الاقتصاد المصري والتقارب مع روسيا؟
٢٠ ديسمبر ٢٠١٧بدءاً من الاتفاق على إنشاء محطة "الضبعة" للطاقة النووية بقيمة تربو على 29 مليار دولار، وانتهاء بمشروع بناء المنطقة الصناعية الروسية شرق بور سعيد بتكلفة تصل إلى نحو 7 مليارات دولار مرورا بعشرات المشاريع الأخرى التي تشمل النفط والغاز وتحديث السكك الحديدية ومصانع الحديد والصلب والألمنيوم وشبكات الطاقة وغيرها، هذه المشاريع تبين مدى العلاقات الاقتصادية الوطيدة بين روسيا ومصر في مختلف المجالات منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السياسي إلى سدة الحكم.
ويعكس هذا التطور نمو التبادل التجاري بين الطرفين خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنسب تراوحت بين 25 إلى 30 بالمائة لتصل إلى أكثر من 4.2 مليار دولار عام 2016 مقابل 2.5 مليار دولار عام 2013. وقد حلت روسيا محل الغرب كأول مصدر للقمح إلى مصر بحجم يصل إلى 5 ملايين طن سنويا، كما ضخت موسكو في الاقتصاد المصري استثمارات بقيمة تزيد على 3 مليارات دولار غالبيتها في قطاعي النفط والغاز بحلول العام الماضي 2016. وخلال زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول الجاري 2017 تم الاتفاق على إعادة تسيير خطوط الطيران الروسي بين البلدين مطلع فبراير/ شباط القادم 2018.
أهمية السوق الروسية
بدورها توسع مصر قاعدة صادراتها إلى السوق الروسية في محاولة منها لسد بعض النقص الذي حصل هناك بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا. وتشير المعطيات المتوفرة إلى زيادة الصادرات المصرية إلى هذه السوق بنسبة وصلت إلى 28 بالمائة لتصل إلى أكثر من 400 مليون دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام. وتشكل الخضروات والفواكه والألبسة القسم الأكبر منها. ونظرا لتوفر العمالة والمواد الأولية بأسعار منافسة يتطلع الروس من خلال المنطقة الصناعية الجديدة إلى مشاريع مشتركة لتلبية حاجات السوق الروسية المتزايدة من هذه السلع. كما يتوقع من المنطقة الصناعية التي تنوي الصين إقامتها في مصر بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار تعزيز إنتاج هذه السلع وتصديرها، إضافة إلى إقامة صناعات مصرية صينية تحويلية ذات قيمة مضيفة غالية، لاسيما وأن مصر تتمتع بقوة عمل مؤهلة في مجالات الهندسة على اختلافها.
العلاقات مع الغرب
التوجه المصري القوي نحو روسيا أيضا في مجالات التسلح والصناعات العسكرية والفضاء والاهتمام الصيني المتزايد بالسوق المصرية الكبيرة، تؤدي إلى خشية عدد متزايد من المحليين والمراقبين في الغرب على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر والغرب؟ وتبدو هذه المخاوف بالنسبة لهؤلاء في محلها إذا أخذوا بعين الاعتبار أن العواصم الغربية ولأسباب سياسية تبدو متحفظة إزاء تعزيز التعاون مع حكومة الرئيس السيسي بنفس الوتيرة التي تعمل عليها موسكو أو بكين في مجال المشاريع الاستراتيجية. ولا يغير من هذا الاستنتاج الاستثناءات التي تقوم بها شركات غربية مثل "سيمنس" الألمانية التي تبني في مصر أكبر محطة غازية لإنتاج الكهرباء بمباركة من حكومة المستشارة أنغيلا ميركل وبتكلفة تصل إلى 12 مليار دولار. وعلى أرض الواقع في ما تزال علاقات مصر الاقتصادية مع الغرب طاغية على علاقاتها الاقتصادية ككل، فالتبادل التجاري بين مصر من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى يشكل نحو 40 بالمائة من مجمل التبادل التجاري المصري مع الخارج، أي نحو33 مليار يورو من أصل نحو 81 مليار يورو عام 2016. غير أن هذا التبادل يُظهر ومنذ عقود عجزا مستمرا لمصر إزاء الغرب، إذ لا تشكل الصادرات المصرية سوى 40 بالمائة من تجارتها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
