مارتين فالسر: نصف قرن من الإبداع الأدبي
٢٧ نوفمبر ٢٠٠٦ولد مارتين فالسر في مدينة فاسربورغ الواقعة على بحيرة بودنزيه في أقصى جنوب ألمانيا عام 1927، ودعي في نهاية الحرب العالمية الثانية لأداء الخدمة العسكرية، حيث شارك في سلاح المدفعية. وبعد انتهاء الحرب بسقوط الرايخ الثالث وعودة المحاربين الى بيوتهم عاد فالسر هو الآخر إلى مفردات حياته الطبيعية بعيداً عن ساحات الحرب، فتابع دراسته وحصل على الشهادة الثانوية بعد عام واحد فقط من انتهاء الحرب. ثم واصل دراسته الجامعية في رغنسبورغ وتوبينغن، حيث درس الأدب والتاريخ والفلسفة. وفي عام 1951 اختتم فالسر دراسته الجامعية العليا برسالة دكتوراه عن أدب فرانس كافكا.
تحقيق النجاح والشهرة مع نشر أول عمل أدبي
عمل فالسر أثناء دراسته الجامعية كمراسل لإذاعة "جنوب ألمانيا" وكتب اثناء ذلك الوقت العديد التمثيليات الإذاعية، كما أسس مع هلموت جيدل فرقة إذاعية سميت فيما بعد بـ"فرقة العباقرة". نشط فالسر بعد ذلك في تقديم الكثير من الأعمال الأدبية في إطار "مجموعة 47"، التي عنيت بمناقشة أشكال ومواضيع وطروحات الأدب الالماني في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية واستضافت مارتين فالسر اعتباراً من عام 1953 في اجتماعاتها. كان الكتاب الألمان، الذين انطووا تحت لواء هذه المجموعة، يضعون نصب أعينهم تشجيع الأدباء الشباب من جيل ما بعد الحرب ومنهم كاتبنا مارتين فالسر، لذا منح فالسر عام 1955 جائزة المجموعة عن احد أعماله القصصية.
نشر فالسر أول عمل أدبي له عام 1955 بعنوان "طائرة فوق البيت" وهو عبارة عن مجموعة قصصية. كما نشر روايته الأولى "زيجات في فيليبسبورغ" عام 1957، التي لاقت نجاحاً كبيراً وصدى في الوسط الأدبي الألماني. وكان من نصيب هذه الرواية ان تكون سبباً في نيله لجائزة هرمان هيسه في ذلك العام. ومنذ ذلك الحين أصبح فالسر كاتباً محترفاً يشار له بالبنان عندما يدور الكلام عن الأدب الألماني الحديث.
أيد فالسر ذو الميول اليسارية كغيره من الكثير من الأدباء الألمان في ستينيات القرن الماضي تولي فيللي برانت لمنصب مستشار ألمانيا. وعارض شن الحرب على فيتنام. كما انه اعتبر خلال سبعينيات ذلك القرن من المؤيدين للحزب الشيوعي الألماني الذي لم ينتمي إليه مطلقاً. فالسر أحس بآلام تقسيم ألمانيا وطالما اعتبر في سلسلة "خطابات عن الوطن" ان هذا التقسيم "هوة موجعة" عليه ان يتعايش معها. كما ان فالسر وظف إشكالية التقسيم هذه في قصته "دورله وفولف".
الجرائم النازية تركت أثراً عميقاً في نفس فالسر
عبر مارتين فالسر في العديد من المناسبات عن حزنه وتأثره الكبير بجرائم النازيين ولم يفوت الفرصة للتعبير عن ذلك في كلمته التي ألقاها في 11 أكتوبر/تشرين الأول عام 1998 حين منح جائزة اتحاد الناشرين الألمان. ويبدو ان هذا التأثر ترك بصماته على اعمال فالسر عموماً، إذ يرى النقاد ان اللغة المعقدة التي يستخدمها فالسر في طرح آرائه تعبر عن عمق تأثره بجرائم النازية.
لم تتسبب آراء فالسر ووجهات نظره سواء السياسية منها أو ما يتعلق بجرائم النازية والمحرقة اليهودية جدلاً دائماً فحسب، بل وحتى عندما دعي الى اجتماع للحزب المسيحي الاجتماعي لإلقاء كلمة، أثار الجدل لدى الرأي العام ولاسيما في الأوساط الثقافية والسياسية. ويعود السبب في هذا الجدل الذي يثيره فالسر حوله إلى الحدية والجرأة التي يطرح بها آرائه من جهة والى تبدل وتقلب مواقفه السياسية من جهة أخرى. ففي الستينات كان مؤيدا للحزب الاشتراكي وفي السبعينات للشيوعيين الى ان انتهى به المقام في التسعينات الى تأييد إلى المحافظين. ورغم تلك التقلبات فإنه مازال يحظى باحترام ومكانة رفيعة في الأوساط الأدبية الألمانية. يعد فالسر اليوم بعد تاريخ طويل من الخلق الأدبي عضوا بارزا في الكثير من الجمعيات والتنظيمات الثقافية الألمانية كأكاديمية الفنون في برلين وأكاديمية الفنون السكسونية والأكاديمية الألمانية للغات والشعر في دارمشتات بالإضافة الى رابطة القلم الألمانية.
كاتب مثير للجدل
وصل عدد الأعمال التي نشرها فالسر إلى الأربعين تقريباً. أما الرواية التي أثارت جدلاً كبيراً في الوسط الأدبي والثقافي فهي رواية "موت ناقد" 2002. وهى تحكي قصة كاتب يتهم بقتل ناقد قام بنقد كتابه بشكل حاد في برنامج تلفزيوني مما أساء الى سمعته، ولكن يتبين فيما بعد انه ليس هناك أية جريمة قتل وإنما الناقد قد اختفى مع صديقته لمدة طويلة. لقد أثارت الرواية جدلاً كبيراً حتى قبل صدورها، لذلك ينظر إليها كرواية أساسية ومفصلية في حياة الكاتب الأدبية الذي اتهم حينها بأنه يقصد إهانة الناقد الألماني المعروف مارسيل رايشينسكي اليهودي الأصل. مما دفع البعض الى اتهامه بمعاداة السامية.
جوائز عدة
مارتين فالسر ليس مثيراً للجدل في إبداعه الأدبي فحسب، وإنما يعد واحداً من اكثر الكتاب الذين تم تكريمهم في حياتهم فقد نال منذ صدور مجموعته القصصية الأولى عام 1955 وحتى الآن حوالي عشرين جائزة أهمها وسام الاستحقاق الألماني 1987 وهو ارفع الأوسمة الألمانية. كما نال جائزة اتحاد الناشرين الألمان لعام 1998، بالإضافة إلى جائزة الأدب الكبرى للأكاديمية البافارية للفنون الجميلة لعام 1990 وجائزة فريدريش شيدل للأدب.هذا وقد كان فالسر لسنوات عديدة عضو لجنة تقييم الأعمال الأدبية التي تطبعها دار سوركامب، التي تعد من اشهر دور النشر الألمانية في مجال تقديم الأعمال الأدبية.