ما الذي دفعني لإنشاء مدوَّنتي على الإنترنت؟ شباب التغيير يتحدث
٢٢ يونيو ٢٠١١"التدوين على الإنترنت مهم وبالذات للعرب، لأن الشباب العربي على اختلاف بلدانهم ليس لهم صوت أو لم يكن لهم صوت. والتدوين لن يكلفهم سوى وَصلة إنترنت في بيوتهم ليتمكنوا من إسماع أصواتهم لكل العالم، لأن الطرق الأخرى لإبداء الرأي غير متاحة في كثير من الدول العربية. والمدوِّن عندما يدوِّن، فإنه لا يتكلم مع نفسه بل يتكلم مع الآخرين وينسِّق عمله معهم". هذا ما يقوله محمد إبراهيم، أحد مسؤولي صفحة فيسبوك التي حددت موعد بداية ثورة الشباب المصري بتاريخ 25 يناير، والذي سنحت له الفرصة للالتقاء مع مدونين من مختلف أنحاء العالم في إطار منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة دويتشه فيله في مدينة بون الألمانية لعام 2011.
ويقول محمد إبراهيم:" قابلتُ في المنتدى مدونين من كل بلدان العالم، ومن الدول العربية بشكل خاص قابلتُ المدونة التونسية المشهورة لينا ومدونين من السعودية وغيرهم. وهدفهم كلهم واحد: الخير لبلدانهم. وتبادلنا الآراء والأفكار، وتحدثنا عن أجدى الطرق لتحقيق الحرية في بلداننا العربية كلها، وبطرق سلمية وبطرق قانونية طبعاً". الشاب محمد إبراهيم يعمل استشارياً في شركة تطوير برمجيات في لندن، وهو يقول بهذا الصدد: "العمل في مجال البرمجيات قد يساعد قليلاً في التشجيع على إنشاء مدوَّنة على الإنترنت أو على إطلاق حملة على فيسبوك، ولكن التدوين وإنشاء مُدَوَّنة على الإنترنت يستطيع أي شخص عادي مهما كان مستواه العلمي فعله، ومعظم المدونين ليس لهم علاقة تخصصية بتقنية البرمجيات". دويتشه فيله حاوَرت في مدينة بون الألمانية بعض ضيوفها من المدونين العرب وغير العرب.
"كان هدف صفحتنا في البداية إنهاء عنف الشرطة ضد المواطنين الصالحين في مصر"
"أنا اسمي محمد إبراهيم، وأنا المسؤول عن الصفحة الإنكليزية في فيسبوك تحت عنوان: كلنا خالد سعد. وهي المدوَّنة التي حددت موعد بداية ثورة الشباب المصري بتاريخ 25 يناير من عام 2011، كان وائل غنيم في مصر مسؤولاً عن الصفحة العربية وبعد أن أنشأ الصفحة بعدة أيام أنشأت أنا الصفحة الإنكليزية. أحسسنا أننا نريد أن نوصل صوت الشباب المصري للعالم. وكان هدف الصفحة الأساسي هو إنهاء عنف الشرطة ضد المواطنين الصالحين الذين من المفتر ض أن تحميهم الشرطة لا أن تعذبهم. ووصل عدد المشتركين في صفحة فيسبوك العربية إلى ما يقارب مليون وأربعامئة ألف عضو. أما الصفحة الإنكليزية، التي أنا مسؤول عنها، فقد وصل عدد أعضائها إلى حوالي مائة وعشرين ألف عضو. وهي تركز على المتحدثين بالإنكليزية من خارج مصر ومن خارج الدول العربية من مختلف دول العالم سواء من الأجانب أو من المصريين في الخارج، أو لأي شخص يفضل استخدام اللغة الإنكليزية".
بعد مقتل الشاب الأسكندراني خالد سعيد، الذي عذبه اثنان من ضباط الشرطة المصرية في الشارع أمام بيته حتى الموت "ودون أي سبب"، أنشأ مجموعة من الشباب المصريين صفحة على الفيسبوك باسمه، ويقول محمد: "لأننا أحسسنا أنه يمثل رمزاً لكثير من الشباب. شباب عادي غير مسيَّس وليس مُنضَمّاً لأحزاب سياسة أو عضواً في أية جماعة سياسية.
وصفحة "كلنا خالد سعيد" وأعضاء الصفحة على فيسبوك كانوا مجموعة كبيرة من المصريين الذين كان هدفهم إحداث تغيير لخدمة بلدهم، ويضيف محمد قائلاً:"أرادوا تغيير الوضع السيِّء المشين الذي كانت مصر تعيشه"، وبالتنسيق مع كل طوائف الشعب المصري.