على ضوء ذلك تحاول مصر منذ بضع سنوات تغيير هذا المنحى من خلال تقليص الواردات وزيادة الصادرات. وتشير معطيات السنتين الماضيتين 2015 و 2016 إلى تراجع وارداتها بنسبة 21 بالمائة، مقابل زيادة صادراتها بنسبة 2.2 بالمائة. وبما أن فرصها في السوق الأوروبية المشبعة بشتى أنواع البضائع ضعيفة، فإن هذه الفرص تبدو أفضل في الأسواق الأخرى. وهنا تبدو الفرصة في السوق الروسية هي الأكبر نظرا لمقاطعة روسيا لعدد كبير من السلع الغذائية الغربية بعد فرض العقوبات عليها من قبل الغرب. وقد قامت المنتجات الغذائية والاستهلاكية المصرية حتى الآن بسد بعض النقص في هذه السوق من هذه السلع. ومن المؤشرات على ذلك تضاعف الصادرات المصرية في أكثر من مجال إلى روسيا في وقت تراجعت فيه هذه الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 7.6 بالمائة خلال عام 2016 مقابل 15 بالمائة خلال عام 2015 حسب معطيات مؤسسة التجارة الخارجية الألمانية " GTAI ".
نحو مزيد من التوازن
يسير التعاون الاقتصادي بين روسيا ومصر بخطى تبدو الأسرع على صعيد العلاقات الثنائية للأخيرة في الوقت الحالي. ويشكل حضور الرئيس المصري لقمة دول "بريكس" الأخيرة التي استضافتها الصين في سبتمبر/ أيلول الماضي 2017 تعزيزا لتوجه مصر نحو شركاء جدد في مجال الاستثمار والتبادل التجاري. وفي حال النجاح في ذلك فإن الاقتصاد المصري سيشهد إعادة هيكلة تقوم على تعاون أقوى مع روسيا ودول البريكس الأخرى خلال السنوات القادمة. ومن شأن ذلك يساهم في إقامة علاقات متوازنة مع العالم تعيد إليه قسما من التوازن الذي فقده بسبب العجز المزمن في تجارته الخارجية. أما علاقاته مع الغرب فستبقى على أهميتها، مع أن التوجه الجديد سيؤدي إلى تقليص واردات السلع الكمالية منه ومن بقية أنحاء العالم. ويعود السبب في بقاء هذه الأهمية إلى أن روسيا تركز في تعاونها الاقتصادي مع مصر على البنية التحتية بشكل لا تتنافس فيه مع الغرب في ذلك، أما العلاقات المصرية مع الأخير فتشمل حتى الآن الإمدادات من مختلف السلع وتقديم القروض والاستثمارات لعدد من المشاريع في قطاعات عديدة. وهنا لا بد من الإشارة إلى قرض صندوق النقد الدولي الأخير بقيمة 12 مليار دولار.
غير أن نجاح سيناريو اقتصاد يقوم على التوازن مرتبط قبل كل شيء بمدى الاستقرار السياسي وبمدى تحسن مناخ الاستثمار ونهضة الصناعات التحويلية والزراعية التصديرية على ضوء الاصلاحات التي شملت حتى الآن خطوات جريئة وقاسية على المصريين وفي مقدمتها تقليص الدعم الحكومي للكثير من السلع الأساسية وتحرير سعر العملة وزيادة الاحتياطات من العملة الصعبة وتراجع معدلات التضخم. وفيما يتعلق بالاستقرار السياسي، فإن العوامل التي تهدده لا تقتصر على الإرهاب الذي أصاب حتى الآن شمال سيناء والمنتجعات السياحية أكثر من غيرها. فعوامل عدم الاستقرار متعددة وفي مقدمتها العوامل ذات الطابع الاجتماعي. ويبرز من بينها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بسبب الغلاء وقلة فرص العمل بالتوازي مع استمرار استشراء الفساد والمحسوبيات في المؤسسات الحكومية والخاصة.