مخيمات النازحين بالعراق.. فرصة طورت مهارات النساء الإيزيديات
١٦ يونيو ٢٠٢١لم تكن هناك صالة رياضية أو منشأة رياضية من أي نوع خاصة بالفتيات في قرية حسناء القريبة من سنجار، حتى قبل أن تهاجم داعش المنطقة وقبل أن تدمر الحرب المدن والقرى.
خلال الأشهر الماضية، قررت السلطات العراقية إعادة النازحين الإيزيديين إلى مناطقهم في شمال غرب العراق. مع عودة الإيزيديين إلى سنجار لإعادة بناء حياتهم من الصفر، افتتحت حسناء البالغة من العمر 21 عامًا صالة الألعاب الرياضية الخاصة بها في بلدتها، بعدما حولت غرفة فارغة إلى صالة رياضية خاصة بتعليم الملاكمة.
حسناء واحدة من بين 1,5 مليون عراقي أجبروا على الفرار من بيوتهم، بعد اجتياح داعش للعراق في 2014 والقصف والغارات التي أعقبت ذلك. "كل ما أتذكره هو أنه في صباح أحد الأيام اضطررنا إلى ترك كل شيء وراءنا، ركبنا السيارة وهربنا نحو الجبال. كان تنظيم داعش يقترب من سنجار. لو بقينا، لقتلنا مثل الآخرين"، تحكي حسناء.
كان الإيزيديون هدفا لعدوان داعش، عانى الكثير منهم من رعبا كبيرا أثناء هروبوهم، وشهدوا خلاله مقتل أفراد عائلاتهم أو اختطافهم.
منذ عام 2014، وصل عدد كبير من النازحين الإيزيديين إلى مخيمات عبر كردستان العراق. عادة ما تقع المخيمات، التي يستضيف كل منها عشرات الآلاف من النازحين، على بعد كيلومترات من المدن، وهي مواقع معزولة عن البلاد، فيها اضطرت العائلات النازحة للعيش في منازل صغيرة لسنوات.
ظروف لم تمنع بعض اللاجئات من العمل على تحسين حياتهن وتطوير مهاراتهن. وشهدت مخيمات النازحين في شمال غرب العراق، التي تسيرها الحكومة الإقليمية الكردية، على قصص نجاح نساء تركن المخيمات في وضع أفضل مما كن عليه عند وصولهن.
بطلات الملاكمة في مخيم روانجا
حسناء كانت واحدة من هؤلاء النساء، تعلمت الملاكمة أثناء إقامتها في مخيم للنازحين "روانجا". طيلة سبع سنوات، أي خلال فترة المراهقة. في عام 2018، اشتركت حسناء في مشروع Boxing Sisters، وهي فكرة منظمة غير حكومية "زهور اللوتس" كان الغرض منها تحسين الصحة العقلية والبدنية للاجئات.
تقول حسناء "ذهبت إلى الجلسة الأولى ووقعت على الفور في حب هذه الرياضة". اتفق جميع المدربين، بمن فيهم كاثي براون، الملاكمة البريطانية الذي زارت المخيم، على أن لدى حسناء موهبة كبيرة. اليوم، أصبحت حسناء مدربة ملاكمة مشهورة، ليس فقط بين جيرانها وأصدقائها في مخيم روانجا، ولكن أيضًا بين نساء المعسكرات الأخرى، اللواتي يشاركن في دوراتها.
تدعم منظمة "زهور اللوتس" حسناء لزيارة مخيمات النازحين الأخرى بانتظام وتدريب النساء والفتيات، حتى بعد عودتها إلى سنجار. تقول حسناء إن الملاكمة جعلت لحياتها هدفاً. تقول "لولا دورات الملاكمة، لما كنت أعرف ماذا أفعل بعد العودة إلى سنجار. لا يوجد هنا شيء مفيد يمكن القيام به، لا وظائف أو جامعات أستطيع تحمل نفقاتها".
قصص نجاح معسكر روانجا
في مخيم روانجا، لم تكن دورات الملاكمة هي برنامج التدريب الوحيد المبرمج للنساء اللاجئات، بل قدمت المنظمات غير الحكومية مثل "زهور اللوتس" الكثير من الأنشطة التعليمية، كان هدفها تثقيف النساء ودعمهن لتمكينهن من الاستقلال. تقول فيان أحمد، المديرة الإقليمية لمنظمة "زهور اللوتس": "كانت جميعها برامج ناجحة لأن النساء رحبن بها وقدّرنها وشاركن فيها بحماس".
بفضل التدريب المهني المقدم في المخيمات، تعلمت عشرات النساء كيف يبدأن أعمالهن التجارية الصغيرة. ليلى، امرأة إيزيدية تبلغ من العمر 37 عامًا، تعلمت الخياطة خلال دورات منظمة "زهور اللوتس". افتتحت الآن متجر خياطة صغير خاص، بعد أن عادت إلى مسقط رأسها.
"إنه أمر غريب، لكن العيش في المخيم أتاح للنساء فرصًا لم تكن لتتاح لهن في القرى"، تقول فيان أحمد. حتى قبل حصار داعش، كانت البنية التحتية للعراق متوترة بسبب سنوات من الحرب وعدم الاستقرار. في المناطق الريفية، لم يكن لدى معظم النساء فرصة للدارسة أو تعلم مهنة. "لطالما كانت دوراتنا في المخيمات مكتظة، ووصل عدد المستفيدات إلى أكثر من مائة امرأة تعلمت القراءة والكتابة"، تقول المديرة الإقليمية للمنظمة.
نينا، كانت واحدة من بين النساء التي لم تكن تفوت أي حصة من فصول محو الأمية. ساعدتها منظمة "زهور اللوتس" على افتتاح متجر بقالة صغير في مخيم إيسيان. يمكن لنينا الآن إعالة أسرتها ورعاية زوجها المعاق.
فرص حياة أخرى
إن الفرص التعليمية التي قدمها الأخصائيون الاجتماعيون للنساء النازحات في جميع أنحاء كردستان العراق تتجاوز التدريب المهني. فقد برمجت منظمة "زهور اللوتس" جلسات علمت خلالها النساء المزيد عن أجسادهن وطرق منع الحمل وكيفية الاعتناء بأنفسهن، كما تمت توعيتهن بأهمية المساواة بين الجنسين.
لاحظت فيان أحمد العديد من التغييرات "أكثر بكثير مما توقعناه جميعًا". فقد كان الإبلاغ عن العنف الأسري من المحرمات في المخيم. بعد السنتين الثانية والثالثة من العمل في المخيمات، تقول فيان إنها فوجئت بعدد أكبر من النساء يبلغن عن تعرضهن للتعنيف. "عندما وجدت النساء مجتمعًا داعمًا خارج أسرهن، بدأت مخاوفهن تتلاشى. لم يكن هذا ممكناً في حياتهن من قبل".
لا تعرف فيان ما إذا كانت هذه التغييرات ستستمر عندما تعود جميع النساء النازحات إلى مدنهن وقراهن. وأشارت إلى أن العديد منهن يترددن من فكرة المغادرة، لأنهن سيفقدن المساحة الآمنة التي وفرت لهن هنا.
منير غائدي/ م.ب