مدربو كرة القدم الألمان يحظون بشعبية عربية وعالمية كبيرة
١٢ أغسطس ٢٠١١إلى جانب حراس المرمى البارزين والمتألقين عالمياً تتميز ألمانيا تقليدياً بوجود مدربين ناجحين وقادرين على قيادة الفرق أو المنتخبات التي يُشرفون على تدريبها إلى النجاح وإلى تحقيق تقدم نوعي في الأداء. أكثر من 40 مدرباً ألمانيا في الخارج يُمارسون مهامهم في مناطق مختلفة ومتنوعة عبر العالم. فتجدهم يعملون في أستراليا ( هولغر أوزييك مدرب المنتخب الأسترالي ) وجنوب إفريقيا، كالمدرب إيرنست ميدندروب ومنطقة الكاريبي وفي أقصى شرق آسيا وفي الصحراء العربية أيضاً حيث يعمل عدد من المدربين الألمان، كالمدرب أولي شتيلكه الذي يُشرف حالياً على تدريب فريق السيلية القطري.
وقد عمل لاعب المنتخب الألماني السابق طويلاً في مجال التدريب كمدرب لمنتخبات وطنية، مثل منتخبي سويسرا ( 1989 ) وساحل العاج ( 2006 - 2008 ) وعمل كمساعد لمدرب المنتخب الألماني عام 1998. والآن يعمل إبن الـ 56 عاماً منذ مطلع عام 2009 في قطر. وفي بداية محطته الخليجية أشرف شتيلكه أولاً على تدريب العربي القطري قبل أن ينتقل إلى فريق السيلية. وأكثر ما يُعجب بطل أوروبا عام 1980 أنه يتمتع رياضياً بحريات واسعة وليس هناك ما يُعيق خططه واستراتيجياته الكروية.
ظروف عمل جيدة في الصحراء العربية
كلاعب ومدرب اكتسب شتيلكه خبرات دولية واسعة وأقام في بلدان كثيرة، لكن الأجواء العامة في قطر أدهشته، كما أن الحياة في هذا البلد العربي الصحراوي تُعجبه كثيراً، حسب قوله وهذا بالتأكيد ليس بسبب حرارة الصحراء الشديدة في قطر، بل بفضل ما يُوفره هذا البلد للمواطنين والرياضيين على مختلف جنسياتهم. فما شاهده شتيلكه في الدوحة فاق جميع تصوراته. فهذه المدينة تتمتع ببنية تحتية جيدة جداً وتضمّ عدداً كبيراً من الملاعب والصالات الرياضية وتتمتع بإمكانيات هائلة تفوق إمكانيات كثيرٍ من كبرى المدن العالمية، مثل مدريد ونيويورك. وكل ذلك يخلق بالطبع ظروفاً جيدة قد تكون مثالية للعمل والحياة معا. لكن ما خيّب أمل شتيلكه مؤخراً هو هبوط فريقه السيلية إلى دوري الدرجة الثانية بعد أن هوى الفريق في مرحلة إياب الموسم الماضي إلى قاع لائحة الترتيب. والآن يتعين على لاعب فريق ريال مدريد السابق تشكيل فريق جديد للعودة مباشرة إلى الدوري الممتاز.
وفي الصيف الحالي انتقل عددٌ آخر من المدربين الألمان إلى الخارج، مثل فالكو غوتس، الذي تولى مهمة تدريب المنتخب الفيتنامي وهولغر فاخ ( منتخب كازاخستان ) وويني شيفر ( منتخب تايلاندا ) الذي سبق وأن أشرف على تدريب فريقين إماراتيين. وفي آخر صفقة انتقال لمدرب ألماني إلى الصحراء العربية اجتذب فريق الهلال السعودي المدرب الألماني توماس دول.
توماس دول ثاني مدرب ألماني للهلال السعودي
بتعاقده مؤخراً مع نادي الهلال السعودي يواصل المدرب الألماني توماس دول مسيرته الاحترافية كمدرب، بعد أن سبق وأشرف على تدريب فريقي هامبورغ ودورتموند الألمانيين وفريق وجنشلر بيرليجي التركي. ويُعدّ دول ثاني مدرب ألماني يتولى مهمة تدريب فريق الهلال السعودي، بعد المدرب راينر هولمان الذي قاد الهلال عام 1998 إلى المركز الأول في الدوري السعودي الممتاز.
ويُعتبر دول مدرباً طموحاً وصارماً ومنظماً. ومن أبرز إنجازاته في البوندسلبيغا هو فوزه بلقب أفضل مدرب في الدوري الألماني في مشواره التدريبي مع نادي هامبورج بعد أن قاده لاحتلال المركز الثالث في البوندسليغا. وما لفت أنظار الإداريين في نادي الهلال السعودي إليه هو أن أسلوبه وأفكاره تتوافق إلى حد كبير مع إمكانيات لاعبي الهلال السعودي. فلاعب المنتخب الألماني السابق يستطيع خلق جواً عاماً مليئاً بالتعاون، كما فعل في هامبورغ ودورتموند. كما يستطيع دول أن يأخذ من كل لاعب أقصى طاقته وإمكانياته.
وما يمتاز به دول هو أسلوبه التدريبي الذي يعتمد دائماً على خط دفاع قوي يتكون من أربعة مدافعين. فهو لم يُغير هذا الأسلوب مع أي من الفرق التي دربها حتى الآن. كما يُعدّ الألماني دول مدرباً مرناً من الناحية التكتيكية، فهو يختار خطة اللعب وفق إمكانات الفرق التي يدربها ووفق قدرات الخصوم الذين يواجههم. وهو يختار أيضاً أساليب التدريب المناسبة، كما يفعل حالياً خلال شهر رمضان حيث وضع دول نظاماً محدداً خلال هذا الشهر يناسب الجميع. وكل هذه الصفات والمؤهلات تجعل من دول مدرباً ناجحاً وطموحاً.
