ليبيا: تصعيد جديد.. فماذا يفعل الأوروبيون؟
١٣ ديسمبر ٢٠١٩لا تكاد تهدأ الأوضاع قليلا في ليبيا حتى يبدأ تصعيد جديد في مشهد معقد أصلا منذ سنوات. القائد العسكري خليفة حفتر يعلن حملة عسكرية على طرابلس، طالب فيها قواته بشن "المعركة الحاسمة والتقدم نحو قلب العاصمة".
بعد وعيد حفتر، جاء الرد من حكومة الوفاق الوطني بأن قواتها جاهزة للتصدي لأي "محاولة جنونية جديدة من الانقلابي حفتر". مستجدٌ يرسخ المخاوف من أن تتجه الأمور نحو الحسم العسكري وهو ما لا تريده أطراف خارجية كألمانيا التي تستضيف مؤتمرا خاصا بالأزمة الليبية على أمل تقريب وجهات النظر بين المتدخلين في المشهد الليبي والدفع باتجاه حل سياسي للنزاع. فإلى أي حد يؤثر تضارب مصالح الجهات المتدخلة في الملف الليبي، وأين الاتحاد الأوروبي من كل هذا؟
حروب بالوكالة
الخريطة السياسية لليبيا معقدة، فمن جهة هناك ورقة التنوع القبلي الكبير التي عرف نظام العقيد معمر القذافي كيف يستخدمها لصالحه. استخدام يحصد الليبيون ثماره المرة اليوم، فقد باتت العداوات بين بعض القبائل أحد أسباب انقسام أبناء البلد الواحد. يضاف إلى ذلك كثرة الفاعلين المتدخلين من الخارج وتناقض مصالحهم وتوجهاتهم. فقد أصبح هذا البلد مسرحا لحرب تخوضها دول خليجية بالإضافة إلى مصر ضد خصومها الايديولوجيين وعلى رأسهم تركيا. وتتجلى هذه الحرب في دعم الفريق الأول للقائد العسكري حفتر، بينما تؤيد تركيا وحلفاؤها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
ويقول الصحفي والخبير الليبي علي أوحيدة في تصريحات لـ dwعربية إن "دولا خليجية ومصر تدعم حفتر لأنها ترى في أمن ليبيا القومي أمنها ولا يمكنها السماح لخصومها الايدولوجيين وعلى رأسهم تركيا بالسيطرة على ليبيا وهو ما تتيحه لها حكومة الوفاق".
من جانبه يرى الخبير الليبي حمزة مفتاح أن هناك علاقة تاريخية وثقافية بين ليبيا وتركيا والأخيرة لطالما كانت مهتمة بليبيا ولها فيها مصالح مهمة واستثمرت فيها الكثير منذ عهد القذافي، وبالتالي فما تقوم به أنقرة الآن ما هو إلا محاولة لحماية هذه المصالح. ويضيف مفتاح في تصريحات لـ dwأن "السماح للإمارات والسعودية ومصر وروسيا بمساعدة حفتر في السيطرة على البلاد سيعني بالضرورة خسارتها لكل هذه المصالح".
كيف يؤثر تناقض المصالح على الموقف الأوروبي؟
التدخل الخارجي في ليبيا لا يتوقف عند هذه الأطراف الإقليمية فلكل من الفريقين وحلفائهم على الأرض داعمون آخرون سواء في أوروبا وبالخصوص فرنسا وإيطاليا، أو خارجها كما هو الحال بالنسبة لروسيا، فبحسب مراقبين تمكن حفتر من تحقيق تقدم في بعض المناطق مؤخرا بفضل الدعم الروسي له. ويرى علي أوحيدة أن روسيا في الواقع "تلعب على حبلي الوفاق وحفتر معا، فهي تريد استفزاز الأوروبين ووضع قدم لها في ليبيا كما فعلت في سوريا".
