ما الذي يدفع غونتر غراس لطرق أبواب السياسة بشعره؟
٧ يونيو ٢٠١٢يحب الأديب الألماني غونتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للآداب، أن يتدخل في مختلف القضايا، سواء كانت اجتماعية أم سياسية، وذلك إما بشكل مباشر في المقابلات الصحفية، أو عن طريق أعماله الأدبية والشعرية. وعادة ما يتطرق غراس إلى مواضيع يعتبرها قراؤه محرمة، الأمر الذي جعل هذه التدخلات موضع نقاش حاد. فما الذي يدفعه إلى ذلك؟ هل يتعلق الأمر بتعليقات مشوشة لكاتب هرم، كما يكتب بعض صحافيي الأقسام الثقافية بسخرية، أم أن تصريحات غونتر غراس أفكار طبيعية لكاتب مشهور؟ كل هذه الأسئلة توجهت بها DWعربية إلى فولكر نويهاوس، الذي ينشر أعمال غراس ويعكف حالياً على كتابة مذكرات مفصلة له، يتوقع أن تصدر الخريف القادم.
DWعربية: سيد نويهاوس، منذ سنوات عديدة وأنت تتولى نشر أعمال غونتر غراس، وتعرفه بشكل جيد. كيف تقيم الضجة الإعلامية حول القصيدتين اللتين كتبهما غراس حول بعض التطورات السياسية مؤخراً؟
فولكر نويهاوس: هذه الضجة فريدة من نوعها، وأكثر ما يميزها أن بعد صدور قصيدته الثانية (حول اليونان، والتي نشرتها صحيفة زود دويتشه تسايتونغ يوم عيد الحصاد)، طُرحت تساؤلات حول سبب قيامه بذلك. أعتقد أنه لم يتساءل أي أحد قبل ذلك عن سبب نشر شاعر لقصيدة ما. إن غراس محظوظ لقدرته على نشر قصائده في منافذ شهيرة. إنه شاعر ووظيفته نشر أشعاره. يمكننا أن نتجادل حول فحوى القصيدة، وهذا ما حصل. لكن حصول ذلك بهذه الطريقة أمر فريد من نوعه.
إذا ما نظرنا وراء الكواليس، ما التفسيرات المتبقية لتوضيح أسباب هذه الضجة الكبيرة حوله؟
لأن غونتر غراس يتبنى وجهة نظر غير مألوفة، يحاول الجميع أن يأخذها منه، إلا أنهم لا ينجحون. لا يمكن حرمان غراس من مزايا وظيفية أو راتب حكومي، ولا يمكن طرده من مكتب. كل ما لديه عمل هو بنفسه لإحرازه. والآن يقول البعض أن عليه التخلي عن جائزة نوبل، وهو الشيء الوحيد الذي يمكنه عمله. يمكنه أيضاً التخلي عن عضويته الشرفية في نادي القلم الألماني (PEN). إن غراس هو نموذج نادر لشخصية شهيرة ومستقلة في نفس الوقت، وهذا إنجاز يعود الفضل فيه له وحده. لذلك لا ينبغي على غونتر غراس مراعاة أي أحد فيما يقوله أو يكتبه، ولهذا يواجه حالياً الصعوبات التي يواجهها.
لقد خلق غراس لنفسه "أعداء" من نوع خاص في صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ، وهو أمر شهد تضخماً في السنوات الماضية. ما الأسباب التي تقف وراء ذلك برأيك؟
لا أعلم. هذا ما يعرف بالـ"فضح"، ويعني استهداف شخصية معروفة وتصغيرها إلى حجم يسهل السيطرة عليه. لقد وصل غراس إلى حجم لا يمكن لأي أحد الطعن فيه. لكن لماذا يوجد هذا القدر من الكره لغراس في هذه الصحيفة، فإن المرء لا يستطيع سوى أن يقول أن هذا الأمر متوارث، يتركه كل محرر رئيسي للصفحة الثقافي لخلفه. هؤلاء المحررون، رغم انتمائهم إلى أجيال ومشارب مختلفة تماماً، لا يفوتون فرصة للنيل من غراس، وهذا أمر مستغرب حقاً.
