مدير الأونروا: أغادر غزة وفي قلبي حسرة
٢١ يوليو ٢٠١٥DW: عملت ثلاث سنوات كمدير لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا) في غزة. كيف قضيت وقتك هناك؟
روبرت تونر:يمكن ببساطة أن يشعر المرء باليأس من الوضع في غزة عندما يرى المشاكل التي لا يمكن حلها أبدا. ولكن يمكن للمرء القول أيضا: انظروا للناس هنا، إنه يمكنهم تحمل درجة عالية من الصعاب ويمكنهم أيضا التكيف معها، وهؤلاء الناس عملوا الكثير وهم يغتنمون الفرصة لعمل شيء ما عندما تسنح لهم الفرصة لذلك. وهم يخلقون الفرص والإمكانيات لأنفسهم. أنا أغادر غزة وقلبي يوجعني وأنا مضطر لذلك، لأنه كانت لي في غزة تجربة غير طبيعية. لكني أغادر المنطقة وعندي شيء من الأمل بأن تتحسن الأوضاع هناك.
العمل في قطاع غزة يعد تحديا كبيرا وحتى في الأوقات الاعتيادية. وأنت عايشت حربين في غزة، في سنة 2012 وفي صيف 2014.
كنا نعتقد أن الحرب في سنة 2012 كانت سيئة جدا، ولغاية ما جاءت حرب 2014. ويمكن للمرء القول إن حرب 2012 كانت قياسا بحرب 2014 غير مؤذية نوعا ما. وخاصة أن الصيف الماضي وفي الكثير من الأوجه كان يمثل رعبا كبيرا. ولذلك كان تعاملنا مع الأزمة غير مألوف. ولا يمكنني نسيان تجربة تعامل موظفينا مع الأزمة إطلاقا. لقد قدم موظفونا عملا رائعا، وخاصة تحت أوضاع صعبة وخطرة جدا. وجاء الموظفون للعمل كل يوم، 5000 موظف جاؤوا يوميا للعمل أثناء الحرب ليساعدوا بقية الناس. وهذا في الحقيقة شيء خاص ورائع. ومجمل عملي في غزة شكل بالنسبة لي أكبر تحد وهو أيضا أكثر عمل أنا شاكر لقيامي به في حياتي، وسيبقى كذلك مهما عملت وسأعمل بعده.
وكيف ترى الأوضاع اليوم بعد عام من الحرب؟
الوضع العام لأغلب الناس في غزة اليوم هو أسوء بكثير مما كان قبل عام. والأوضاع الإنسانية لم تتحسن. ولم يعمل شيء ضد البطالة والفقر. بالإضافة إلى ذلك هناك الدمار والأضرار النفسية. إنه وضع ميئوس منه نوعا ما.
الكثير من الناس في غزة يقولون إنهم لا يأتيهم الكثير من المساعدات. وعملية إعادة البناء تجري بصورة بطيئة جدا وخاصة للناس الذين فقدوا كل شيء في الحرب الأخيرة.
هناك مجموعتان مختلفتان من الناس. المجموعة الأولى تضم الناس الذين تضررت منازلهم في الحرب ويحتاجون لمعونات مالية. والمجموعة الثانية تضم الناس الذين فقدوا منازلهم بالكامل وهؤلاء يحتاجون لمساعدة لبناء منازلهم من جديد. وسبب التأخير في التصليحات يعود إلى أننا لا نملك الأموال الكافية لذلك. وقدمنا الأموال للتصليحات ولدعم الإيجارات ودعمنا 60 ألف عائلة في غزة. ويمكننا أن نقدم أيضا المزيد من عشرات الملايين إذا توفر لنا المال الكافي لذلك.
وكيف تتعامل إسرائيل مع الوضع، هل هناك تغيير في التفكير تجاه الوضع؟
يمكن للمرء القول إن إسرائيل فكرت من جديد في الأوضاع في غزة وفكرت كيف يمكن لها أن تغير الشروط والمتطلبات هناك، وخاصة بما يجب عمله لتغيير الخطاب تجاه غزة. وهذا ما يراه ويسمعه المرء في الخطابات الرسمية لبعض المسؤولين الإسرائيليين. والمرء يفهم بكل صراحة أنه يجب أن تتغير الشروط والأوضاع في غزة للفلسطينين وذلك من أجل دعم أمن إسرائيل. وعندما تحدثت مع إسرائيل قبل الحرب الأخيرة حول ذلك وعن ماذا يجب تغييره لتجنب نزاع جديد، كان الكلام آنذاك أنه من غير الممكن عمل ذلك. واليوم هنالك بعض الخطوات السياسية المهمة ويمكننا أن نأمل في أن توضع هذه الخطوات وتنفذ بسرعة.
بعد ثلاث سنوات إقامة في غزة، ماذا تحمل معك من هناك؟
شيء واحد فقط وهو يتعلمه المرء هنا، إنها البساطة. وحتى يمكنني أن اسميها التواضع وفي الكثير من الجوانب. والعيش وسط قطاع غزة والتعايش مع ما جرى في السنوات الثماني الأخيرة وسط الحصار. هناك في الطبع بعض الناس الذين فقدوا الأمل، لكن أغلب الناس هنا لا يريدون ترك الشجاعة.
وهناك تجربة شخصية من حرب 2012 أتذكرها دائما. أثناء الحرب آنذاك زرت مستوصفاً في وسط المدينة لأتابع عمل موظفينا. وكانت تجلس مجموعة من النساء الشابات مع أطفالهن حديثي الولادة. وسألت الطبيب عن سبب تواجد هؤلاء النسوة في هذا المكان. وقال لي الطبيب إن النساء اتصلن في الصباح الباكر ليعرفن فيما إذا يمكنهم جلب أطفالهن لإعطائهم اللقاحات اللازمة. وكنت أفكر مليا بهذا الوضع وعن الشيء المميز الذي يدفع النساء ووسط الحرب لجلب أطفالهن لأخذ اللقاحات اللازمة. وهذا نموذج لمجتمع يحاول الاندماج مع الأوضاع التي تمر عليه باستمرار. وهذا يعد حقا شيئا غير طبيعي.