ما جدوى فرض عقوبات أوروبية ضد تركيا؟
١٠ ديسمبر ٢٠٢٠خلال لقائهم الخميس والجمعة سيبحث زعماء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي العلاقة مع تركيا. وسيتعلق الأمر خلال اجتماعهم أيضا بفرض عقوبات ضد أنقرة. والسبب الأهم وراء ذلك هو السلوك التركي تجاه اليونان وقبرص، إذ تواصل تركيا عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في المناطق الاقتصادية البحرية التي تعلنها كلا الدولتين الأوروبيتين مجالا اقليميا لها. وسبق لوزراء الخارجية الأوروبيين ان تفاهموا في سبتمبر على قائمة عقوبات ضد تركيا. والآن يعود الأمر لزعماء الدول والحكومات لتنفيذ ما تم التفاهم عليه. حول هذا الموضوع نطرح أسئلة على خبير شؤون تركيا غونتر زويفيرت.
السيد زويفيرت إلى حد الآن تم خلال اجتماعات القمة الأوروبية تأجيل فرض عقوبات ضد تركيا. ماذا تتوقعون هذه المرة؟
في بعض الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي التي كانت لها إلى حد الآن صورة ايجابية عن تركيا تدهورت هذه الصورة ـ كذلك بسبب السياسة الخارجية التركية . وهنا نذكر على سبيل المثال اسبانيا وايطاليا وبولندا. وفي الوقت نفسه تخشى اسبانيا وايطاليا بالتحديد من أن تقود عقوبات محتملة إلى تدهور الاقتصاد التركي وتواجه بذلك مسارا مضادا لمصالحها الاقتصادية.
منذ الاثنين ناقش وزراء الخارجية الأوروبيون أثناء لقائهم في بروكسيل العلاقة مع تركيا. وبعد الجلسة أعلن ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية يوزيف بوريل أن هناك إجماعا على أن سلوك تركيا لم يتغير جذريا. على ضوء ذلك يتوجب في الحقيقة فرض عقوبات؟
هذا صحيح. تركيا لم تلب أيا من الشروط التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي خلال قمة أكتوبر الماضي للدخول في اجندة إيجابية. فأنقرة خرقت من جديد المنطقة الاقتصادية لجمهورية قبرص وتسببت في نقاط خلاف جديدة. كما أن الحكومة التركية تخلت عن الاطار الدولي المعترف به لإيجاد حل لمشكلة قبرص ـ يعني إيجاد دولة مشتركة ـ وتراهن الآن على الاعتراف "بجمهورية شمال قبرص التركية". وبهذا عملت أنقرة على تصعيد الوضع في شرق البحر المتوسط. كما أن تركيا شغلت في المهلة المحددة من قبل الاتحاد الأوروبي نظام الدفاع الصاروخي س 400 الروسي، وهذا ليس بأية حال في مصلحة الاتحاد. واتهمت في الخلاف مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في نهاية الأمر جميع البلدان الأوروبية التي بدسها مهاجرين مسلمين بمعاداة الاسلام والتعامل العنصري ضد المسلمين. إذن إذا ما نظرنا إلى وضع القرارات لدى الاتحاد الأوروبي وننظر كيف تعاملت تركيا، فوجب اللجوء إلى رد فعل حازم ضد أنقرة. لكن السؤال المطروح، هل سيحصل هذا؟
إلى حد الان منعت الحكومة الالمانية فرض عقوبات ضد تركيا. والمهم بالنسبة إلى المانيا هي قضايا اللاجئين والمحاور الأمنية وبقاء أنقرة في نظام الحلف الغربي ومحاربة الارهاب. فهل ستتمكن المستشارة الالمانية من الحفاظ على هذا الموقف خلال القمة الأوروبية؟
على الأقل سيكون ذلك صعبا بالنسبة لها. فعدد البلدان التي باتت غير صبورة مع تركيا ارتفع. وبالاشتراك مع اليونان وفرنسا والنمسا تصوت أيضا هولندا وبلجيكا ودول البلطيق إضافة إلى ايرلندا لصالح تعامل حازم. وحتى في الدبلوماسية الالمانية يكون عدم الرضا مع تركيا كبيرا. والمانيا تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام بجهود الوساطة ودور التريث خلال القمة الأوروبية الأخيرة. غير أن تركيا لم تقدم أي شيء للمستشارة في المقابل.
