انتخابات مؤجلة ومخاوف من الأسوأ.. ما الذي يحدث في ليبيا؟
٦ أكتوبر ٢٠٢١وضع يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم في ليبيا. وتفاقم بعدما أجرى مجلس النواب الليبي تعديلاً على موعد الانتخابات المرتقبة، فبدلاً من أن تعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً، تقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها، على أن تؤجل الانتخابات التشريعية إلى كانون الثاني/يناير المقبل، بعدما كان مقرراً تنظيمهما معاً في 24 كانون الاول/ديسمبر، على أن يتم اعتماد انتخاب الرئيس الجديد من طرف مجلس النواب الحالي.
حفتر في قلب قوانين "مثيرة للجدل"
وكان المتحدث باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بليحق، قد نشر على صفحته في موقع فيسبوك نصاً من 75 مادة يحمل توقيع رئيس المجلس عقيلة صالح، ينظم الانتخابات الرئاسية:
أيضاً تسبب إقرار البرلمان الحالي لقانون انتخابي "مثير للجدل" في غضب المجلس الأعلى للدولة، خاصة وأن القانون تم تمريره من دون طرحه للتصويت، ويحتوي على الكثير من التفاصيل المقلقة مثل منع الأحزاب من المشاركة بنظام القائمة، وأن تكون المنافسة على المقاعد بالشكل الفردي، ما أثار موجة استياء بين عدد كبير من الأطراف السياسية.
كما أثارت المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية انتقادات حادة كونها تنصّ على إمكان ترشح "مسؤول عسكري" بشرط التوقف "عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب يعود لسابق عمله"، ما بدا معه أن المادة صيغت لتلائم المشير خليفة حفتر، الذي يفرض سيطرته بقواته المسلحة على شرق ليبيا، والذي عمد بدوره في 23 أيلول/سبتمبر إلى "تجميد مؤقت" لمهامه العسكرية ونقل قيادة قواته إلى الفريق أول عبد الرزاق الناظوري الذي يشغل أيضاً منصب رئيس أركان القوات التي يقودها.
وقد يكون ترشيح حفتر المحتمل سببا للشقاق والانقسامات بعد هجومه الذي استمر 14 شهراً على طرابلس وألحق أضراراً بأحياء المدينة كلها قبل دحره العام الماضي.
وقال يوسف محمد وهو من سكان طرابلس "سيكون ضغط على الشعب، يعني عندما يرشح الشعب أحد في الانتخابات أو يعطي صوته، سيكون تحت الخوف"، بحسب ما نشرت رويترز.
تأتي خطوة حفتر في الوقت الذي أقر فيه الكونغرس الأمريكي تشريعًا يلزم الرئيس الأمريكي بالتحقيق مع رجل ليبيا القوي بشأن جرائم حرب محتملة. وفي مقابلة مع مجلة فرنسية قبل عام ، قال حفتر إن "ليبيا ليست مستعدة بعد للديمقراطية".
لكن طارق المجريسي، المختص بالشؤون الليبية قال إن "حفتر يحتفظ بسلطة التخويف لكنه فقد مكانته. لقد تمردت الجماعات البارزة تحت قيادته أو رفضت الأوامر بهدوء ، وحتى في مقره في شرق ليبيا ، يتم الاستهزاء بانتظام بفكرة أنه رجل قوي" وفق ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية.
يأتي ذلك في الوقت الذي أشار فيه سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، إلى احتمال ترشحه أيضاً، كما تردد بقوة اسم وزير الداخلية السابق والرجل القوي في الغرب، فتحي باشاغا.
خلاف بين الرئاسي والبرلمان
المجلس الأعلى للدولة الذي يعد بمثابة غرفة ثانية للبرلمان، أعلن رفضه لقانون الانتخابات التشريعية. ودفع الخلاف حول القوانين الانتخابية - ولاسيما الرئاسية - مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى عقد اجتماع تشاوري في المغرب نهاية الأسبوع الماضي لبحث التوافق بشأن إقرار القوانين الانتخابية.
