ليست الحرب وحدها.. كيف فاقم الجفاف معاناة السوريين؟
٧ مارس ٢٠٢١على امتداد سنوات، تراجعت معدلات هطول الأمطار بشكل كبير في سوريا، وتزامن ذلك مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة، ما أدى إلى موجة تصحر وتضرّر كبير للأراضي الزراعية، خصوصا في شرقي البلاد. تسبب هذا الوضع بفقدان 800 ألف قاطن في سوريا لمصدر رزقهم، ونفوق 85 في المئة من الثروات الحيوانية في سوريا.
"سوريا تقدم مثالاً رئيسيًا لتأثير التغيّرات المناخية على قضايا موجودة مسبقا، مثل غياب الاستقرار السياسي والفقر وندرة الموارد" يقول جمال الصغير، أستاذ في معهد دراسات التنمية الدولية بجامعة مكغيل في كندا، مشيراً إلى أن التغيرّ المناخي هو أكبر تهديد للأمن العالمي، وهو ما اعترفت به الولايات المتحدة عندما اعتبرت هذه الظاهرة بمثابة تهديدٍ للأمن القومي الأمريكي، خاصة بعد تبيان وجود رابط بين التغير المناخي والنزاعات.
على مدار عقود، منحت الأراضي الزراعية في سوريا للمزارعين إمكانيات مهمة بفضل خصوبتها وإنتاجيتها، خاصة مع الدعم الذي قدمته الدولة السورية لتسويق المحاصيل ما بين 1970 و1990. غير أن البلد عانى من ثلاث موجات جفاف منذ 1980، أشدها تأثيرا كانت ما بين 2006 و2010، واعتبرت الأسوأ على الإطلاق على امتداد 900 عاما.
وبسبب تراجع إنتاج المحاصيل بما يصل إلى الثلثين، بدأت سوريا استيراد كميات كبيرة من الحبوب، ما أدى إلى تضاعف أسعار االأغذية. غير أن "الجفاف استمر وزادت معاناة الناس" يقول الصغير، الذي يوّضح لماذا هاجر 1.5 مليون قروي إلى المدن بحثا عن العمل، ومن بقي كانوا غالبا مزارعين فقراء للغاية، تحوّلوا لاحقا إلى أهداف سهلة للتنظيمات الإرهابية التي جندت عددا منهم كما فعل تنظيم الدولة الإسلامية.
كيف تحوّلت سوريا إلى بلد متفجر؟
الاضطرابات المناخية كانت عاملا إضافيا ومسّرعًا للأزمة السياسية في سوريا، يقول ستافان دي مستورا، المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، لـDW، مضيفا أن الأزمة تعمقت أكثر مع قرار بشار الأسد تقليل الإعانات المقدمة للسكان، فيما يتعلق بدعم الوقود والماء والكهرباء. وزاد استفحال الأزمة مع ندرة المياه والتوترات الطائفية والعرقية في البلد كما يجري بين الكرد والعرب والعلويين والسنة.
"هناك خليط اجتماعي متوتر تحوّل إلى خليط متفجر بعد تداعيات الربيع العربي، وكذلك لأسباب أخرى كالخوف من فقدان الوظائف، والهجرة نحو المدن، زيادة على انخفاض القدرة الشرائية والغضب من الطرق الفظيعة التي ردت بها الحكومة" يقول ميستورا.
وزاد الوضع استفحالا بسبب الوضع الجغرافي لسوريا، ودخول قوى إقليمية على الخط خاصة إيران والسعودية، اللتان تجمعهما عداوة كبيرة. "بدأنا نرى حصارًا مرعبًا حول العديد من المدن والبلدات، حيث لم يعد للسكان قدرة على الوصول إلى الماء أو الغذاء، كما جرى في حمص وحلب"، يضيف ميستورا.
عندما غادر ميستورا سوريا عام 2018، قلّت المعارك الحربية بشكل كبير، مع سيطرة الحكومة على 60 بالمئة من المناطق المأهولة في البلد. ويرى المتحدث أن سوريا لم تعد في خطر حرب شاملة، لكنها لا تزال في خطر الانهيار.
لا حل لإنقاذ سوريا سوى بدعمها
أُجبر 6.6 مليون شخص على هجر بيوتهم داخل سوريا وأكثر من 5 ملايين فروا من البلد حسب معلومات منظمة العفو الدولية. لكن استطاع 82,500 ألف سوري العودة إلى البلد عام 2019 عبر وكالات الأمم المتحدة، كما عاد 412 ألف شخص داخل سوريا إلى مناطقهم الأصلية. غير أن ظروف معيشهم لم تتحسن، فجلّ مناطق البلد تضرّرت بسبب الحرب، ولا يزال الماء نادرًا، بينما تشهد البنى التحتية دمارًا واسعًا وتحتاج إلى إصلاح عاجل في كل أنحاء البلد.
"ربح بشار الأسد تقريباً الأرض في سوريا، لكنه لا يزال بعيدا عن ربح السلام"، يضيف ميستورا في مؤتمر افتراضي نظمته مؤسسة بيغوف وومعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ. من جهته يقول جمال الصغير، الذي عمل سابقا مديرا في البنك الدولي: "تحتاج سوريا إلى إعادة البناء حتى يحل السلام فيها"، إذ يحتاج كل اتفاق للسلام إلى عروض للاستثمار.
غير أن سوريا لوحدها لن تكون لها القدرة على تمويل إعادة إعمار البلد، وتحتاج لأجل ذلك إلى شريكها الرئيسي، روسيا، أو لمساهمة قوى إقليمية لم تكن على وئام مع نظام الأسد كتركيا ودول خليجية. ويبرز الصغير أن هناك "حاجة ماسة لدعم قدرة سوريا على الصمود عبر المساهمة في مرحلة انتقالية جديدة، وذلك بغرض توفير طاقة أكبر وتأمين الحاجيات المائية وتطوير البنى التحتية".
جينفير هوليز/إ.ع