لننظر إلى غونتر غراس الشخص والكاتب. لقد كتب أحد النقاد مرة حوله: غونتر غراس يعتبر في تقاليد النزاع الأوروبي المستنير شخصية متدخلة. هل ترون ذلك أيضاً؟
هذا تعبير جميل. إنه يستغل شهرته من أجل إسماع رأيه، وهو أمر نقوم به جميعاً. بعض الناس يذهبون حتى إلى موائد السمر من أجل التعبير عن آرائهم، وسماع آراء الجالسين أيضاً. غراس قادر على التعبير عن رأيه بشكل يجعل الناس تسمعه. أول قصيدة لغراس (حول إسرائيل) كانت من المفترض أن تنشر في صحيفة تسايت، إلا أن الناشرين هناك رفضوا نشرها. وفي نفس اليوم نشرت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ القصيدة، وهذا من حظه.
في الأساس يوجد هناك دائماً اتهامان لغونتر غراس، أولهما يتعلق بالآراء الاختصاصية. إحدى الصحف كتبت تقول: "تبريرات غراس لا تتماشى مع أي معلومات متداولة أو منتشرة في الأوساط الصحفية والعلمية". هذا الرأي مرتبط بأن غراس لم يفهم الصراع الإسرائيلي-الإيراني.
هذا مبني على سوء فهم. في اعتقادي الراسخ أن أول مقطعين من قصيدته حول إسرائيل ليسا موجهين لإسرائيل، فهو يذكر اسم إسرائيل في المقطع الثالث لأول مرة. المقطعان الأولان يشيران بشكل واضح إلى الولايات المتحدة، حيث يتم التفكير في إمكانية خوض حرب نووية ضد إيران. إنه يتحدث عن هذا الموضوع. أما إسرائيل فتلعب دور نظير إيران. القصيدة تتمحور حول القوتين النوويتين في الشرق الأوسط. لكن الأهم هو أن غراس قادر على إبداء رأيه الخاص والواضح. إنه واع للغاية وقادر على الدخول في أي نقاش حول هذا الموضوع، وهو يشارك في النقاشات العامة، مما يدلل على وعيه الكبير.
الاتهام الثاني يتعلق بركاكة أسلوبه الأدبي، وهذا مرتبط بتساؤل حول كون القصائد النمط الأدبي المناسب للتعبير عن الرأي.
القصيدة هي ما يتم إصداره كقصيدة. لقد أثبتت زميلة لي أن قصيدة غراس منظومة بشكل صحيح – نحن هنا نتحدث عن قصيدته الأولى. في إحدى النقاشات بمدينة أوسنابروك اتفقنا (ونظراؤنا أيضاً) على أنه لو قال غراس ما قاله في مقابلة صحفية بدلاً من قصيدة، فإن تأثير ذلك لن يكون بنفس المقدار. القصيدة لها طابع تشريعي قاطع، وتحمل صبغة ضخمة. لقد قام غراس بذلك في قصيدته الأولى حول الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، ومن ثم أعاد ذلك ببراعة في قصيدته الثانية، إذ قام بتأليف قصيدة رائعة تشبه النشيد الوطني وترتبط بالأوضاع في اليونان، ومتجذرة في تقاليد فريدريش هولدرلين (الذي تعتبر أشعاره قمة الحركة الأدبية الألمانية)، وتحتوي على قفزات واندفاعات ذات طابع احتفالي. كل هذا عند الحديث عن موضوع مثل الأزمة الاقتصادية اليونانية! هذا يثبت أن غونتر غراس لا يزال قادراً على العزف على أوتار الشعر باقتدار، كما كان يفعل على مدى 60 عاماً.
لاحظ الكثيرون، بعد القصيدة الأولى، أن الشعب (الألماني) كان يقف إلى جانب غراس، وهذا ما تثبته رسائل الدعم العديدة التي وصلته، والتي توحي بأنه يمثل رأي الأغلبية، على عكس صفحات الثقافة في الجرائد. لكن هذا الدعم لم يلاحظ في قصيدة اليونان ...
نعم. لقد ذكّر غراس بأن الوقت حان فعلاً للتذكير بمجتمع القيم، وبأن الاتحاد الأوروبي ليس سوقاً مشتركة فقط، بل متجذر في تقاليد القيم الغربية أيضاً.
يوخن كورتن/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: طارق أنكاي