ما سر سعي تركيا للتقارب مع منافسيها في الشرق الأوسط؟
٣ ديسمبر ٢٠٢١هناك حاجة ماسة للمحادثات بين تركيا والإمارات، فبعد أيام قليلة من زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان لأنقرة الأسبوع الماضي، واصل محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وذكرت صحيفة ديلي صباح التركية أن الزعيمين ناقشا خطوات لتحسين العلاقات بين بلديهما.
ووقع الزعيمان الأسبوع الماضي عدة خطابات نوايا للاستثمارات في مجالات الطاقة والتمويل والصحة. في الوقت نفسه، ووفقاً لتقارير صحفية، أصبح معروفاً أن الإمارات العربية المتحدة قد أنشأت صندوقاً بقيمة عشرة مليارات دولار (8,38 مليار يورو) لدعم الاستثمارات في تركيا المضطربة اقتصادياً.
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، عزلت تركيا نفسها في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، كما يقول كريستيان براكيل، مدير مكتب اسطنبول لمؤسسة هاينريش بول الألمانية. وعلى وجه الخصوص بعد 2011، عام "الربيع العربي"، وكانت تعتبر تركيا، إلى جانب المملكة العربية السعودية، إحدى القوى المركزية في المنطقة. وذلك استنادا إلى دعم تركيا المتفاني للحركات الدينية ذات الأهداف الاجتماعية الثورية مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر. "ولكن بعد ذلك كانت هناك نهضة سلطوية تم خلالها كبح العديد من الثوار المدعومين من تركيا، الذين غالباً ما كانوا ناشطين إسلاميين". وقد أجبر ذلك أنقرة على التوصل إلى تفاهم مع الأنظمة المحافظة، على سبيل المثال في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية.
أمل في إقامة علاقات أفضل
يتزامن الحوار التركي الإماراتي مع فترة تقارب عام في الشرق الأوسط، حسبما كتبت في تعليقها صحيفة ديلي صباح التركية المقربة من الحكومة. وصحيح أنه من غير الواقعي توقع حل الدولتين لجميع خلافاتهما على الفور، لكن الصحيفة التركية قالت إن المصالح الاقتصادية المشتركة قد تشجع المفاوضات بشأن الأزمات الإقليمية، وتضيف في تعليقها: "يتناول هذا الفصل الجديد المنافسة المتزامنة والتعاون بين تركيا والإمارات في مناطق مثل شرق البحر الأبيض المتوسط واليونان وليبيا والقرن الأفريقي". وسيؤدي هذا التطور حتماً إلى نوع جديد من العلاقة.
خلفيات معقدة
وما جمع الإمارات وتركيا سوية هو خيبة الأمل العسكرية لهما في السنوات الأخيرة. ويقول أستاذ العلوم السياسية حقي تاش من معهد لايبنيتس للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA) في هامبورغ: "أظهر الطرفان أنهما على قدر كبير من الثقة بالنفس عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية". ويضيف: "في عدة نزاعات، من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، وقفا على طرفي نقيض. لن يتم حل هذه النزاعات في المستقبل المنظور. ومع ذلك، فإن العبء السياسي والاقتصادي المتسببان به يتزايد باطراد".
بالإضافة إلى ذلك، وبحسب تاش، ردت الإمارات على الانسحاب الأمريكي من المنطقة بالاقتراب من تركيا. تماماً مثل المملكة العربية السعودية، أرادت الإمارات ملء فراغ السلطة بحلفاء جدد. وأحد الشركاء المحتملين هي تركيا أيضاً.
