محطات في حياة "بابا الأدب" الألماني رايش رانيسكي
١٩ سبتمبر ٢٠١٣عُرف رايش رانيسكي بلقب "بابا الأدب". بيد أن الناقد الكبير كان يرفض هذا اللقب لما يحمله من دلالات العصمة والقداسة. كان يقول إنه يخطئ كغيره، لكن من يعرفه، يدرك أنه كان يمثل مؤسسة في شخص. ولد الناقد الأدبي الشهير مارسيل رايش رانيسكي في حزيران/ يونيو 1920 في بولندا. كان والده صاحب مصنع، لكنه أشهر إفلاسه ليهاجر رفقة زوجته وأطفاله إلى برلين.
وفي المدرسة واجه الطفل مارسيل مشاكل جمة، لأنه "كان مهمشا، إذ لم يكن يجيد اللغة الألمانية". ويستحضر "بابا الأدب" بعضا من ذكريات الطفولة بالقول "لم يكن لدي وطن. كان الأدب هو موطني الوحيد في الثلاثينات (من القرن الماضي) في الرايخ الثالث، فقد مكثت في برلين إلى عام 1938".
وبعد إنهاء المدرسة الثانوية، كان مارسيل رايش رانيسكي يود دراسة الأدب الألماني في الجامعة. لكن وبسبب أصوله اليهودية، زجّ به النازيون في معسكر فارشاو، في ما قتل والداه وأخاه على يد النازيين. وداخل المعسكر تعرف على زوجته تيوفيلا التي فارقت الحياة قبله بسنتين. تزوج الاثنان، ودامت العلاقة أزيد من خمسين عاما. ويسرد رانيسكي وقائع تلك الفترة قائلا: "لقد تعرفت هناك على أناس، تعاملوا معي بمنتهى الروعة. وقد قام رجل بولندي وزوجته من إنقاذ حياتي وحياة زوجتي".
وبعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا بين عامي 1948/ 1949 عين بابا الأدب قنصلا في القنصلية العامة لبولندا في لندن. وإثر عودته إلى بولندا تم طرده من الحزب الشيوعي، الذي كان ينتمي إليه ليس من باب القناعة بل مجاملة لأعضائه.
وفي تلك الفترة، اتجه تماما للأدب، واشتهر في بلده الأصلي بولندا كناقد أدبي مقتدر، اختصاصه الأدب الألماني. وبعد أن عاد مجددا إلى ألمانيا عام 1958 لدراسة الأدب، لم يتركها أبدا، وعمل فيها كما في بولندا "في مجال الأدب، الأدب الألماني" كما يقول.
عشق للأدب الكلاسيكي
كان يعشق الأدب الألماني، وقد ألف العديد من الكتب حوله. ومن الأدباء الذين كان يهتم بهم كثيرا غوته وهاينرش هاينه وفيلهالم فون كلايست وتوماس مان. إلى جانب ذلك، كان يتابع أعمال الأدباء المعاصرين من خلال عموده في صحيفتي "دي تسايت" الأسبوعية و"فراكفورتر ألغماينر" الواسعة الانتشار.
لقد تحول مارسيل رايش رانيسكي إلى مؤسسة نقدية، تراقب الساحة الأدبية بدقة، وتطلق أحكاما حماسية وأخرى لاذعة بحق هذا العمل أو ذاك. ولهذا كان الرجل محبوبا ومهابا من الجميع حتى وإن تعلق الأمر بأسماء كبيرة من حجم غونتر غراس أو مارتين فالسر.
وفي هذا الإطار أثارت مقالته التي نشرها في مجلة "دير شبيغل" الألمانية حول رواية غونتر غراس "حقل واسع" جدلا واسعا في الأوساط الأدبية، والشيء ذاته بالنسبة لرواية مارتن فاسر "نهاية ناقد أدبي"، الذي اعتبر "تصفية حساب" من قبل الكاتب مع رايش رانيسكي نفسه.
"الرباعي الأدبي"
وكان البرنامج التلفزيوني الحواري الذي كان يبث في القناة الثانية في التلفزة الألمانية (ZDF)، بعنوان "الرباعي الأدبي"، أهم منبر حقق من خلال شعبية منقطعة النظير. فقد قدم الأدب للمشاهد في قالب صاخب ومشوق في آن، فالرجل كان يعشق النقاش الحاد.
بيد أن علاقته بالتلفزيون كانت علاقة شائكة ومعقدة. فقد ساعدته تلك الوسيلة الإعلامية على الشهرة، ورغم ذلك رفض استلام جائزة التلفزيون الألماني لعام 2008، معللا موقفه، "بأن مستوى التلفزيون الألماني في الحضيض". وهذا ما دفع عددا من منتقديه وعلى رأسهم غونتر غراس إلى القول "لولا التلفزيون، لما نال الأخير كل تلك الشهرة".
سيرته الذاتية "حياتي" التي نشرها عام 1999، حققت مبيعات كبيرة وقد دون فيها كما صرح بابا الأدب: "كتبت كتابا عن حياتي، أي ببساطة ما عشته وعانيت منه". وقد تمّ تحيل الكتاب إلى فيلم، لعب فيه الممثل الألماني ماتياس شفايغهوفر دور البطولة. وعنه قال بابا الأدب: "ما حققه الكتاب من نجاح، كان مفاجأة بالنسبة لي".