وقال محمد عبد الناصر المتحدث باسم المجلس الأعلى للدولة في تغريدة عبر تويتر "يؤكد مجلس الدولة عزمه والتزامه بموعد الانتخابات في ال 24 من ديسمبر القادم"، لافتاً إلى تحميل مجلس النواب وأعضائه المسؤولية، في حال حدوث أي "تأجيل" أو "تعطيل" لموعد الانتخابات، بسبب التصرفات "أحادية الجانب".
على الجانب الآخر، أكد خبراء سياسيون لصحيفة الغارديان البريطانية أن هناك دلائل على أن الحكومة المؤقتة، والمعينة نظرياً من قِبل الأمم المتحدة لإدارة شؤون البلاد قبل الانتخابات، قد تسعى للاستفادة من المأزق للبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى.
وقال طارق المجريسي، المختص بالشؤون الليبية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "الأزمة هي أن ليبيا تفتقر إلى أي مؤسسات سياسية ذات شرعية شعبية بلا منازع، وذلك منذ أن تم التصويت على المؤتمر الوطني العام لتولي السلطة في عام 2012.. هذا الأمر يخلق ساحة سياسية تشعر فيها النخب الحالية بالقدرة على التنصل من مسؤولياتها الدستورية المتمثلة في وضع اللمسات الأخيرة على دستور جديد وإنهاء الفترة الانتقالية".
ثقة مفقودة
بعد أن أعلن رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح المصادقة على قانون للانتخابات الرئاسية، قال منتقدوه إن القانون يهدف للسماح لعقيلة بالترشح دون المجازفة بمنصبه كرئيس للمجلس، وإنه تمت الموافقة عليه في تصويت معيب.
وذهب صالح هذا الأسبوع إلى أبعد من ذلك، حينما سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في خطوة بدا أنها تهدف إلى تقليم أجنحتها من خلال تقويض شرعيتها، في تصويت أثار أيضاً اتهامات بسوء النوايا.
واتهم البرلمان الحكومة الليبية بإنفاق 51 مليار دينار ليبي (11 مليار دولار) في ثلاثة أشهر دون أي تأثير على الخدمات، وفرض التزامات على ليبيا من خلال اتفاقيات مع دول أخرى بقيمة 84 مليار دينار. ووجه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح ، الحكومة بعدم التوقيع على المزيد من العقود.
جلال حرشاوي الباحث في الشأن الليبي لدى مركز أبحاث المبادرة العالمية قال "إنها طريقة لخلق حاجة ملحة أكبر لإجراء الانتخابات، لأن هذه الإعلانات تجعل من الصعب على أي شخص التعويل على بقاء حكومة الدبيبة"، وفق ما نشرت رويترز.
لكن رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة رد على تحرك البرلمان قائلاً إنه "لم يكن قانونياً ولا دستورياً ولا أخلاقياً، وقال إن مجلس النواب كان مليئاً بالعراقيل وبالأشخاص الذين يريدون الحرب والدمار فقط.
ضغوط غربية
وتدفع الولايات المتحدة ودول أوروبية نحو إجراء انتخابات في ليبيا بأي ثمن، وأكد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية على "دعم الولايات المتحدة لليبيا ذات سيادة ومستقرة وموحدة آمنة وخالية من التدخل الأجنبي" .
أما وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو ، فقد حذر من أن الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة سيتعرض للخطر إذا لم تجر الانتخابات كما هو مخطط لها، بحسب ما نشرت صحيفة الغارديان.
بدوره، حذر يان كوبيتش مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا من أن الإخفاق في عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعدها قد يجدد الانقسام والصراع، ويحبط الجهود المبذولة لتوحيد الدولة الواقعة في شمال إفريقيا الغنية بالنفط، بعد عقد من الاضطرابات.
وقال كوبيتش أمام مجلس الأمن إن "إجهاض الانتخابات سيكون بالنسبة للكثيرين إشارة إلى أن العنف هو السبيل الوحيد للوصول إلى السلطة في البلاد"، مضيفاً أنه "يمكن تنظيم الانتخابات البرلمانية بالاستناد إلى القانون الحالي مع احتمال إدخال تعديلات يمكن النظر فيها والموافقة عليها في غضون الأسبوعين المقبلين".
