محاربة التطرف في موريتانيا بين الحلول الأمنية والحوار
١٣ يناير ٢٠١٠تحولت موريتانيا تدريجيا في السنوات الأخيرة إلى بؤرة ساخنة للنشاط الإرهابي في منطقتي المغرب العربي والساحل الإفريقي، خصوصا بعدما زاد نشاط تنظيم ما يسمى "بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والذي كان يعرف سابقا باسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، ليشمل موريتانيا بالتحديد. وزاد الخطر الإرهابي بشكل ملفت خلال عام 2009 الذي شهد اغتيال عدد من الرعايا الغربيين، كما عرف هجوما نوعيا على السفارة الفرنسية في قلب العاصمة نواكشوط. وتحتجز الجماعات المتطرفة حاليا ستة أوروبيين منهم فرنسي خطف في مالي، وثلاثة اسبان يعملون في المجال الإنساني إضافة إلى سائحين ايطاليين.
وفي هذا السياق احتضنت العاصمة الموريتانية ندوة وطنية (الخامس من يناير/كانون الثاني 2009) بمشاركة أبرز الشخصيات الدينية والفكرية في البلاد، إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني والسلطات الموريتانية. ونظمت هذه الندوة تحت عنوان "مخاطر الغلو والتطرف الديني على حياة المجتمع الإسلامي". ولعل أبرز المحاور التي بحثتها الندوة هي إشكالية تنامي التطرف الديني في موريتانيا وسبل محاربته امنيا، سياسيا وعقائديا.
هبة موريتانية لمحاربة "الغلو الديني"
ولطالما تجاهل الرأي العام الموريتاني أي حديث نقدي عن الإرهاب، إما بدعوى "الاستلاب و موالاة الغرب"، أو بدعوى "حصانة المجتمع الموريتاني ضد التطرف". إلا أن توالي العمليات الإرهابية أجبرت الموريتانيين على مواجهة الواقع كما هو، وليس كما يتمونه أن يكون. وتشكل هذه الندوة مؤشرا على التحول الذي بدأت تعرفه موريتانيا بهذا الصدد.
وفي حديث لدويتشه فيله، شكك الصحافي والباحث الموريتاني في شؤون الجماعات المتطرفة إسلمو ولد المصطفى في الأطروحة السائدة لدى النخب الموريتانية، والتي تفيد بأن الوسطية التي تميز تدين المجتمع الموريتاني تعطيه مناعة طبيعية لمقاومة الغلو والتطرف. ويضيف بهذا الصدد "مجتمعنا ليس محصنا، لأنه مجتمع تسوده البطالة والفقر والجهل، حتى الجهل بأحكام الدين".
ومن مؤشرات اختراق إيديولوجية التطرف للمجتمع، عدد المعتقلين "السلفيين الجهاديين" والذي يقدر عددهم بسبعين سجينا، وهو عدد ضخم بالمقاييس الموريتانية، إذ لم يسبق في الماضي لحزب أو حركة سياسية وأن أعتقل منه هذا العدد من الأشخاص. وهذا ما يؤكد التنامي المقلق لظاهرة التطرف، مما يستدعي وضع استراتجيات متعددة الأبعاد لمواجهتها حسب المراقبين.
من ناحيتها دعت وزارة الشؤون الموريتانية أئمة المساجد ورابطات العلماء والأئمة الموريتانيين إلى تحرك جماعي ضد الخطر الإرهابي. ويذكر أن شخصيات دينية بارزة من مختلف التيارات التقليدية والسلفية شاركت في حملات إعلامية كان عنوانها أن الظاهرة الإرهابية "غريبة على المجتمع الموريتاني"، وأنها "لا توافق أحكام الشريعة الإسلامية". إلا أن بعض المراقبين يشككون في أن تكون هذه التعبئة كافية لوحدها لاجتثاث ظاهرة يبدو أنها تغري المزيد من الشباب الموريتاني.
فتح باب الحوار مع المتشددين
ودعت الندوة أيضا إلى اعتماد إستراتجية لنشر إسلام وسطي ومعتدل، إلا أن ما لفت الانتباه هو توصية دعت إلى فتح باب الحوار مع المتشددين و"قبول توبة التائبين منهم"، واستمالة المتعاطفين معهم. ويعتبر هذا التوجه جديدا في موريتانيا التي اعتمدت لحد الآن مقاربة أمنية محضة لمعالجة ظاهرة الإرهاب. إلا أن إسلمو ولد المصطفى يدعو إلى التفكير بعمق في آليات هذا الحوار والفئات التي يستهدفها.
وأضاف في هذا السياق أن الذين أقدموا على العنف ولطخوا أيديهم بالدماء يجب أن يحاكموا أولا على ما اقترفوه قبل أن يستفيدوا من الحوار. وهناك فئة تعتنق فكرا متطرفا لكنها غير متورطة في عمليات إرهابية، وفئة أخرى ربما اكتفت بتقديم دعم وإسناد للجماعات الإرهابية يتعين استمالتها وإخراجها من دوامة التطرف.
من جهة أخرى يحذر ولد المصطفى من سذاجة الاعتقاد بأن هذا الجهد كافي لوحده لوضع حد لظاهرة الإرهاب، ويضيف بهذا الصدد "أعتقد بأن الحلين الفقهي والسياسي يجب أن يتزامنا مع العصا، أي الحل العسكري والأمني"، في إشارة إلى إبقاء كل الخيارات مفتوحة في معركة متعددة الجبهات، خصوصا وأن الخبراء العسكريين يعتبرون موريتانيا الحلقة الأضعف أمنيا في منطقة المغرب العربي ويخشون من تفاقم نشاط تنظيم القاعدة التي تسعى إلى تحويل هذا البلد إلى قاعدة خلفية جديدة.
الكاتب: حسن زنيند
مراجعة: طارق أنكاي