مجلس التعاون الخليجي .. مشروع أراد أن يخطو قبل أن يحبو
١ يونيو ٢٠٠٦
استطاعت دول الخليج العربي في بداية الثمانينيات أن تحقق نقلة سياسية نوعية تهدف إلى تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية بين دول منطقة الخليج العربي. إذ أن التطورات الإقليمية التي عرفتها المنطقة في تلك الفترة وكان أبرزها الثورة الإيرانية دفعت هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات ألزمتها إعادة ترتيب حساباتها الاستراتيجية والأمنية. وفي هذا السياق يشير المحلل الاقتصادي السعودي إحسان بوحليقة إلى أن مجلس التعاون الخليجي المكون من السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين استطاع رفع سقف الطموحات السياسية والاقتصادية لهذه البلدان، معلنا تأسيس المجلس في 25 أيار/مايو 1981 في أبو ظبي. وتُرجمت رغبة تلك الدول في تعميق التعاون المتعدد الأطراف فيما بينها بإبرام الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحدة عام 1981 و"التي كانت طموحاتها عالية جدا،" بحسب رأي الخبير. ونصت بنود تلك الاتفاقية على توحيد السياسات الاقتصادية وقيام اتحاد جمركي في غضون أربع سنوات. غير أن القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في كانون الأول/ديسمبر الماضي في أبو ظبي قررت تمديد الفترة الانتقالية للاتحاد الجمركي. إلى ذلك، أضاف بوحليقة في تصريحات صحفية أن النوايا الحسنة "لا تخلق كيانات مندمجة. وإذا سألنا هل كانت دول مجلس التعاون جادة في إقامة كيان اقتصادي واحد فان إجابتي هي لا." وعزا بوحليفة فشل دول مجلس التعاون الخليجي في تفعيل الاتفاقيات المبرمة وترجمتها إلى واقع، عزاه إلى القول المأثور "النوايا شيء والممارسة شيء آخر." واستطرد الخبير بالقول إنه من "المفروض أن تكوّن هذه الدول اقتصادا موحدا، ولكن بعد ربع قرن ما زالت سياسات النفط منفصلة والسياسات النقدية والمالية ليست موحدة."
لقاءت كثيرة ونتائج بسيطة
وعلى الصعيد العملي، قام مجلس التعاون الخليج بتنظيم العديد من اللقاءات التي شارك فيها قادة الدول الأعضاء. وساهمت هذه اللقاءات في خلق جو من الثقة وتحقيق بعض التقارب في وجهات النظر. لكن عقد القمم حال دون إمكانية التوصل إلى تهيئة برامج سياسية واقتصادية ومالية مشتركة وبقي مشروع العملة الموحدة حبرا على ورق. هذا ما دعا بوحليقة، وهو أيضا عضو في مجلس الشورى السعودي إلى حث دول مجلس التعاون الخليجي على الالتزام بـ "الجدية والمصارحة والشفافية" وإلى "تقييم وتحديد ما يمكن إنجازه والاتفاق على طموحات تتناسب مع القدرات والرغبة والإرادة." من جهته أقر يعقوب حياتي وهو نائب كويتي سابق وعضو الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون الخليجي، أقر في تصريحات صحفية بأن الانجازات الاقتصادية التي تم تحقيقها حتى الآن "لم ينتفع منها المواطن الخليجي في حياته اليومية بشكل ملموس، في حين بدأت شركات القطاع الخاص الربحية تجني بعض ثمار تلك الجهود." ويرى حياتي أنه لا يمكن إحراز تقدم بعصا سحرية. كما دعا إلى التحلي بالصبر لأن مسيرة الاندماج الاقتصادي طويلة. ويؤيد المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله الخبير الكويتي في رأيه، معتبرا أن قيام المجلس واكبه إفراط في الحماس الاندماجي ينبغي مراجعته. كما أشار الإماراتي إلى أن استمرار قيام مجلس التعاون وانتظام قممه السنوية "يعد أمرا مهما ومدهشا خاصة في السياق العربي." غير أنه أشار إلى ضرورة تفعيل الاتفاقيات لإحراز مزيد من التقدم في المشروع الخليجي. وقال:" لكن المجلس لم يقم لمجرد أن يستمر، بل لكي يتطور ويحقق أهدافه في الاندماج الاقتصادي والأمني والسياسي." بالإضافة إلى ذلك، دعا عبد الخالق دول المجلس إلى ضرورة تقديم المصلحة الجماعية على المصالح الوطنية، معتبرا أن التعاون في حد ذاته أمر صعب ويصطدم بعوائق كثيرة وفي حاجة إلى تأن وصبر. من جهة أخرى، يقر القادة الخليجيون بمحدودية ما حققه المجلس. وأكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لدى افتتاحه القمة الخليجية العادية الأخيرة "أن ما تحقق من إنجازات لا يصل إلى طموحاتنا وتوقعات شعوبنا التي تطالب بترسيخ الخطى واختصار الزمن للوصول إلى الأهداف السامية" التي وضعت أثناء تأسيس المجلس.
غياب استراتيجية واضحة المعالم للدفاع المشترك
وعلى الصعيد العسكري، لم يتمكن المجلس من حماية أعضائه خصوصا أثناء احتلال النظام العراقي السابق الكويت، وذلك رغم أن المجلس نشأ أساسا لأسباب أمنية بعد الثورة الإيرانية (1979) وبعد اندلاع الحرب العراقية ـ والإيرانية (1980-1988). وكان لافتا للنظر ما أعلنه ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز في كانون الأول / ديسمبر الماضي من تفاصيل لمقترح سعودي بتفكيك قوات "درع الجزيرة" المشتركة التابعة للمجلس بعد 20 عاما من إنشائها. وقضى المقترح السعودي الذي كان محل إشادة القمة الخليجية بأن تشرف كل دولة على وحداتها المخصصة لقوات "درع الجزيرة" التي يمكن استدعاءها متى اقتضت الضرورة. ويأتي هذا الاقتراح السعودي مخالفا للرغبة التي أبدتها الدول الأعضاء في السنوات الأخيرة في تعزيز قدرات تلك الوحدات الخاصة ورفع عدد أفرادها من خمسة آلاف إلى 22000 جندي. ويذكر أن تلك القوات أسست عام 1986 وتتمركز في حفر الباطن شمال شرق السعودية.
من ناحية أخرى، قال مسؤول خليجي طلب عدم كشف هويته لوكالة فرانس برس إن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي "تعاني من بيروقراطية وضعف في قدرتها على تنفيذ القرارات التي يتخذها القادة والمسؤولون رغم أن ميزانيتها تصل إلى حوالي 147 مليون ريال (حوالي 40 مليون دولار) وهي ما تزال غير قادرة على القيام بمبادرات." كما أشار المسؤول إلى وجود مشاكل في تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية التي تؤثر على " تبادل السلع بين الدول الأعضاء وهو الامر الذي لم تتمكن الأمانة العامة من التدخل لحله،"على حد قوله. إلى ذلك، أشار المسؤول إلى فشل تشكيل قوة عسكرية موحدة، ناهيك عن تأخر بعض الدول في التصديق على الاتفاقيات المبرمة. فبعض دول الجلس لم تصادق حتى الآن على اتفاقية مكافحة الإرهاب.