مدينة تسفيكاو الألمانية ترفض أن تكون "عاصمة" النازيين
١٨ أبريل ٢٠١٢شمس ساطعة في "شارع الربيع" في أحد أحياء مدينة تسفيكاو، وجدران المنازل مطلية بشكل جيد. مظهر السكان وهم ينظفون الواجهات الأمامية لمنازلهم يبدو وكأنهم في منافسة بينهم. عمال الحدائق المنزلية يديرون الظهر إلى المارة وكأنهم لا يريدون أن يعاينوا شيئا آخر غير منزل محدد. لا أحد يريد أن يتفوه بكلمة بخصوص جارهم السابق، لكن أحدهم صاح من بعيد "كفى صمتا". ففي أحد سيارات النوم (كرافان) ثم العثور على جثتين لشخصين كانا في عداد المفقودين، كما ثم العثور في عين المكان على مسدس لشرطية لقيت حتفها قبل أربع سنوات ونصف السنة من طرف قاتل مجهول. فالشخصان المقتولان وزميلتهما في السكن بيئاتي تشيبي، كانوا يشكلون ثلاثيا من اليمينيين المتطرفين الذين قاموا خلال السنوات العشر الماضية باغتيال أجانب مقيمين في ألمانيا.
خلية تسفيكاو تحرج سكان المدينة
وتحول فضول الصحفيين من أنحاء العالم إلى مدينة تسفيكاو منذ اكتشاف الخلية، إذ لا يكفون عن الاتصال بمجلس المقاطعة، و"الكل يريد معرفة لماذا ظهرت هذه الخلية في هذه المدينة" كما يقول ماتياس ميرتس، المتحدث باسم عمدة المدينة. ويحاول ماتياس ميرتس، الذي يعيش في هذه المدينة منذ 14 سنة، أن يرشد الصحفيين إلى شركاء للحوار ذوي كفاءة ومصداقية.
في ساحة مجلس المدينة صاح تلميذ لا يتجاوز عمره السبع سنوات في وجه تلميذ آخر من نفس العمر "أيها النازي"، ليجيب التلميذ الثاني "أنت أيضا نازي". يتجاهل ماتياس ميرتس مشاكسات الأطفال المستفزة وينهمك في إعطاء نبذة عن تاريخ المدينة، عن اكتشاف معدن الفضة وعن تاريخ اكتشاف الفحم الحجري. كما يحكي ميرتس عن المصلح الألماني مارتن لوثر، الذي كان يعمل في كنيسة المدينة، وكذا عن ابن المدينة الملحن روبرت شومان وغيرهما من الوجوه المشرقة للمدينة.
ويرى ميرتس أن خلية تسفيكاو النازية أثرت على صورة المدينة وسكانها رغم أنه لا علاقة لهم بتلك الخلية. ويروي ميرتس أن قسا أخبره بأن مد النازيين في تزايد منذ شهر أيلول/سبتمبر 1991 حين هاجم النازيون مأوى للاجئين السياسيين ولم تستطع الشرطة حينها السيطرة على الوضع. ويعترف ميرتس أن المدينة لا تخلوا من أشخاص ذوي توجهات معادية للأجانب، لكنه ينفي أن تكون المدينة بكاملها ذات توجه عنصري، وهو الشيء الذي تؤكده محاضر الشرطة التي تعتبر تسفيكاو من بين المدن الألمانية الآمنة.
كابوس أوروبا الشرقية لا زال حاضرا
تفقد مدينة تسفيكاو سنويا ما بين 500 و600 شخص من سكانها الأصليين، بسبب الهجرة ولأن نسبة الوفيات أكبر بكثير من نسبة الولادات. وبينما بلغ عدد سكانها 122 ألف شخص عند انهيار ألمانيا الشرقية، لا يسكن فيها اليوم سوى 93 ألف نسمة.
"يعيش الشباب منعزلين في غرفهم ويتواصلون عبر الهاتف الخلوي أو الانترنيت" كما يقول كريستوف أولمان، الذي يعمل مرشدا اجتماعيا في المدينة. كما يتحدث أولمان عن المسيرات التي نظمها الحزب النازي الألماني منذ سنوات خلت. فبالرغم من كون نسبة الأجانب في المدينة لا تتجاوز 2 بالمائة، إلا أن لدى البعض ميولا معادية للأجانب.
وبالنسبة لكريستوف أولمان، فإن جذور المشكلة هي بالأساس ماضي المدينة كجزء من ألمانيا الشرقية، فبسب انعدام الحرية والديمقراطية لم يكن سكان ألمانيا الشرقية معتادين على قبول الأجنبي/ الآخر وثقافته. ويضيف " ليس سهلا أن نقدم أنفسنا كألمان، فالوطنية عندنا تهمة. بالرغم من أن تاريخنا مليء بوقائع وإنجازات يمكن أن نفتخر بها كمواطنين من ولاية سكسونيا وكألمان" على حد قوله.
ويعتقد أولمان أن تأطير الشباب ليس فقط مسؤولية الآباء والمدرسين، بل مسؤولية المجتمع المدني كذلك، وينتقد الضغط الذي يتعرض له الشباب من طرف الآباء وكذا الضغط الاقتصادي. فالتواصل داخل العائلات لم يعد كما كان وحتى تناول الوجبات مع العائلة نادرا ما يحصل. ويعطي أولتمان نماذج عن شباب يعاني من العزلة وتهرب محيطه منه.
مجهود لمكافحة التطرف، العنصرية ومعاداة السلامية
تعمل سابينه هيتسكي باحثة في مجال السلم والنزاعات لدى "التحالف من أجل الديمقراطية والتسامح"، ومنذ سنة 1995 وهي تحاول توعية الأحزاب والنقابات والمنظمات ضد التطرف اليميني. كما يقوم التحالف بإرسال موفدين إلى المدارس لتوعية التلاميذ وتجنيبهم الوقوع فريسة أفكار معادية للأجانب. وتحاول رئيسة بلدية المدينة بيا فيندايس تغيير الصورة السلبية في وسائل الإعلام حول مدينتها، إلا أنها تشعر أن السكان أصبحوا يبتعدون عن الأفكار المعادية للأجانب وأيضا عن حزب النازيين، وترى أن عدد المواطنين الذين يصوتون لذلك الحزب سيتراجع كثيرا.
وخوفا من أن يتحول بيت الخلية المتطرفة في المدينة إلى مزار للنازيين، يعتزم المسئولون هدمه، كما ينوون القيام بمبادرات لتلميع صورة المدينة في ألمانيا وخارجها.
إيغر كارين/عبد الرحمان عمار
مراجعة: عبد الرحمن عثمان