كيف يمكن لأوروبا مواجهة تهديدات أردوغان بفتح الحدود؟
٢٥ أكتوبر ٢٠١٩"أردوغان يبتزنا بشكل لا يطاق"، هكذا تقول نائبة رئيس البرلمان الألماني كلاوديا روت، متحدثة عن تهديدات الرئيس التركي المتواصلة لأوروبا بفتح الحدود والسماح للاجئين الذين يعيشون في تركيا بالتدفق على أوروبا.
وتضيف روت لصحيفة "دي فيلت" الألمانية: "الدول الأوروبية وبضغط من الحكومة الألمانية جعلت الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تعتمد على حكومة تركية تنتهك حقوق الإنسان ولا تطبق اتفاقية جنيف للاجئين".
إلغاء اتفاقية اللاجئين أم تمديدها
وكانت أنقرة وبروكسل توصلتا في آذار/مارس 2016 إلى اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أبواب الاتحاد الأوروبي. ورغم أن الاتفاقية أدت إلى تراجع كبير في حركة تدفق المهاجرين، إلا أنها تلقى انتقادات واسعة من قبل أحزاب سياسية ومنظمات إنسانية.
وترى روت أن إلغاء الاتفاق الأوروبي مع تركيا هو الحل لكي لا تتعرض أوروبا لـ"الابتزاز" من قبل أردوغان، وتوضح: "يجب ألا نسمح أن يتم ابتزازنا من قبل رجل يقول: إذا انتقدتموني أو لم ترسلوا لي الأموال، عندها سأرسل الناس عبر البحر! هذا مثير للشفقة"، مضيفة: "أردوغان يستخدم لاجئي الحرب ويستخدمنا كوديعة سياسية لسياساته المجنونة".
وتشير روت إلى أن إلغاء اتفاقية اللاجئين مع تركيا لا يعني أن تتخلى أوروبا عن اللاجئين هناك، وتشرح: "تركيا استقبلت عدداً من اللاجئين أكبر بكثير من جميع الدول الأوروبية مجتمعة، ولذلك من الصواب أن تدعم أوروبا اللاجئين فيها مادياً من أجل الرعاية الإنسانية والسكن"، وتتابع: "لكن هذا لا يتطلب وجود اتفاقية بشأن اللاجئين مخالفة لقانون اللجوء".
لكن سياسيين آخرين يؤكدون على ضرورة تمديد الاتفاقية الحالية التي تنتهي في عام 2022. وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي، مانفريد فيبر، إنه يؤيد زيادة المبالغ المدفوعة إلى تركيا في المستقبل. وأشار فيبر إلى أن الاتفاقية تساهم في مكافحة عصابات تهريب المهاجرين.
إلا أن السياسي الألماني حذر تركيا في الوقت نفسه من "ابتزاز" الأوروبيين، وأضاف: "من يلعب باتفاقية اللاجئين يهدد العلاقات الاقتصادية بين أوروبا وتركيا، وعلى الأتراك أن يعرفوا ذلك".
زيادة المساعدات أم فرض عقوبات اقتصادية؟
من جهته يؤكد ماكسيميليان بوب، المختص بالشؤون الألمانية التركية في صحيفة شبيغل الألمانية، على ضرورة "أن يتحمل الأوروبيون مسؤولياتهم تجاه اللاجئين في تركيا"، ويضيف لمهاجر نيوز: "يجب ألا يترك الأوروبيون الانطباع بأنهم قابلون للابتزاز من قبل أردوغان".
ويرى بوب، الذي يشغل منصب نائب رئيس الشؤون الخارجية في شبيغل، أن أردوغان لن يفرط في اتفاقية اللجوء، ويضيف: "تهديدات أردوغان فارغة، ولديه اهتمام باستمرار الاتفاقية مثله مثل الأوروبيين، فالأمر يتعلق بالنسبة له بالحصول على مليارات اليوروهات".
وبموجب الاتفاقية، وعدت بروكسل أنقرة بستة مليارات يورو (6.6 مليار دولار). ورغم أن أردوغان قال إنهم لم يحصلوا سوى على ثلاثة مليارات يورو حتى الآن، أكدت ناتاشا بيرتو المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي قدم 5.6 مليار يورو لتركيا بموجب الاتفاق، وإن "الرصيد المتبقي المقرر سيرسل قريبًا".