حملة كلنا خالد سعيد"بالعربية والإنكليزية فازت بجائزة مؤسسة دويتشه فيله الألمانية العالمية التي اسمها The Bobs، وهي تُقَدَّم لأفضل حملة توعية على الإنترنت للصالح العام ولصالح حقوق الإنسان.
كرسي أمان الأطفال بالسيارات من اهتمامات مدوِّن سعودي
الشفافية في مشاريع الحكومة ومشاكل التعليم، بالإضافة إلى الأمور اليومية مثل عدم تطبيق الأنظمة في المرور والحوادث التي قد تحدث بسببها هي مسائل يهتم بها أحمد باعَبُود في مدونته، ويقول أحمد وهو أب لطفلين:"ليس هناك قانون في السعودية يُلزم السائقين بوضع كرسي أمان للأطفال الصغار في السيارات. أنا أطبِّق هذا على أولادي. وأحاوِل إفادة غيري بهذه النصائح. وأعتبر ذلك نجاحا لي حتى لو اقتدى بي جزء قليل من الناس فقط". أحمد باعبود مدوِّن سعودي من أصل يمني وله مدونة بالعربية تحت اسم "حياتي في السعودية" وله مدونة أخرى بالإنكليزية اسمها "أصوات سعودية بديلة".
ولمدوّنتيْهِ بحسب ما يقول أحمد، الذي يعمل مهندسا والمتزوج منذ سبع سنوات، أهداف مختلفة. فالمدوَّنة العربية هي من جهة "تعبير عن النفس وعن مشاكل الحياة اليومية البسيطة"، ومن ناحية أخرى: "محاولة للوقوف على إشكالات موجودة في البلد ومشاركة الآخرين في الآراء حول أسبابها ومحاولة وضع الحلول الممكنة لها". أما مدونته باللغة الإنكليزية فالفكرة منها :"توصيل صوت السعوديين للعالم ومحاولة إزالة الصور النمطية عنهم، لأن الناس في الغرب عندما يسمعون عن السعودية فهم لا يسمعون إلا عن الإرهاب أو يسمعون صوت الحكومة"، ويؤكِّد كلامه قائلاً: "المدونة توصل للناس أراء المواطنين العاديين في السعودية".
"مدونتي توعّي الناس عن سبب غلاء العقارات والأراضي في السعودية"
ويقول مُدوِّن سعودي آخر:"أغلب كتاباتي لها علاقة بالاقتصاد في مدوّنتي التي اسميتها باسمي: عصام الزامل"، ويتابع قوله:" الاقتصاد له تداخل كبير بالسياسة وطريقة إدارة البلد، وكثير من مواضيع مدوَّنـَتي تتناول موضوع الاحتكار الذي يمارسه بعض رجال الأعمال". وهو يركز على قطاعات الأراضي العقارية بشكل خاص، ويُعـَلـِّل ذلك قائلاً:" مسألة احتكار الأراضي موجودة، وهي مسألة خانقة للتنمية وتؤثر على المواطنين العاديين"، كما تتناول مدونة عصام، الذي يعمل في إدارة شركة تهتم بمجال الألعاب الإلكترونية والبرمجيات، أيضاً موضوع البطالة في بلده.
وهو يكتب في هذه المواضيع منذ حوالي ثلاثة أعوام، ومن خلال عدد الزوار لموقعه الإلكتروني وتعليقاتهم ومن خلال تبادل الآراء معهم بواسطة البريد الإلكتروني ونشر المواضيع في شبكتــَيْ فيسبوك وتويتـَر، يعرف عصام مؤشرات انتشار آرائه ومدى استجابة الناس لها، ويتابع قوله: "الجيِّد أن هذه القضايا الآن وبعد هذه السنوات أصبحت واضحة المعالم. فعندما يواجه الناس مشكلات في مسألة السكن مثلاً أصبحوا يعرفون أن سبب الغلاء هو الاحتكار، وأصبحوا واعين بطرق الحل ككسر الاحتكار من خلال الضغط باتجاه سنّ قوانين تفرض ضرائب حكومية والإلزام بدفع الزكاة مثلاً على المالكين". وخلال زيارته لألمانيا سمع عصام عن منتدى مؤسسة دويتشه فيله للإعلام وأحب المشاركة فيه.
"أنا متشوِّق لمعرفة تأثير مدوَّنتي على الانتخابات المقبلة في صربيا"
"التدوين على شبكة المعلومات يتطور باستمرار في صربيا وسيكون لدينا انتخابات في السنة المقبلة وسيكون من المثير للاهتمام كيف سيتعاطى المدونون الصِّرب مع الحدث وتأثير ذلك على رأي الناس في هذه الانتخابات"، هذا ما يقوله الصربي ميلوش وهو يكتب في مدوَّنة سياسية تعليمية على الإنترنت سماها باسمه، وهو يشرح فيها مفهوم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان لأبناء بلده المتحدثين باللغة الصربية. وهو يأمل أيضاً أن يستفيد أبناء بلده من موقعه التفاعلي في معرفة حقوقهم السياسية.
