مراجعة كتاب: "دولة ميركل ـ إلى أين تقود المستشارة ألمانيا؟"
١٦ ديسمبر ٢٠٠٧ما من شك أن تقلد المستشارة أنجيلا ميركل لمقاليد السلطة قبل أكثر عامين شكل علامة فارقة في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية، لأن ميركل لا تعتبر أول سيدة تتبوأ منصب المستشارية فحسب، بل إن وصولها إلى قمة الهرم السياسي الألماني يعد تعبيراً عن جملة من التحولات الجذرية التي شهدتها بنية المجتمع الألماني في العقود الثلاثة الأخيرة بصورة عامة ونخبته السياسية بصورة خاصة. كما أن صعود نجمها يعطي دليلاً لا لبس فيه على تكريس الوحدة الألمانية على أرض الواقع، فميركل ولدت ونشئت اجتماعيا في شرق ألمانيا، فضلا عن أنها تنحدر من أسرة بروتستانتية. لكن ذلك لم يعيق صعود نجم هذه السياسية، التي اعتاد المستشار السابق هيلموت كول أن يخاطبها بشكل أبوي مستخدماً تعبير "فتاتي"، لتتحول من باحثة فيزيائية مغمورة تعمل في أحد مختبرات برلين الشرقية إلى شخصية قيادية في الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ ذي القاعدة الإنتخابية الكاثوليكية.
من هالة شرودر الإعلامية إلى موضوعية ميركل
بعد أن طويت صفحة المستشار السابق غيرهارد شرودر تغير المشهد السياسي الإعلامي بشكل ملحوظ، فمع اعتزاله العمل السياسي اختفت هالته الإعلامية وحل محل حضوره القوي، الذي أدى إلى "شخصنة نسبية" لآليات صناعة القرار السياسي الألماني، أسلوب ميركل الموضوعي المتميز بـ" التريث الموجه المصبوغ بعقلانية محضة وبرغماتية لا تعرف الحدود، خاصة إذا تعلق الأمر بالحفاظ على سلطتها داخل منظومة القرار السياسي الألماني". هذا التقييم الدقيق يمثل في الواقع خلاصة ما توصل إليه الكاتب السياسي والصحافي ريتشارد مينغ، في إطار تحليله المطول لأداء وأسلوب حكم ميركل في كتابه "دولة ميركل ـ إلى أين تقودنا المستشارة؟" الصادر حديثاً.
تواضع تطلعات النخبة السياسية الألمانية الحالية
خلال قراءة الكتاب، الذي يحاول فيه المحلل السياسي مينغ استكشاف دوافع ميركل، وإستراتيجية إدارتها للبلاد، يتعرف القارئ على نظرة الكاتب النقدية بشكل مباشر، لأن مينغ لا يتردد في انتقاد "تواضع تطلعات النخب السياسية الحالية"، ويحذر من الأخطار الناجمة عن فقدان العمل السياسي أوليته في المجتمع الديمقراطي الألماني حالياً.
لكن الصحافي المخضرم مينغ يوجه سهام انتقاداته إلى المستشارة ميركل على وجه الخصوص ويصفها "بالقائدة السياسية، التي لا تملك رؤية سياسية مستقبلية مقنعة". كما يعبر عن خيبة أمله من أداء التحالف الحكومي الموسع، الذي يجسد حالة من "الجمود الموجه" تحت شعار "سياسة الخطوات الصغيرة"، ويكتفي بجني ثمار سياسة المستشار السابق شرودر الإصلاحية وبتحقيق نجاحات جزئية على الصعيد الأوروبي والدولي.
واقعية فن الممكن أم تواضع الرؤية السياسية؟
المفارقة الكبرى في طرح المحلل السياسي مينغ النقدي تكمن في عدم قدرته على إخفاء إعجابه بقدرات ميركل الميكيافيلية، التي تتشابه إلى حد كبير مع قدرات معلمها هيلموت كول، الذي هيمن على المشهد السياسي الألماني لمدة عقدين. فمينغ يحذر من الاستخفاف بغريزة السلطة عند ميركل، وينبه إلى أن ميركل "لا تقود ألمانيا في الوقت الراهن وفقا لقناعاتها السياسية ومبادئها النيوليبرالية القريبة من النموذج الأمريكي، بل إنها تتكيف مع توجهات غالبية الناخبين الألمان، اللذين يفضلون اقتصاد السوق الاجتماعي، حتى تضمن أغلبية مريحة داخل آليات صناعة القرار السياسي الألماني".
لكن ما لم يذكره مينغ في إطار تحليله الدقيق لـ"نظام ميركل" يتمثل في نسيانه أن المستشارة الألمانية مجبرة على أرض الواقع على تقاسم السلطة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وعلى هذا النحو يبقى "لغز ميركل" بدون إجابة: هل تجسد ميركل واقعية فن الممكن أم تواضع الرؤية السياسية في مجتمع تنازل عن أولية العمل السياسي لتحكمه قوانين السوق الاستهلاكية؟.