مظاهرة "مرحبا بكم في الجحيم" تحبس أنفاس هامبورغ
٧ يوليو ٢٠١٧اندلعت مواجهات جديدة يوم الجمعة (السابع من تموز/ يوليو)، على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ وقام متظاهرون بإحراق سيارات للشرطة الألمانية، بحسب ما أعلنت الشرطة في المدينة. وأصبحت المدينة وكأنها أرض معركة. دخان السيارات المحترقة يتصاعد من أزقتها التاريخية. من جهة أخرى نشرت الشرطة حصيلة جديدة لمواجهات ليل الخميس/الجمعة، لتشير إلى إصابة 111 من عناصر قوات الأمن فيها، بحسب وكالة الأنباء الألمانية وتم توقيف 29 شخصا كما تم وضع 15 آخرين قيد الحبس الاحتياطي.
وكانت المدينة قد حبست أنفاسها يوم أمس الخميس. وساد الهدوء وسط المدينة قبل 24 ساعة من موعد انعقاد القمة، واختفى فجأة ضجيج حركة المرور. وساد صمت غريب، قاطعته من حين لآخر مروحيات الشرطة التي كانت تحلق فوق شوارع فارغة.
ولكن كثيرا من السكان كانوا يعرفون أن هذا ما هو إلا الهدوء الذي يسبق عاصفة. وبالفعل لم يستمر الهدوء حتى الليل- ولغاية وصول متظاهري "مرحبا بكم في الجحيم". إنه الاختبار الأول الكبير للشرطة المسؤولة عن حماية القمة. الشرطة كانت تعرف أن ما يطلق عليه تسمية أعضاء "التجمع الأسود" سوف يتجمعون - وهم الجزء المتطرف والمستعد للعنف من الحركة المناهضة للرأسمالية. وكتب أعضاء هذه المجموعة على منشوراتهم: " شاركوا بصوت عال وبغضب وبروح قتالية".
الحصن
تحضيرات الشرطة للقمة كانت قد بدأت منذ أيام قبل انعقادها، وذلك في الشوارع السكنية قرب صالات المعارض في هامبورغ، حيث تعقد القمة. ومُنع الدخول إلى عدة مناطق في المدينة، واصطفت مئات سيارات الشرطة لتشكل حاجزا حول المنطقتين الأمنيتين اللتين حددتهما الشرطة. وحتى السيارات التي تحمل خراطيم المياه كانت موجودة في شوارع هامبورغ منذ بداية الأسبوع. وتحول مركز المدينة إلى حصن بسبب الإجراءات الأمنية المتشددة، وهو تماما عكس ما رغب به أعضاء الحكومة المحلية.
وطوال يوم أمس الخميس أصبحت الأجواء في مركز المدينة في توتر متزايد وخانق. واستغل السكان وكذلك السياح هذه الفرصة التاريخية لتصوير رسومات "غرافيتي" المناهضين للقمة والمحال التي أغلقت بإحكام خوفا من الاضطرابات. فيما أغلقت الاختناقات المرورية بعض الطرق الرئيسية في المدينة، نتيجة للحواجز التي وضعتها الشرطة أو بسبب قوافل سيارات الشرطة التي ترافق سيارات القادة المشاركين في القمة.
وبعد الظهر تجمع عدة آلاف في "سوق السمك" التاريخي الشهير في المدينة، والذي يقع بجانب ساحل نهر "إلبه" مباشرة. وكان ضمن المتظاهرين عائلات وكبار السن وبعض الأطفال والكثير من الشباب، ولم يكن أغلبهم يحمل شكل ومعالم "المتظاهرين النمطيين".
وأصبح "سوق السمك" مكانا للحفل وورشة عمل يشارك بها عدد كبير من الناس. وبدأت المنصة الرئيسية تعرف برنامجا منتظما: خطب وغناء وموسيقى- أغلبها من قبل مشهد اليساريين عشاق موسيقى الراب. وفجأة ظهر قارب يحمل ستة أشخاص يرفع علما كبيرا لأتباع "اللاسلطويين أو الفوضيين"، ودار القارب ثلاث مرات قرب رصيف الميناء ومن ثم اختفى وسط هتاف الحشد.
