ماكرون ولوبان في الجولة الحاسمة.. لصالح من تميل الكفة؟
١١ أبريل ٢٠٢٢اختتمت ليلة الإنتخابات الرئاسية الفرنسية بنهاية سعيدة للرئيس الفرنسي. ليس فقط في فرنسا، بل في جميع أنحاء العالم، توقعت وسائل الإعلام منافسة شرسة بين إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان. ففي استطلاعات الرأي الأخيرة كان ثمة تقارب كبير بينهما، حزب ماكرون "لجمهورية إلى الأمام" وأنصاره الذين اجتمعوا بقاعة المعارض في باريس أعربوا عن ارتياحهم الكبير، بحصول ماكرون على المركز الأول في الجولة الأولى.
الإستعداد للجولة الحاسمة
وفق مراقبين ومؤيدين، كان أكبر خطأ إستراتيجي للرئيس الفرنسي، في الأسابيع الأخيرة، هو قيامه بحملته الانتخابية من مكتبه في قصر الإليزيه. إذ بدلاً من مصافحة المواطنين بالأسواق والاستماع إلى مخاوفهم، انصب اهتمامه على أدائه السياسي في المسرح الدولي. إذ قضى ماكرون ساعات على الهاتف، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. كما ترأس قمم الإتحاد الأوروبي، وألقى خطابات حول السياسة الأمنية الأوروبية والحرب في أوكرانيا. وهو الأمر الذي لا يثير اهتمام الناخبين في فرنسا بشكل كبير، مقارنة بما هو عليه في بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل بولندا أو ألمانيا.
تُظهر إستطلاعات الرأي أن أكثر من نصف الفرنسيين مهتمون في المقام الأول بمواضيع مثل القدرة الشرائية وأجورهم وارتفاع أسعار الطاقة. فيما تأتي موضوعات الهجرة وإصلاح نظام الرعاية الصحية والتعليم في مراتب متأخرة من اهتماماتهم. وهو ما لم يُشعر ناخبي ماكرون بأن صوتهم مسموع. 71 في المائة منهم يرون أنه يمثل النظام الرئاسي المطلق، ما يثير الجدل في فرنسا، وتعتقد الغالبية أيضاً أنه جيد في التعامل مع الأزمات الكبرى. خلافاً لذلك، يعتبره آخرون، غير واقعي ونخبوي ومتعجرف.
أمام ماكرون أسبوعين بالضبط قبل الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، المقررة في 24 أبريل/ نيسان الجاري، من أجل تغيير هذه الصورة. في صباح اليوم الاثنين، 11 أبريل / نيسان دعا الصحفيين لمرافقته إلى دائرة "هوت دو سين" ، حيث يريد التحدث إلى الناخبين في البلدات الصغيرة في المنطقة. هنا يمكن للرئيس، جمع الكثير من النقاط لصالحه.
فشل الأحراب التقليدية
فشلت الأحزاب الفرنسية التقليدية، الاشتراكيون والمحافظون، بشكل درامي في محاولة العودة للمشهد السياسي. إذ فشلت، فاليري بيكريس، المرشحة عن حزب الجمهوريين، في إعادة الحزب المحافظ إلى المسرح السياسي. بأقل من خمسة في المائة من الأصوات، اضطرت بيكريس إلى حث ناخبيها على دعم ماكرون في الجولة الثانية. كما جاء أداء عمدة باريس، آن هيدالغو، أسوأ بالنسبة للاشتراكيين بأقل من اثنين في المائة من الأصوات. في عام 2012 تقدموا منتصرين بزعامة الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند. لكن بعد هزيمته الانتخابية، تفكك الحزب وفقد الكثير من مكانته.
على الصعيد الوطني، يحتل الخضر في فرنسا أيضاً مرتبة من بين منافسين آخرين، حيث حققوا نجاحات إقليمية. كما أحال زعيم حزب الخضر، يانيك جادوت، ناخبيه إلى ماكرون لمنع فوز محتمل لليمين المتطرف.
من ناحية أخرى، كان المرشح اليساري المتطرف، جان لوك ميلنشون، على وشك انتزاع المركز الثاني، من مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان. وقد تمكن من إقناع أكثر من خُمس الفرنسيين (21,9 بالمائة) في الجولة الأولى بأيديولوجيته الماركسية الثورية. كما وعد بمواصلة كفاح اليسار المتشدد، لكنه أعلن بعد ذلك أن: "كل صوت لصالح مارين لوبان هو صوت أكثر من اللازم". وقال ميلنشون، "لا تمنحوها أصواتكم". يجب إيقاف اليمينيين!. لم يدعو ميلنشون أنصاره بشكل مباشر لانتخاب ماكرون، كما فعل مرشحون آخرون ولكن على الأقل كانت هذه طريقته في التعبير عن دعمه لماكرون.
