مؤسّسة جورجيز أنوتي: خطوات لدفع حوار الأديان إلى الأمام
١٦ مارس ٢٠٠٩تكرس مؤسسة جورجيز أنوتي/ Georges Anawati، التي تأسّست عام 2000 في مدينة آرنسبيرغ الواقعة في ولاية شمال الراين واستفاليا، جهودها لدعم مشاريع صغيرة مؤثرة لإيجاد نقاط تلاقي بين الديانتين المسيحي والإسلامي ودفع عجلة الحوار بينهما، وهي تعد لذلك نموذجا للتواصل والحوار بين المسلمين والمسيحيين. وفي هذا الإطار، استقبلت المؤسسة ضياء الدين حسنين لمدة ثلاث سنوات، وهو مدرّس للتربية الإسلامية في المدرسة الألمانية الإنجيلية في القاهرة، ليدرس الطرق المتبعة لتدريس الأديان المختلفة في مدراس ولاية هامبورغ.
نموذج هامبورغ للدروس الدينية المشتركة
ويسعى حسنين من خلال دراسته "لنموذج هامبورغ" إلى تطوير نماذج تعليمية لتلاميذ من مختلف الانتماءات والمُعتقدات الدينية على أمل التمكن من تعليمها في يوم من الأيام في المدارس المحلّية في مصر، فهو يرى أن هذا النموذج قد يناسب المدراس المصرية التي تضم شعبها أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية تشكل حوالي 10 بالمائة.
ويرى المدرس المصري أن الدروس الدينية التي تتعدى الاختلافات، والموجودة بالفعل في مدرسته بالقاهرة، تعد نموذجاً فريداً ورائداً ويقول في هذا الإطار: "عادة يتم فصل التلاميذ خلال الدروس الدينية حسب انتماءاتهم الدينية منذ السنة الدراسية الأولى وحتى الثانوية العامّة (الباكالوريا)، ففي الوقت الذي يتلقّى فيه التلاميذ دروسا في التربية الدينيةالإسلامية، يتلقى التلاميذ المسيحيين دروسا في الدين المسيحي. ولا يعرف التلاميذ المسلمون أي شيء عن الأديان الأخرى. ولا أعتقد أن المسيحيين يعرفون شيئاً عن الإسلام". ولولا مؤسّسة جورجيز أنوتي لما كان بإمكان المدرّس المصري القيام بدراسته التطبيقية، فهذه المؤسسة، التي يعمل في إطارها كاثوليك وبروتستانت ومسلمون على حدّ السواء، تدعم فرص الحوار.
المؤسسة ترفض اعتبار الإسلام ديناً معادياً
وعن أهداف المؤسّسة يقول غريغور فون فورستينبيرغ، عضو مجلس إدارة المؤسّسة "إن من أهداف المؤسسة إعطاء الفرصة للتلاقي والتواصل وتبادل التجارب". ويضيف فون فورستينبيرغ إنّه يتعين على المسيحيين وعلى المسلمين على حدّ السّواء التحرّك والتقارب فيما بينهم" مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "اتهام المسلمين في ألمانيا أو في العالم بالتطرّف والإرهاب، أو وصفهم بمواطنين مثاليين هراء" ولا يدعم عملية التقارب والحوار. كذلك تعدّ المؤسسة من ضمن الجمعيات والمؤسّسات التي تؤكّد على أن ألمانيا بلد مهاجرين، على عكس بعض الأحزاب السياسية التي لا تؤيد هذه الفكرة، كما ترفض مؤسسة جورجيز أنوتي في ميثاقها تصوّرات ترى في الإسلام دينا مُعاديا للغرب.
يشار إلى أن مؤسسة جورج قنواتي تدعم مشاريع صغيرة ولكن واعدة، حيث يتمّ إعطاء منح لمشاريع حوار أكاديمي أو دعم عروض فنية حول النّساء المسلمات في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك تهدف المؤسّسة إلى فتح المجال للرّأي العام الألماني للتعرّف على الفكر الإسلامي الحديث وذلك من خلال تمويل سلسلة من الدراسات العلمية التي تنشرها دار هيرده للنشر. وبعد صدور كتابين، الأول حول "أخلاق الطبّ الإسلامي، والثاني حول "التفسير الحديث للقرآن في تركيا"، صدر منذ فترة وجيزة كتاب يتضمّن نصوصا للمفكّر الإصلاحي المصري نصر أبو زيد، الذي كان فسّر القرآن من منظور تاريخي نقدي. في هذا الإطار، يقول غيرغور فون فورستينبيرغ إن هذه المشاريع تهدف إلى "كسر الأفكار المسبقة والتخوّف من الآخر من خلال التعرّف على الآخر وذلك من خلال مراحل عدّة: من خلال التواصل اليومي وكذلك من خلال كسب معرفة أفضل عن الآخر من خلال القراءة والمطالعة". ومؤسسة جورجيز أنوتي، التي تتخذ مقرّها في ألمانيا، قد استمدت فكرتها من رجل مصري لعب دورا تاريخيا مميّزا في مجال حوار الأديان ولكنّ صيته وشهرته بقيت مقتصرة على بعض الأوساط فحسب.
جورج قنواتي - أحد أهم دعاة الحوار بين الأديان
جورجيز أنوتي، سوري الأصل ولد في مدينة الإسكندرية عام 1905، وبعد دراسة الصيدلة، قرّر عام 1934 الالتحاق برهبنة الآباء الدومينيكان وأصبح قسيساً في عام 1939. درس الأب أنوتي الأدب العربي الكلاسيكي قبل أن يصبح مديرا للمعهد الدومنيكاني للدّراسات الشرقية في القاهرة، الذي كرّس العاملون فيه جهودهم لدفع الحوار بين الدينين الإسلامي والمسيحي، وكتب طيلة حياته أكثر من 250 كتابا ومقالة علمية حول مواضيع إسلامية متنوّعة من العلوم الإسلامية مرورا بالتاريخ الإسلامي وصولا إلى الفلسفة الإسلامية والتصوّف. كما مكّنته تجربته العلمية ودراساته في إطار الحوار الإسلامي المسيحي من العمل كمستشار في عدد من اللّجان البابوية في الفاتيكان، فساهم في الستينات في انفتاح الكنيسة الكاثوليكية الرسمية نحو الإسلام.
الأمر الذي أدهش مدرس الدين الإسلامي ضياء الدين حسنين، الذي قال إنه لم يكن يعرف بأن شخصا مصريا كان له تأثير من ذلك الوزن على الكنسية الكاثوليكية. ويشير المدرّس المصري إلى أن جورجيز أنوتي يمكن أن يكون قدوة ومثالا لعديد المصريين، المسلمين والمسيحيين على حدّ السواء. ويضيف أنه لم يهتم أبدا بمعرفة الانتماء الديني لزملائه المدرّسين ولكنّه أشار في الوقت نفسه أن المسلمين والمسيحيين لا يعرفون الكثير عن بعضهم البعض. ويقول المدرّس المصري إنه على الرغم من وجود محاولات رسمية للتقريب بين الدينين، إلاّ أن الحوار بين الناس العاديين يكاد يكون منعدما، مشدّدا على ضرورة وجود هذا الحوار في الحياة اليومية. يُشار إلى أنه من المنتظر أن تصدر عام 2010 سيرة ذاتية لجورجيز أنوتي باللّغة الألمانية.
الكاتبة: مارتينا صبرا / شمس العياري
تحرير: سمر كرم