محمد البلخي...عندما تكون الإعاقة حافزا على الإبداع!
٣٠ أغسطس ٢٠١٧بابتسامةٍ مليئةٍ بالأمل والتفاؤل استقبَلَنا محمّد البلخيّ في المحطّة الرئيسيّة للقطارات في مدينة كريفلد الألمانية التي يقيم فيها منذ حوالي سنة ونصف. الشاب السوري الذي ينحدر من مدينة بصرى الشام تحدّى إعاقته مرتين، مرّة بدراسة فرع علميّ يتصوّر الناس أنّه من الصّعب على المرء أن يمارسه بدون يَدين، ومرة باختيار مهنةٍ لا يتصوّر المرءُ أنّ شخصاً قد يُفلح فيها بدون أنامل ذهبية.
إلا أن إرادة البلخي جعلت ذراعيه أصابع ذهبية يقوم بهما بمونتاج الأفلام والتقارير، بل أنه أصبح أحد مسؤولي قسم المونتاج في قناة الإخبارية السورية، قبل أن يضطرّ للخروج منها لأسباب سياسية. ورغم أن النظام السوري كان قد جعل البلخي واجهةً لإظهار اهتمامه بذوي الاحتياجات الخاصة وقام التلفزيون السوري بإظهاره في عدة تقارير، إلا أن اللاجئ الذي بلغ أواخر العشرينات من عمره يؤكّد أنّ حُبّه للوطن لا يُقارن بالمنفعة المادية.
لا لليأس، لا للإحباط
النقطة الفاصلة في حياة البلخي كانت تعرضه لحادث مروري عندما كان في الثانية عشرة من عمره، والذي أجبر الأطباء على بتر يده اليمنى والجزء السفلي من ذراعه اليسرى. يقول الشاب الذي يبلغ الثامنة والعشرين من العمر لـ DW عربية: "عندما فتحت عَينيّ لأرى أنني بدون يّدين، لم أُصَب بالإحباط أبداً، لأنني كُنت أُدرك أنّ الحياة مستمرة رغم كلّ شيء".
لم تمنع الإعاقة البلخي من مواصلة حياته الطبيعية، فدرسَ هندسة الحواسيب في جامعة دمشق، ورغم أنه كان على وشك التخرج وقدّم مشروع تخرّجه، إلا أن قراراً من وزارة التعليم العالي في سوريا حرمه من الحصول على شهادته الجامعية.
يقول البلخي بنظراتِ استياء: "رغم درجاتي العالية في الجامعة إلا أنّ قراراً جديداً حينئذ يقضي بمنع تخرّج المعاقين من الكليات العلمية في سوريا جعلني لا أحصل على شهادتي".
إلا أن الحظ ابتسم له مرة أخرى لتقوم الجامعة نفسها بتعيينه في الطاقم التدريسي لها كمُدرّس تقنيّ في كلية الإعلام في جامعة دمشق وذلك قبل بداية الثورة السورية التي تأزمت فيما بعد.
مطلوبٌ سياسيّ بسبب مساعداتٍ إنسانيّة
بعد أن كان يعمل في المعاقل الإعلامية للنظام السوري حيث عمل في قنوات الدنيا والإخبارية السورية، اضطرّ البلخي أن يخرجَ من سوريا بعد أن قام بعضُ رفاقه برفع تقرير للجهات الأمنية تؤكّد أنّ البلخيّ قام بإدخال مساعدات إنسانية لبعض المناطق المحاصرة في دمشق.
يقول البلخي:"كلّ ما قمتُ بإرساله كانت مساعدات غذائية لعائلة أحد أصدقائي الذي كان ضمن المحاصرين المدنيين في مخيم اليرموك أثناء الحصار المفروض عليه". فقام البلخي "بشراء سلامته" من خلال دفع بعض النقود لـ"سمسار أمني" لدى النظام السوري ليخرج بسلام إلى بيروت فتركيا ومنها إلى ألمانيا عبر طريق البلقان وذلك قبل بدء الهجرة "المليونية" للاجئين بشهرين.
البيرقراطية حتى لذوي الاحتياجات الخاصة
يعيش محمد وحيداً في مدينة كريفيلد الألمانية بعد أن قضى سنة في إحدى البلدات التابعة لولاية بفاريا جنوب شرقي ألمانيا، ويعتمد على نفسه في إنجاز مهام حياته اليومية.
يقول البلخي وابتسامة الرضى ترتسم على ثغره: "منذ صغري وأنا أحبّ الطبخ وأستمتعُ بإعداد الأطباق بنفسي".
إلا أنّ اللاجئ ذي الاحتياجات الخاصة يشكو من أنه يعاني من المشاكل البيرقراطية في ألمانيا ويتابع "منذ قدومي منذ حوالي سنتين ونصف وأنا أحاول الحصول على ما يسمى بالمساعدات الاجتماعية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنني لم أستطع ذلك حتى الآن، ولا أعرف السبب وراء ذلك".
العمل هو بداية طريق تحقيق الذات
يقضي البلخي معظم أوقاته على الحاسوب، فما عدا المونتاج فهو في بحثٍ دائمٍ عن عملٍ من أجل أن يعتمد على نفسه ولا يكتفي بالخدمات التي يقدمها له مكتب العمل. وقد سبقَ للبلخيّ أن حصل على فرصتين للتدريب إحداها كمحرّر للفيديو في إحدى التلفزيونات المحلية في ولاية بفاريا، والثانية في شركةٍ للإنتاج الفني في مدينة كولونيا كما أنه عمل مخرجاً مساعداً في الفيلم الألماني "احتفال الصيف".
خبرة وطموح
السيرة الذاتية لمحمد البلخي مليئةٌ بالعديد من الأعمال الفنية التي قام بها في سوريا ومنها مونتاج الجزء السابع من المسلسل السوري الشهير "بقعة ضوء" بالإضافة إلى المشاركة في العمليات الفنية لمسلسل "القعقاع بن عمرو التميمي".
وعن الصعوبات التي تعترضه أثناء بحثه عن العمل هنا في ألمانيا يقول اللاجئ الشاب أن الشركات تبدي موافقتها على منحه العمل بعد أن تجري له العديد من الاختبارات، ولكنها تتراجع أو "تتهرب" من الاتصال به فيما بعد. يقول البلخي:" أعتقد أن السبب هو نظرتهم لإعاقتي. هذه الإعاقة ليست مشكلة بالنسبة لي، لكن طريقة تفكيرهم حول هذه الإعاقة وتعاملهم مع ذوي الاحتياجات الخاصة هي المشكلة".
وعن طموحه يقول البلخي: "أتيت لألمانيا من أجل أن أحقق ذاتي، ومن هنا لعشر سنوات أطمح أن أصبح صاحب شركة إنتاج فني".
محي الدين حسين