لكن على الرغم من كل هذه الميزات والخبرات التي اكتسبها خلال مشواره التدريبي الذي بدأه عام 2001، إلا أن توماس دول لا يُعدّ من المدربين المشهورين أو المصنفين في الدرجة الأولى في ألمانيا. لكنه مازال في أول طريقه كمدرب، وما زالت هناك فرص كثيرة أمامه لتحقيق الكثير من الإنجازات الكروية. وهذا ما يطمح إليه إبن الـ 45 عاماً الآن مع فريقه الجديد الهلال السعودي، حيث أعلن دول سعيه إلى تحقيق لقب بطولة أبطال آسيا، وهو ما يجعله أمام تحدي كبير جداً في الموسم الكروي المقبل.
ما الذي يدفع المدربين الألمان إلى الانتقال للخارج؟
إضافة إلى العروض المغرية مادياً يعتبر المدربون الألمان انتقالهم إلى الخارج تحدياً كبيرا. والمدربون الألمان بطبيعتهم يُحبون مواجهة تحديات جديدة يستطيعون من خلالها نقل فلسفة الكرة الألمانية إلى الخارج. وهم يسعون أيضاً إلى إثارة الحماس لهذه الرياضة وتحقيق نجاحات فريدة مع الفرق والمنتخبات التي يتولون تدريبها. وهذا ما يسعى إليه أيضاً المدرب ونفريد شيفر الذي يحلم حالياً بنقل المنتخب التايلاندي إلى مستوى أكبر المنتخبات الآسيوية، مثل المنتخبين الياباني والكوري الجنوبي.
وكان شيفر، أسطورة فريقي مونشينغلادباخ وكارلسروهه الألمانيين، قد أشرف في الماضي على تدريب منتخبات وفرق عالمية أخرى. ومسيرته الاحترافية كمدرب قادته إلى الإمارات العربية العربية المتحدة أيضاً حيث تولى شيفر مهمة تدريب فريق الأهلي في دبي بين عامي 2005 و 2007. وفاز معه عام 2007 بلقب بطولة الدوري الإماراتي. كما فاز شيفر عام 2009 مع فريق العين الإماراتي بكأس الإمارات وكأس رئيس الدولة وكأس السوبر الإماراتي.
المدربون الألمان في الخارج يدربون فرقاً ومنتخبات مغمورة
لكن من الملفت للنظر أن أياً من المدربين الألمان العاملين في الخارج لا يعمل مع نجوم بارزين من الدرجة الأولى، كالنجم الأرجنتيني الاستثنائي ليونيل ميسي، على سبيل المثال. ومنذ أن سرّح فريق ريال مدريد الملكي بيرند شوستر عام 2008، لم يتولى أي مدرب ألماني مهمة الإشراف على تدريب أي من الفرق العريقة في أوروبا أو في أي مكان آخر من العالم.
غير أن ذلك لا يُقلّل إطلاقاً من شأن المدربين الألمان وقدراتهم ومؤهلاتهم. بل أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى جاذبية الدوري الألماني. فأفضل وأبرز المدربين الألمان يعملون في الدوري الألماني، الذي يُعدّ أيضاً مصدر جذب للمدربين بفضل الإثارة والندية والمنافسة الحادة التي يتّسم بها. وعلاوة على ذلك فان مدربي البوندسليغا يعملون في ألمانيا في ظل ظروف مثالية وأجواء خالية من الفضائح المتعلقة بكرة القدم ويحصلون على مستحقاتهم المالية في الوقت المحدد . كما أن هناك أسباب أخرى بسيطة تحول أحياناً دون انتقال أبرز المدربين الألمان إلى الخارج، كأسباب عائلية أو أخرى تتعلق بالعمر وما إلى ذلك.
المدربون الألمان يتمتعون بسمعة طيبة عالميا
أما المدربون الألمان الآخرون الذين يجرؤون على الانتقال إلى الخارج، فغالباً ما يمارسون مهامهم في دوريات أقل مستوى، نظراً لحدة المنافسة بين مدربي دوري البوندسليغا وللكم الهائل من المدربين الألمان. وهذا ما يدفع أيضاً الكثير من الأندية العالمية إلى اجتذاب المدربين الألمان الذين يتمتعون بسمعة طيبة عبر العالم.
هذه السمعة الطيبة تعود أيضاً إلى المكانة العالمية التي يحتلها المنتخب الألماني وظهوره على الساحة الدولية. ففي الماضي كان يُقال إن أكثر ما يمتاز به المنتخب الألماني هي الروح القتالية والانضباط واللياقة العالية والقوة البدنية. أما الآن فالوضع أصبح مختلفا، فالمنتخب الألماني بقيادة مدربه يواخيم لوف يلعب كرة جميلة وسريعة ومثيرة ولا يعتمد بالدرجة الأولى على القوة البدنية، بل على خطط واستراتيجيات تزيد أداءه إثارة.
وما من شكّ في أن النجاح الذي حققه لوف عزّز من سمعة المدربين الألمان وشهرتهم عبر العالم. وما يزيد من شعبية المدربين الألمان أيضاً هي المؤهلات الكبيرة التي يتمتعون بها بفضل مدارس تأهيل المدربين الألمان التي تحظى بإعجاب دولي كبير.
علاء الدين موسى البوريني
مراجعة: لؤي المدهون