ومازال التنافس يشتد بين باريس روما في ليبيا، فالأولى تُعتبر عرابة التدخل العسكري الغربي في ليبيا من خلال الرئيس الأسبق ساركوزي، التدخل الذي اعتبرته إيطاليا وقتها تهديدا لمصالحها. هذا الصراع يتجسد على الأرض في دعم روما لحكومة الوفاق الوطني، بينما تدعم باريس حفتر في الخفاء، أما في العلن فتعلن دعمها لحكومة الوفاق.
وعلى صعيد الاقتصاد والطاقة يتجسد الصراع أيضا من خلال المنافسة الشرسة بين شركتي الغاز والنفط التابعتين للبلدين وهما توتال الفرنسية وإيني الإيطالية. وحتى على صعيد الجهود الدبلوماسية، حرصت كل دولة على إطلاق مبادرات ولقاءات، كمبادرتي باريس وباليرمو في 2018، كانت تسعى جهرا من خلالها إلى إيجاد حل سياسي، لكن كل طرف كان يُتهم بأنه يحاول من خلال هذه المبادرات ترجيح كفة حليفه وحشد الدعم له.
رغم هذا التناقض يبقى هناك ما يجمع عليه الأوروبيون فيما يخص ليبيا وضرورة استقرارها كما يقول الصحفي الليبي علي أوحيدة ويركز بالخصوص على مسألتي الأمن والطاقة، إذ أن دول الاتحاد الاوروبي عموما "مهتمة بأن لا يسقط جوارها الجنوبي في الفوضى، لأن ذلك سيعني مشاكل أمنية كبيرة في المنطقة وخطرا على موارد الطاقة". وهناك عنصر آخر مهم يتحدث عنه الخبير الألماني أندرياس ديتمان في تصريحات ل dwعربية وهو الهجرة؛ فالأوروبيون لا يريدون استمرار موجات الهجرة غير النظامية انطلاقا من ليبيا، وهذا يطرح إشكالية أخرى، يشرحها الخبير الألماني في "أن أوروبا تعترف رسميا بحكومة الوفاق كمتحدث رسمي، ولكن إيقاف قوارب الهجرة من سواحل ليبيا يفرض إبرام اتفاقات مع القوات التي تسيطر على المناطق التي ينطلق منها المهاجرون".
ما مصير مؤتمر برلين في ظل هذا التصعيد؟
وبالإضافة إلى التباينات في المواقف والمصالح بين دول أوروبية، برز خلاف جديد زاد الطين بلة، فقد خلق اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني أزمة ديبلوماسية مع اليونان التي ترفض هذا الترسيم لكونه يتجاهل وجود جزيرة كريت. الاتحاد الأوروبي عبر عن رفضه أيضا لهذه الاتفاقية وتأييده للموقف اليوناني. ومع كل هذه الخلافات والأزمات أصبح مؤتمر برلين الذي جرى التحضير له بكثافة وسبقه حراك دبلوماسي كبير بهدف إنجاحه، أصبح على المحك. وباتت هناك مخاوف من أن يُنسف حتى قبل تنظيمه.
ويبدو أن للتصعيد الحالي دور في تأجيل المؤتمر فبينما كان يتم الحديث عن أنه سَيُعقد هذا العام وتحديدا خلال الشهر الجاري، تأجل المؤتمر مبدئيا إلى شهر يناير من العام المقبل دون تحديد موعد محدد.
المخاوف بخصوص ما تشهده ليبيا حاليا لا تنحصر فقط في فشل الجهود الدبلوماسية والابتعاد بخطوات أخرى عن الحل السياسي، وإنما أيضا في حجم العنف والمعارك الدامية الذي ستشهده ليبيا قريبا إذا شُنت فعليا حملة عسكرية كبيرة على قلب طرابلس بالطريقة التي يصورها حفتر، فالعاصمة ومحيطها يضمان نحو ثلث سكان البلاد.
سهام أشطو