ما سبب انهيار الجيش العراقي أمام مقاتلي الدولة الإسلامية؟
١٥ يونيو ٢٠١٤بدا الجيش العراقي عاجزا عن التصدي لمقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا بـ(داعش)، بعدما سيطر الأخير في يناير/ كانون الثاني من هذا العام على الفلوجة، قبل أن يحتل الموصل بالكامل صباح الثلاثاء الماضي (10 يونيو/ حزيران 2014)، وهي ثاني أكبر المدن العراقية من حيث عدد السكان. وتشير تقارير إعلامية متطابقة إلى أن التنظيم وبعد أن واصل زحفه إلى محافظة صلاح الدين، دعا أنصاره إلى التوجه إلى بغداد. وبالرغم من محاولات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الظهور بصورة ضامن الأمن والاستقرار، إلا أنه بدا فاقد الحيلة، رهانه الوحيد الدعم من الخارج لمواجهة التنظيم.
قدر حجم الجيش العراقي خلال حقبة صدام حسين بحوالي 375 ألف شخص. ولم تستطع هذه القوات حسم الحرب العراقية الإيرانية التي استغرقت ثمانية أعوام، كما أنها لم تنجح في مقاومة القوات الأمريكية عامي 1991 و2003. لكن هذا الجيش، كان أيضا وللمفارقة قادرا على قمع المقاومة الكردية والعناصر المتمردة الأخرى في البلاد بشكل دموي. وقامت الولايات المتحدة بحل الجيش العراقي عقب سقوط نظام صدام حسين عام 2003، باعتباره أحد دعائم نظام البعث. وبين عشية وضحاها، وجد الجنود والضباط أنفسهم عاطلين عن العمل. ويوضح غونتر ماير، مدير مركز أبحاث العالم العربي في مدينة ماينز الألمانية، إلى أن هؤلاء الجنود الحاصلين على مستوى تدريب عالٍ "انتقلوا للعمل السري خلال فترة الاحتلال الأمريكي"، وقد "انضموا اليوم إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية المناهضة للحكومة العراقية".
حاول الجيش الأمريكي بناء قوات عراقية جديدة في الفترة بين عامي 2003 و2011 ، إلا أن المستشارين الأمريكيين اضطروا لمغادرة البلاد بعد أن رفضت حكومة المالكي الموافقة على تمديد مهمتهم. من المفترض أن يكون الجيش العراقي اليوم، الذي يضم نحو 270 ألف جندي ومدجج بدبابات أبرامز الأمريكية ودبابات تي – 55 السوفيتية، -حسب تقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية- قادرا من حيث العدد على هزم المقاتلين المتشددين، خاصة وأنه يتلقى الدعم من نحو 550 ألف شخص من عناصر الشرطة والقوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية. بيد أن مواجهات الأيام الأخيرة أظهرت أن التنظيم المتشدد الداعي لإسقاط حكومة بغداد، الطرف الأكثر قدرة على التقدم في ساحة المعركة، مستغلا ما استولى عليه من الأسلحة والمعدات العسكرية عند اقتحامه للموصل.
سيطرة المالكي على الجهاز الأمني
فشل القوات العراقية على الردع، أمر أرجعه تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن لغياب بنية قوية داخل الجيش وهذا يعود إلى رئيس الوزراء نوري المالكي على وجه الخصوص الذي نصب نفسه وزيرا للدفاع والداخلية وقائدا للجيش. وورد في التقرير أن "المالكي سعى بشكل مستمر لتوسيع نطاق سيطرته على الجيش وقوات الأمن العراقية". في ما يقول الخبير الألماني ماير إن المالكي "استغل مؤسسات الدولة لفرض رقابة سياسية ولممارسة القمع"، مضيفا: "أصبحت المناصب العليا تعطى لأهل الثقة وليس لأهل الكفاءة".
وتعد الطائفية من الإشكاليات الكبرى التي تعصف بالبلاد، فالسنة يشعرون بأنهم أصبحوا ضحية قمع الأغلبية الشيعية. في ما يقدم تنظيم الدولة نفسه على أنه المدافع عن أمن وسلامة الأقلية السنية ضد الأغلبية الشيعية التي بيدها السلطة. ومن ثمة يتوقع الباحث الألماني ماير مقاومة شديدة من الميلشيات الشيعية التي ستتولى مهمة الجيش النظامي في التصدي لداعش في حال اقتحم الأخير مناطقها.
انتشار الفساد
إلى جانب ذلك، يعد الفساد من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى إضعاف الجيش العراقي. ويشير تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إلى أن الجنود العراقيين كانوا في فترة تواجد المستشارين الأمريكيين في العراق، يقومون ببيع الأسلحة والمعدات العسكرية في السوق السوداء بهدف تحسين رواتبهم الضعيفة.
وسارع المالكي بطلب المساعدة من الولايات المتحدة، وتحديدا القيام "بهجمات جوية وباستخدام طائرات بدون طيار للتصدي لعناصر داعش". في المقابل، ترك الرئيس الأمريكي باراك أوباما "جميع الخيارات مفتوحة" لدعم الحكومة العراقية، بيد أن الخبير ماير يرى أن الولايات المتحدة على ثقة بأن المالكي هو المسؤول الحقيقي عما وصل إليه الأمر في المشهد العراقي، وذلك بسبب التمييز المتعمد الذي أدى إلى اشتعال الموقف بهذا الشكل.