وأي انتخابات ستجرى في البلدات والمدن التي تسيطر عليها فصائل مسلحة قد يكون قادتها مرشحين ربما تفتح الباب أمام اتهامات بالتزوير من جانب المعارضين الخاسرين.
وقال جلال حرشاوي الباحث في الشأن الليبي لدى مركز أبحاث المبادرة العالمية "من الواضح أن مستوى السيطرة في المناطق التي يهيمن عليها حفتر يتيح له تنظيم الانتخابات بصوره تضمن له الفوز".
أزمة المرتزقة
واستقطبت الحرب قوى أجنبية مختلفة إلى جانب مجموعات من المرتزقة الأجانب بعضها يتبع تلك الدول ويحظى بدعم غير رسمي منها وبعضها ليس كذلك.
وتزيد قضية المرتزقة من المخاطر في أي جولة قتال جديدة، لكن مع ترسخ أقدام القوى الكبرى فإن هذا قد يعني أيضاً أن ما من أحد سيخاطر بحدوث حرب شاملة أخرى، وسيعود الانقسام الفوضوي الذي عصف بليبيا لسنوات.
وكانت وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش قد أعلنت عن خروج عدد محدود من المرتزقة من بلادها، مؤكدة بأن طرابلس تسعى من خلال مؤتمر دولي ينعقد الشهر الجاري لتنظيم خروج شامل للمرتزقة.
وقالت المنقوش في مؤتمر صحفي: "الخبر صحيح (...)، هي بداية بسيطة جداً، وما زلنا نسعى إلى خروج أعداد أكبر"، لكنها لم تكشف عن أعداد المرتزقة المغادرين ولا جنسياتهم ولا موعد خروجهم.
وأضافت نجلاء المنقوش "لا زلنا نسعى إلى تنظيم أكبر وشامل لخروج المرتزقة وهذا ما نسعى إليه في مؤتمر استقرار ليبيا الذي سيعقد نهاية الشهر الجاري، لوضع خطة في لجنة 5+5 وفق جدول زمني".
ونصّ اتفاق وقف إطلاق الدائم الذي وقعه الفرقاء في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة خلال 90 يوماً من تاريخ إبرام الاتفاق.
وانتهت المهلة المقررة لخروج هذه القوات نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، دون أن يتحقق ذلك. وتقدر الأمم المتحد عدد القوات الأجنبية والمرتزقة المنتشرين في مختلف أنحاء ليبيا بنحو 20 ألفا.
متفائلون ومتشائمون
ويرى فولفرام لاخر الباحث في الشأن الليبي بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (إس.دبليو.بي) في برلين أن "العملية الانتخابية تتجه صوب كارثة مهما آلت إليه الأمور"، مضيفاً أنه "حتى في أفضل الحالات التي لن تكون فيها مقاطعة واسعة أو عنف، هناك خطورة كبيرة تتمثل في عدم اعتراف الخاسرين بالنتائج"، بحسب ما أوردت وكالة رويترز.
وبهذا الشأن أيضاً، قال أحد المراقبين لصحيفة الغارديان البريطانية - رفض ذكر اسمه- "إن الصعوبة في الانتخابات هي أنها قد تكون في صالح من يدفع بأكبر عدد من الميليشيات لتعبئة أغلب صناديق الاقتراع".
وليس ثمة إجماع على ذلك التقييم، فهناك كثيرون يرون أنه مهما كانت المخاطر فإن الانتخابات هي أفضل سبيل لقلب صفحة صراعات لا تنتهي بين القوى القائمة ولإضفاء الشرعية على الحاكمين.
رشيد خشانة المحلل السياسي والخبير في الشأن الليبي، أكد في تصريحات لرويترز أن الانتخابات هي الحل لتجنب تدويل الصراع وإنقاذ الليبيين من احتمال تقسيم البلاد إلى دولتين: واحدة في الشرق، الذي يحتوي على جميع ثروات البلاد تقريباً، وأخرى في الغرب.
عماد حسن