية. وبأنه زعيم من "الإخوان المسلمين" أولاً، ثم رئيسً وحاكم لمصر ثانياً. فهذا الهجوم الكاسح، من قبل مرسي على بشّار الأسد – ولا مثيل له من حكام العالم العربي الآخرين - ليس نصرة للثورة الشعبية السورية المتفجرة الآن، بقدر ما هو نصرة لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، الذين تأسسوا عام 1934 ، وجاء حافظ الأسد في عام 1982 وقتلهم شر مقتل، ومزقهم شر ممزق.
ففي زيارة مرسي للصين الشيوعية، تم تطبيق هدف "إخواني" سياسي واضح وصريح ، وهو تطبيق جزئي لـ "مشروع النهضة" الإخواني السابق، ومن مظاهر هذا التطبيق الفعلي:
1- أن "الإخوان المسلمين" ليسوا مؤسسة دينية، تضم مجموعة من الدراويش المعادين للغرب. فهاهم يقدمون كل يوم، البرهان تلو الآخر، بأنهم يسعون للحفاظ على علاقات وثيقة، ومتينة، وعقلانية مع الغرب. وكان آخرها دعوتهم لإلغاء "مليونيّة الجمعة" (14/9/2012) في ميدان التحرير، في القاهرة، احتجاجاً على الفيلم المسيء للإسلام.
2- تهدف زيارة مرسي للصين الشيوعية والبوذية، الى إعادة التوازن في الشرق الأوسط، وإبلاغ واشنطن رسالة هامة، وهي أن مصر قادرة على إحداث توازن في علاقاتها الخارجية من خلال إقامة علاقات قوية مع حلفاء جدد إقليمياً ودولياً. كما قال مايكل هيجز (خبير استراتيجي بمؤسسة "ائتلاف استراتيجيات العالم الجديد") الأمريكي.
3- أصبحت هناك رغبة قوية لدى القاهرة، لتنويع حلفاءها الاستراتيجيين في المستقبل، سواء على الصعيد الدولي مثل الصين، أو الصعيد الإقليمي مثل إيران، وكلا الدولتين ستكونان محطات هامة في جدول زيارة الرئيس مرسي الخارجية في المستقبل. وقال موقع "روسيا اليوم" بأن مصر، ظلت لسنوات تعتمد على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والتي تحصل في مقابلها على دعم اقتصادي وعسكري كبير، لكن مع تغير الأوضاع في مصر حاليا وتولّي رئيس جديد، تغير الموقف إلى حد بعيد. فهدف مرسي من زيارة الصين، إعادة التوازن في الشرق الأوسط، واثبات أن هناك قوى أخرى في العالم، يمكنها العمل في المنطقة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
4-إذن، فزيارة مرسي للصين تمثل أحد أشكال الضغوط على واشنطن والغرب، ليسرع بتلبية مطالب مصر المالية، خاصة أن مصر طلبت دعماً اقتصادياً أولا من واشنطن، وقروضاً من المؤسسات المالية الغربية بما فيها صندوق النقد الدولي، ثم اتجهت إلى الصين لتطلب الاستثمارات. وهكذا أصبح "الإخوان المسلمون" ودولتهم القوية في مصر، لا يفرقون بين الشيطان الصيني، والشيطان الأمريكي. وحمل مرسي "مشروع النهضة"، الذي كان يحمله سابقه خيرت الشاطر، والذي يولّى للسياسة الخارجية لمصر قدراً كبيراً من صفحاته، بأنه، "لا بُد وأن تعود لمصر ريادتها ومكانتها الخارجية كما كانت عليه من قبل، لما تتمتع به مصر من موقع جيو سياسي وإقليمي، يجعلها من أهم دول المنطقة."
5- ولا شك، أن الصين قد أفادت من هذه الزيارة. فهي تضع على رأس أولوياتها، إيجاد موطئ قدم في منطقة البحر المتوسط، والعمل على تعزيز استثماراتها في منطقة قناة السويس، أهم ممر ملاحي في العالم. وقد أدركت مصر هذه الرغبة الصينية، وبدأت تعمل لتحقيقها من أجل تحقيق أكبر استفادة اقتصادية وإستراتيجية ممكنة، وبذا دخلت "دولة الإخوان المسلمين" في مصر قلب العالم، من أوسع أبوابه.
"ضربة معلم" أخرى!
أما زيارة مرسي السريعة لإيران وحضوره "مؤتمر دول عدم الانحياز"، وثنائه على الرئيس عبد الناصر، فاعتُبر مصالحة تاريخية نادرة، رغم تنكيل عبد الناصر بالإخوان، وإعدام أكبر زعمائهم، وهو سيد قطب. وبذا أثبتت "دولة الإخوان المسلمين" في مصر أن البراغماتية السياسية، ترجح على العداء العقدي مع العهود السياسية الماضية. وهذا مثال سياسي ليس خاصاً بمصر وحدها، بقدر ما هو مثال مُعمَّم، ويجب الاحتذاء به في كل العالم العربي، ويتخذه "الإخوان المسلمون"، في كل من سوريا الثائرة، والأردن التي تقف على حافة الثورة الشعبية المترددة هناك، نتيجة لتأرجح موقف التيار الديني (جبهة العمل الإسلامي) لعدم وضوح الرؤيا السياسية المصرية بعد، لهؤلاء.
السلام العالمي واحترام الأديان
والآن، يزور مرسي ايطاليا كرسول من "الإخوان المسلمين"، للهدف ذاته الذي زار الصين من أجله. وانتهز مرسي "هوجة" الهجوم على الفيلم المسيء للإسلام، وقال بأن "السلام العالمي لا يتحقق إلا باحترام كل الأديان"، موضحاً أيضاً أن تعاليم الدين الإسلامي، تُحرّم قتل النفس البريئة، وذلك في معرض تعليقه على حادثة مقتل السفير الأمريكي ببنغازي. وقال: "هذا شيء نرفضه تماماً. ونعزِّي الشعب الأمريكي فيمن قُتلوا في بنغازي. ونقول لهم، إننا كقيادة وشعب، ضد هذا العدوان. وقتلُ النفس بغير ذنب في ديننا، محرّم، وممنوع."
تنفيذ بنود "مشروع النهضة"
وهكذا يقدم مرسي "جماعة الإخوان المسلمين" للعالم كحزب سياسي تقدمي، يفوق في تقدمية شعاراته كافة الأحزاب العربية الأخرى، التي خبرناها في الماضي، ويتحدى الأحزاب التقدمية، إن كانت تؤدي أداءً أفضل من أداء الرئيس مرسي حتى الآن، ويبشر بمستقبل سياسي جديد لجماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي.
وهكذا نرى - كجزء من "مشروع النهضة" ألإخواني – أن مبدأ الريادة الخارجية لدى الإخوان، ينطلق من الدوائر المحيطة بداية من الدائرة العربية، ثم الإقليمية والدولية، ورسم سياسة خارجية متزنة مع الجميع، ومبدأ المعاملة الندية مع أمريكا، والحفاظ على المصالح المشتركة بين الدولتين. ورسم سياسة تعاونية مع الدول الأفريقية. وتلك هي كانت كلها لُب وقلب "مشروع النهضة" ألإخواني.