ديرك ميكروف، الذي تنكر بزي "متمرد مسلح" حاملا لعبة على شكل سلاح على كتفه، قال إنه قدم إلى التظاهرة لعدة أسباب، "أولها التغير المناخي الذي يكذبه ترامب"، بالإضافة إلى "أن الرجال الثمانية الأغنى في العالم يملكون ما يملكه نصف سكان العالم الفقراء". وهذه وحدها كانت تعد بالنسبة لديرك "أسبابا كافية" للقدوم والمشاركة في التظاهرة.
فيما أشارت امرأة مشاركة رفضت الكشف عن اسمها إلى أن القمة كان يجب أن لا تُعقد في هامبورغ، وقالت: "ليس لدي انطباع أن القمة ستقدم محتوى جديدا". ولا تشعر هذه المرأة بالقلق من عمليات عنف محتملة، وقالت "تلك أشياء يتم الحديث عنها. أعتقد أنه عندما تبقى الشرطة في الخلفية، سوف لا يحدث عندئذ أي شيء". فيما أضاف رجل قربها بالقول: "أتوقع استفزازا من قبل الشرطة. وكذلك بالطبع من المتظاهرين. ولكني هنا لكي أدافع عن حق التجمع".
وحول "سوق السمك" كان يمكن في هذه الأثناء مشاهدة تجمع كبير للشرطة. سيارات الشرطة والسيارات التي تحمل خراطيم مياه اصطفت جنب بعضها البعض وأقفلت الشوارع. وبعدما دخلت مجموعة من الشرطة يبلغ قوامها نحو 100 شرطي مسلح، حشود المتظاهرين، توترت الأجواء مباشرة. وكانت هنالك مواجهات كلامية، ولكن لم تظهر أي أعمال عنف بعد.
التصعيد
وانطلقت التظاهرة، يتصدرها مئات المتظاهرين المرتدين لملابس سوداء من مجاميع "أوتونومس" (أي اللاسلطويين). وكان الكثير منهم ملثما. وتقدم المتظاهرون نحو 400 متر ولغاية جسر للمشاة يقود إلى شارع الميناء. وهناك كانت نهاية المسيرة. إذ كان بانتظارهم ست سيارات تحمل خراطيم مياه، وقطعت الشرطة الطريق – تماما كما توقع الكثيرون. وطالب مدير الشرطة في الموقع المتظاهرين الملثمين بنزع اللثام وإظهار وجوهم – وإلا سيتم اتخاذ إجراءات بحقهم. لكن المجاميع الملثمة من "أوتونومس" لم تستجب للطلب.
ومن ثم ظهر العديد من رجال الشرطة من جميع الاتجاهات. وارتفعت وتيرة العصبية عند المتظاهرين، خاصة بعد أن تقدم رجال الشرطة اللابسين لملابس سوداء ويحملون علب رذاذ الفلفل بين حشود المشاهدين. وعلق أحد المارة بالقول إنهم يشبهون شخصية "دارث فيدر" (شخصية خيالية مقنعة وتلبس ملابس سوداء تظهر في سلسلة أفلام حرب النجوم).
وكانت عملية التصعيد مسألة وقت فقط، وغادر الكثير من المتظاهرين شارع الميناء عبر الشوارع الصغيرة المجاورة، بينما بقي المئات في التظاهرة. ومن ثم حلقت الزجاجات والمفرقعات باتجاه قوات الشرطة المتقدمة، والتي استخدمت بدورها خراطيم المياه ورذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين.
فيما فر الكثير من المارة من العنف. وقال أحد المتظاهرين يقف فوق الجسر تعليقا على وجود الشرطة "لم يرغبوا أبدا أن تستمر التظاهرة لغاية مركز المدينة". وأضاف: " ستكون ثلاث ليال ساخنة في هامبورغ".
الكاتب: جيني فيت/ زمن البدري