هل بإمكان العقوبات أن تحمل الحكومة التركية على تغيير سلوكها في السياسة الخارجية؟
بالطبع يمكن لتعامل حازم من قبل الاتحاد الأوروبي أن يدفع تركيا إلى تعديل سياستها. وتركيا تدرك مدى اعتمادها على الاتحاد الأوروبي. لكنها تعول على الخلافات الأوروبية.
هل تتحمل أثينا ونيقوسيا المسؤولية في التصعيد الحاصل في العلاقة مع تركيا؟
أثينا استفادت في البداية من إعلان الاتحاد الأوروبي في بياناته تضامنه الكامل مع اليونان وقبرص. وبهذا ساند الاتحاد الأوروبي بشكل ضمني وجهة النظر اليونانية. وعندما حصل تصعيد في النزاع، أعلنت اليونان في وقت مبكر استعدادها للتفاوض حول الحدود البحرية والاعتراف في النهاية بحكم صادر عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وتركيا في المقابل أثارت باستمرار قضايا جديدة: الوضع القانوني للجزر اليونانية في بحر ايجه وتسليح تلك الجزر. وبهذا ربطت أنقرة عقدة كبيرة يصعب حلها. وجمهورية قبرص عرضت على تركيا محادثات غير مباشرة أو غير رسمية. وتركيا لم ترد على ذلك. وبالطبع تتقدم أثينا ونيقوسيا بمطالب عالية، لكنهما مستعدتان لنزع فتيل التصعيد.
موارد نفط وغاز كبيرة في بحر ايجه لم يعثر عليها إلى حد الان اليونانيون والقبارصة. وخبراء يشكون في الجدوى المالية من استخراج تلك الموارد وتصديرها إلى أوروبا. لماذا تخاطر تركيا بالرغم من ذلك بإرسال سفن تنقيب في المناطق الاقتصادية لكلا البلدين الأوروبيين على حساب تدهور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي؟
بالفعل يفترض خبراء أن لا توجد موارد كبيرة في المناطق البحرية المثيرة للجدل بين تركيا واليونان وكذلك قبرص. فالمناطق الواعدة هي تلك التي تعلن اسرائيل ومصر بسط سيادتها عليها. ويبدو بالتالي أنه ليست الحاجة التركية للطاقة هي النقطة الحاسمة بالنسبة إلى سلوك أنقرة العنيف في شرق البحر المتوسط. فالأمر يتعلق أكثر بتطلع تركيا إلى فرض ذاتها كقوة اقليمية مستقبلية تتحكم لمصلحتها الذاتية في الطرق التجارية والطاقة والهجرة في شرق البحر المتوسط. وعلى هذا النحو تريد أنقرة ضمان منفذ لأسواق افريقيا الشمالية والدول الأخرى حيث هي توجد في منافسة مع قوى أوروبية.
قلما اهتم دونالد ترامب بسلوك تركيا في شرق البحر المتوسط. وبعد كل ما نسمع لا يعتزم جو بايدن قبول هذه الأمور. فهل ستلجأ الحكومة التركية لتحمل تدهور للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية؟
من المفت بالفعل أن أنقرة قامت في الأسابيع الأخيرة من حكومة ترامب بتشغيل النظام الصاروخي س 400 على أمل أن تمر هذه الخطوة دون عقوبات. وتركيا تعلم أن جو بايدن سينهج أسلوبا آخر. والاتصالات الهاتفية لاردوغان في البيت الأبيض لن يتم تمريرها بسهولة للرئيس. فالعلاقات ستنظمها بالأحرى الدبلوماسية العادية. واردوغان يعلم أيضا أن بايدن سيحترم أكثر مبدأ دولة القانون وحقوق الانسان. وفي آن واحد سيحاول بايدن لجم التأثير الروسي في المنطقة، وهنا يمكن أن تساعده تركيا. فعلاقات الولايات المتحدة مع تركيا لن تتدهور، ولكن أسلوبا مغايرا سيحل في السياسة المتبعة. وأنقرة ستحاول عرض نفسها كقوة لا يمكن الاستغناء عنها في التعامل مع روسيا. والسؤال هو كيف سيتعامل بايدن مع ذلك.
+ غونتر زويفيرت، مدير مركز الدراسات التركية لدى مؤسسة العلوم والسياسة في برلين. وكان مراسلا في تركيا لصحيفة "برلينر تسايتونغ" و "دي تسايت" ودرس في جامعات إسطنبول ونيقوسيا ولوزان. وتتمثل محاور بحوثه حول تركيا وقبرص والهجرة وسياسة توسيع الاتحاد الأوروبي.
أجرى الحوار بناغيوتيس كوبارانيس