لوبان في صورة أقل حدة
خلال الأسابيع القليلة الماضية، تمكنت مارين لوبان، من تحقيق إنجاز مذهل يتمثل في جعل ناخبيها ينسون بطريقة ما قربها السابق من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. على الرغم من تداول صور قديمة لها مع لبوتين وهو يبتسم بجانبها مارين لوبان، وكذلك تصريحات في مقابلة سابقة اعترفت فيها صراحة بسياسات بوتين، إلا أن الفرنسيين لم يستنكروا ذلك. كما رحبت لوبان باللاجئين الفارين من أوكرانيا في فرنسا - مؤقتًا - ودفعت قضية الهجرة إلى المرتبة الثانية.
بدلاً من ذلك، قامت لوبان، بجولة في الأسواق والبلدات الصغيرة على مدار أسابيع، ووعدت الفرنسيين برواتب أفضل، بسن تقاعد مبكر أو حد أدنى أفضل للأجور - وهو بالضبط ما يريده غالبية الناخبين. في الوقت نفسه، قللت من حدة خطابها اليميني المتطرف، وعلى عكس انتخابات عام 2017 ، تمكنت من التأكيد على أن أغلبية الفرنسيين ولو بسيطة لم تعد تعتبرها تهديداً.
لقد أثمرت جهودها الطويلة الأمد المتمثلة في "إزالة سموم" الحزب، التي ورثتها عن والدها، جان ماري، من حيث الأصوات الانتخابية ومدى قبول الناخبين لها. كما ساهمت أيضاً في خفض سقف توقعات تقدم، المرشح عن أقصى اليمين، إريك زمور، في وقت سابق من العام. الكاتب، الذي أدين عدة مرات بتهمة خطاب الكراهية، طعن في حملته الانتخابية بالقومية ومعاداة السامية وكراهية الإسلام والمهاجرين - في النهاية وجد الناخبون أن برنامج اليمين المتطرف غير كافٍ. وقد وعد زمور بدعم منافسته مارين لوبان في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.
ماكرون يعد ببداية جديدة أخرى!
كانت نسبة إقبال الناخبين أقل بقليل مما كانت عليه في عام 2017، ولكن مع حوالي 74 في المائة، تعتبر جيدة بما يكفي للحفاظ على الشرعية الديمقراطية. وسيعتمد الكثير الآن على ما إذا كان إيمانويل ماكرون سيستطيع حشد ناخبيه للجولة الثانية.
في كلمة شكر ألقاها في باريس، وعد ماكرون ببداية جديدة للفرنسيين، الذين يشعرون بالقلق بشأن القدرة الشرائية والدخل، وتوجه بشكل خاص إلى أولئك الذين اختاروا الأحزاب المتطرفة في الجولة الأولى. وتحدث عن بدء مشروع مشترك من أجل معالجة عدم المساواة والمشاكل الإجتماعية في فرنسا. سبق أن وعد بذلك في عام 2017، لكن الناخبين لم يكافئوه على نجاحاته الاقتصادية وخفض نسبة البطالة، والمزيد من الاستثمارات والوظائف الجديدة، والتضخم المعتدل حتى الآن. على ماكرون الآن أن يحاول كسب الناخبين بشكل أفضل ومبتكر في الوقت نفسه، حتى يتمكن من ترك انطباع بأن الفرنسيين لا يحصلون على المزيد من المساواة فحسب، بل على رئيس متجدد بطريقة ما.
في الوقت نفسه، عبر ماكرون عن رفض واضح للمتطرفين اليمينيين ومعاداة السامية وكراهية المسلمين وقال " نحن لسنا كذلك". وقد أعرب مرة أخرة عن الالتزام بأوروبا وحلفائها، مؤكدا أن معهم يمكن أن تكون فرنسا قوية ومستقلة.
بعد انتخابه في عام 2017، عندما طرح إيمانويل ماكرون في خطابهبجامعة السوربون، موضوع الاستقلال الأوروبي، لم يجد هذا الموضوع أي صدى يذكر في برلين، على سبيل المثال. الآن يظهر مدى بعد نظر الرئيس الشاب، حيث أصبح ما يسمى بالاستقلال الاستراتيجي، مصطلحا متداولا بشكل واسع في دول الإتحاد الأوروبي.
تنفست بروكسل والعواصم الأوروبية الأخرى الصعداء بعد الجولة الأولى للانتخابات. فقد كانت فكرة فوز لوبان وتعزيز موقع الشعبويين اليمينيين المناهضين لأوروبا وووصول حليف لبوتين إلى قصر الإليزيه بمثابة كابوس. في المقابل يرى إيمانويل ماكرون أنه مازال بعيداً عن الفوز، وأن أمامه الآن أسبوعين للعمل بجد من أجل إعادة انتخابه.
باربارا فيزل / إ.م