محادثات مع إسرائيل
لكن تركيا لا تريد إقامة علاقات جديدة مع الإمارات فقط، إذ أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2021) إلى إنه يريد تحسين العلاقات مع إسرائيل أيضا؛ وقال "مثلما تم اتخاذ خطوة بيننا وبين الإمارات العربية المتحدة، سنتخذ خطوات مماثلة مع الدول الأخرى". وكان البيان موجهاً بشكل خاص إلى إسرائيل ومصر. كما أجرى أردوغان محادثات مع ممثلين عن إسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت. ثم أطلقت تركيا سراح الزوجين الإسرائيليين موردي وناتالي أوكنين، وكان الاثنان قد صورا مسكناً رسمياً لأردوغان في اسطنبول، فاحتُجزا لمدة ثمانية أيام بتهمة التجسس.
بعد علاقات وثيقة طويلة الأمد بين إسرائيل وتركيا، تدهورت العلاقات بينهما في عام 2010 عندما أوقفت البحرية الإسرائيلية سفينة المساعدات التركية "مافي مرمرة" التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة المحاصر آنذاك. وقتل عشرة نشطاء على متن السفينة خلال العملية. ثم سحب كلا البلدين مبعوثيهما الدبلوماسيين.
وبغض النظر عن العلاقات السياسية المتجمدة، نما التبادل الاقتصادي بين البلدين بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، كما يقول كريستيان براكيل. من ناحية أخرى، تريد تركيا تقليل اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا. بالإضافة إلى ذلك، يرى المرء في أنقرة إسرائيل كدولة أساسية في الصراع على احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط. ففي هذا النزاع، تواجه تركيا المصالح المشتركة لليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، تدرك تركيا ضرورة إصلاح العلاقات مع إسرائيل أولاً من أجل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، كما يقول حقي تاش، ويضيف: "في الوقت الذي يتم فيه في وسائل الإعلام الغربية تداول سيناريوهات الفترة التي ستعقب أردوغان، يبدو أنه يريد التركيز على تخفيف حدة التوتر في العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك مع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط".
زيارة للقاهرة
تحاول تركيا أيضاً تحسين العلاقات مع مصر. وكان وفد تركي رفيع المستوى قد وصل بالفعل إلى القاهرة لإجراء محادثات في أيار/ مايو من هذا العام. منذ ذلك الحين، ظل الجانبان في حوار مستمر مع بعضهما البعض.
وكانت العلاقات بين البلدين "شديدة البرودة" على مر السنين الماضية. وبدأ الاستياء في عام 2013 عندما أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي، الذي جاء من صفوف الإخوان المسلمين. كان مرسي مدعوماً من أردوغان. وحزب أردوغان، العدالة والتنمية مقرب سياسياً من جماعة الإخوان المسلمين.
لكن من وجهة نظر أنقرة، فإن القضية الرئيسية بين البلدين هي الخلاف على احتياطيات الغاز في البحر الأبيض المتوسط. يقول كريستيان براكيل: "يرتبط هذا الصراع ارتباطاً وثيقاً بانخراط أنقرة في ليبيا، حيث توجد تركيا ومصر على جانبين متعارضين". في الواقع، حاولت تركيا مراراً وتكراراً استخدام وجودها في ليبيا لوضع نفسها في موقع أفضل في نزاع الغاز، على سبيل المثال من خلال اقتراح الاتفاق على مناطق السيادة الثنائية في البحر المتوسط. ومع ذلك، فشلت هذه المقترحات.
ويقول براكيل "لكن يبدو الآن أن تركيا تريد الاقتراب من مصر". حتى الآن، لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق بشأن ليبيا. لكن هذا يمكن أن يتغير الآن". بالإضافة إلى ذلك، تعتمد مصر حالياً سياسياً بشكل كبير على المملكة العربية السعودية، كما يقول حقي تاش، ويضيف: "في ضوء اقتصادها الضعيف، يجب أن تكون مصر مهتمة جداً أيضاً بالانفتاح على تركيا". الآن يريد كلا البلدين إعادة فتح سفاراتهما. وهذا، حسب تاش، إشارة رمزية لتحسين العلاقات الثنائية. ومع ذلك، لا ينبغي للمرء توقع التطبيع الكامل بين البلدين.
كيرستن كنيب/زمن البدري