ويطالب سياسيون في حزبي الخضر واليسار الحكومة الألمانية باتخاذ المزيد من الإجراءات من أجل مواجهة تهديدات أردوغان، كما يقول برلماني حزب الخضر ورئيسه السابق جيم أوزدمير، والذي طالب الحكومة بالضغط على تركيا اقتصادياً. لكن ماكسيميليان بوب يرى أن أي عقوبات اقتصادية أوروبية على تركيا ستزيد من مسألة اللجوء تعقيداً، ويؤكد مجدداً على ضرورة تقديم مزيد من المساعدات الأوروبية للاجئين في تركيا أنفسهم من أجل تحسين أوضاعهم فيها، ما سيدفعهم إلى الاستقرار في تركيا.
منطقة حماية دولية؟
ومن أجل "تحقيق الاستقرار في المنطقة"، دعا مسؤولون في الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة ميركل) مؤخراً إلى إنشاء منطقة آمنة دولية في شمال سوريا. وأكدت زعيمة الحزب، ووزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب-كارينباور، أن "استقرار المنطقة سيسمح بإعادة إعمارها ما سيتيح للاجئين بالعودة الطوعية إليها". كما أشار روديريش كيزه فيتر، خبير الشؤون الخارجية في الحزب، إلى ضرورة إرسال طواقم طبية وعمال إغاثة وخبراء إعادة الإعمار إلى المنطقة.
هذه الدعوات يراها البعض محاولة لتجنب تهديدات أردوغان، إذ قال خبير الشؤون الخارجية في حزب الخضر، أوميد نوريبور، إن تصريحات كرامب-كارينباور الأخيرة حول المنطقة الآمنة "تثبّت الانطباع بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإمكانه ابتزاز ألمانيا عبر التهديد بفتح الباب أمام المهاجرين لأوروبا"، وأضاف: "الخوف من اللاجئين يحجب رؤية الواقع لدى البعض في الحزب المسيحي الديمقراطي".
من جهته اعتبر رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الخضر، أنتون هوفرايتر، أن دعوة زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي لإنشاء منطقة حماية دولية "مناورة تضليل بحتة"، مشيراً إلى أن كرامب-كارينباور "لا تستطيع أن توضح بشكل واقعي كيف يمكن تطبيق ذلك، لا دبلوماسياً ولا سياسياً ولا مادياً".
الاتفاق على آلية لتوزيع اللاجئين
وقد حذر رئيس وزراء المجر من أن تركيا "إما ستقوم بإرجاع اللاجئين إلى سوريا، أو إطلاقهم باتجاه أوروبا"، مهدداً في الوقت نفسه باستخدام القوة لمنع المهاجرين "غير الشرعيين" من دخول بلاده في حال نفذت تركيا تهديداتها.
وبحسب مجلة فيرتشافت فوخه الألمانية، فإن "سياسة اللجوء الأوروبية الحالية هي ما تجعل الاتحاد الأوروبي قابلاً للابتزاز" في مجال اللاجئين.
فمنذ سنوات والدول الأوروبية تحاول التوصل إلى اتفاق من أجل توزيع اللاجئين فيما بينها، لكنها لم تتوصل إلى أي اتفاق بعد، وسط رفض استقبال اللاجئين من قبل بعض الدول الأوروبية، خصوصاً المجر. وبحسب القناة الألمانية الأولى فإن التوصل إلى آلية لتوزيع اللاجئين سيزيد من فعالية نظام اللجوء الأوروبي، كما سيجعل الدول الأوروبية قادرة على استقبال المزيد من اللاجئين دون أن تفقد السيطرة كما حصل في عام 2015.
وكانت دراسة ألمانية قد أكدت مؤخراً أن عدد اللاجئين في تركيا ليس 3.6 مليون، كما تقول الحكومة التركية، مشيرة إلى أن العدد هو حوالي 2.7 مليون لاجئ.
وطالما بقيت أوروبا دون سياسة لجوء موحدة ومتماسكة، كما تقول مجلة فيرتشافت فوخه، فإن "الدول الأوروبية لن تستطيع سوى فعل القليل أو فعل لاشيء أمام تهديدات أردوغان"، بحسب المجلة.
محيي الدين حسين - مهاجر نيوز