مدوّن إندونيسي يدافع عن حقوق الأقليات وإيرانية تدوِّن من أجل النساء
أندرياس هورسونو ناشط في منظمة حقوق الإنسان ويعيش في العاصمة الاندونيسية جاكرتا ولديه مدونة سماها باسمه. وتتناول مدونته "مسائل الصراعات الطائفية والدينية والعرقية في بلده أندونيسيا ومشكلة المناطق والشعور الزائد بالقومية فيها"، ودور وسائل الإعلام في ذلك كله. ويغطي في كتاباته مثلاً ما أسماها الهجمات الطائفية ضد الكنائس المسيحية من قِبَل بعض المتطرفين وبالتحديد في منطقة جزيرة جاوا حيث "كان هناك مئات الهجمات ضد كنائس في هذه المنطقة في الأعوام الستة الماضية".
مريم ميرزا فتاة جاءت قبل أيام من إيران إلى بون للعمل مع مؤسسة دويتشه فيله كصحفية. وقد كان لها تاريخ امتد لسنوات عديدة في مجال التدوين على الإنترنت قبل حصولها على عمل في مدينة بون الألمانية. وكانت مدونتها تركـِّز على أحوال النساء في إيران والتمييز ضدهن: سواء التمييز الاجتماعي أو القانوني، وهي تقول بهذا الصدد:" قبل أعوام عديدة تزامن بدئي بكتابة مدونتي بظهور حركة نسائية قوية في إيران ولعب تدوين النساء على الإنترنت دوراً مهماً في التعبير عن أصواتهن"، وتضيف: "طالبت النساء من خلال المدونات بحقوقهن في الخروج من المنزل ومراعاة حقوقهن في الطلاق وبحقهن في الاحتفاظ بأطفالهن بعد الطلاق. هن يطالبن بتعديل القوانين بحيث تصبح أكثر عدلاً، وهذا فقط على سبيل المثال لا الحصر".
"قبل الثورة التونسية كان الناس يقولون إني مجنونة"
"أنا لينا بن مهني مواطنة تونسية ومدوِّنة وأنا مُدَرِّسة في الجامعة في قسم اللغات"، تقول الفتاة البالغ عمرها ثمانية وعشرين عاماً التي بدأت التدوين عام ألفين وسبعة في مدونة اسمها "بنية من تونس" وتتابع كلامها: "في البداية كان هدفي من مدونتي هو التعبير عن أفكاري وعن مشاعري وحياتي والتطرُّق إلى بعض المشاكل الاجتماعية والبيئية في تونس كتلوث مياه البحر ومشاكل الطرقات". وتقول لينا إنه حتى هذه المواضيع البيئية كانت تعتبرها السلطات التونسية مواضيع سياسية محظورة: "في السنة الماضية قبل الثورة التونسية تم إيقافي في مركز شرطة لأنني أردتُ التقاط بعض الصور للبحر الملوَّث"، وتضيف:"وعندما تعرض موقعي على الإنترنت إلى الحجْب من قِبَل السلطات التونسية بدأتُ أشارك في حملات ضد الحجب، وشرعتُ في الحديث عن الناس الذين يُسجنون بسبب آرائهم من طلبة وصحفيين ومدوِّنين".
وبدأتْ لينا تكتب في مدونتها آراءها التي هاجمت فيها النظام قبل الثورة، وتقول بهذا الصدد: "قبل الثورة التونسية كان الناس يقولون إني مجنونة"، ورغم ذلك تؤكد على أهمية التدوين في حياة الناس وتـُعَلـِّل ذلك قائلة: "التدوين يُمكـِّن الناس من معرفة أشياء قد لا يصل إليها الصحفيون وتجعلنا نطـَّلع على أمور قد تخفى عنا". وشعارها على موقعها في فيسبوك: أنا أُدَوِّن فأنا موجودة وأنا أتنفس. وتؤكد ذلك قائلة:"لقد أصبح التدوين جزءاً من حياتي". وحين سؤالها عن سبب اختيار مؤسسة دويتشه فيله الألمانية لها كأفضل مدوِّنة للعام الحالي في إطار جائزتها المسماة The Bobs، ضحكت وهي تقول:" يجب أن تسأل لجنة التحكيم عن ذلك"، ولكنها استطردت وهي تبتسم:"أعتقد أن ما قمت به من تغطية للأحداث الأخيرة في تونس وللثورة التونسية لقي صدى كبيراً في كل العالم".
علي المخلافي
مراجعة: عبد الرحمن عثمان