لهيب ثورتي تونس ومصر يطال نظام القذافي
١٨ فبراير ٢٠١١اندلعت في العاصمة طرابلس وكبريات المدن الليبية الأخرى كبنغازي موجة احتجاجات غير مسبوقة ردد فيها المتظاهرون هتافات تطالب بإسقاط نظام العقيد القذافي. وهو نظام بدا لحد الآن في تحليلات عدد من المراقبين، وكأنه يتمتع بحصانة ضد رياح الاحتجاج التي تجتاح العالم العربي رغم أن القذافي ديكتاتور يقبض بيد من حديد على مصير شعبه منذ أكثر من أربعة عقود.
وفي حوار لدويتشه فيله رأى الدكتور حسني عبيدي رئيس مركز الدراسات المتوسطية والعالم العربي في جنيف، أن "هذه الاحتجاجات قد لا تشكل خطرا فوريا على النظام القائم في ليبيا إلا أن التجربتين التونسية والمصرية علمتنا عدم الاستخفاف بإرادة وقدرة شعوب المنطقة". فما هي إذا الآليات التي يعتمد عليها نظام القذافي لضمان سيطرته على الحكم وهل هنالك مؤشرات على تآكله(النظام) من الداخل؟
مقومات استمرارية النظام الليبي
يعتمد النظام الليبي على مجموعة من الآليات لضمان استمراره في الحكم لعل أهمها امتلاكه لإمكانيات مادية ضخمة يجنيها من عائدات النفط والتي يستعملها "لشراء الذمم والسلم الاجتماعي" على حد تعبير عبيدي الذي أضاف أن "النظام يوظف أيضا التوازن القبلي كما أنه لا يتردد في استعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين". والمقصود هنا بالعامل القبلي قوة دور العشيرة في الحياة الاجتماعية الليبية، لذا يعتقد عدد من المراقبين أن هذا العامل سيكون أساسيا في حالة ظهور أي تحد لحكم القذافي. ولم يستغرب عبيدي انطلاق شرارة الاحتجاجات من بنغازي واصفا إياها بالمدينة "المناهضة"، باعتبارها معقلا تقليديا للمعارضة الليبية، وبالتالي فإن الاختبار الحقيقي لنظام القذافي هو مدى اتساع نطاق المظاهرات إلى باقي المدن الليبية.
وفي حوار مع دويتشه فيله أضاف علي زيدان من الرابطة الليبية لحقوق الإنسان المقيم في مدينة ميونيخ الألمانية، أضاف عنصرا آخر يمكن وصفه بالأمني والجغرافي "فبخلاف تونس ومصر فإن النظام الليبي قادر على عزل مناطق البلاد عزلا كاملا" بحكم شساعة المساحة الجغرافية وقلة السكان، فعلى سبيل المثال تبعد بنغازي عن العاصمة طرابلس بحوالي ألف كيلومتر. وفي تصريح لرويترز قال مصطفي الفيتوري المحلل السياسي والأستاذ في جامعة طرابلس "إن الليبيين لديهم مشكلات وإن مجتمعهم متخلف في كثير من المجالات مشيرا إلى أن هناك مشكلات مشروعة لابد من حلها"، إلا أنه استبعد أن تتطور الأمور إلى ما حدث في مصر معتبرا أن "القذافي لا يزال يحظى بتقدير كبير".
إلا أن حسني عبيدي اعتبر أن مقومات بقاء نظام القذافي تقلصت إلى المستوى الاقتصادي والمادي أما من الناحية السياسية "فهناك فراغ كبير في ليبيا، صحراء قاحلة في مجال الحريات وفي توزيع الثروات المحتكرة من قبل حاشية القذافي".
تآكل النظام من الداخل
وإلى جانب التحليلات التي تستبعد انهيار نظام القذافي في الوقت الراهن، هناك وجهات نظر أخرى تراهن على تداعيات هذه الاحتجاجات على المدى المتوسط والبعيد، فالتغلب على حاجز الخوف والخروج للتظاهر يعتبر في حد ذاته انجازا في ليبيا. ثم إن انهيار نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في ظرف أسابيع ألغى بجرة قلم كل فرضيات استقرار الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي. وبهذا الصدد قال حسني عبيدي "الجماهيرية باتت محاصرة جغرافيا بالتجربتين التونسية والمصرية، تجربتين تعيشان الانتقال السلمي للسلطة، لذلك لم يعد من الممكن الجزم بأن نظام القذافي سيستمر طويلا".
ومن العوامل الرئيسية التي تهدد نظام القذافي تفاقم الفساد والمحسوبية، "الفساد قائم في ليبيا لدرجة أن العمولة تحدد أولا وبعد ذلك يقام لها مشروع اقتصادي أو تجاري"، كما يوضح علي زيدان من الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، الذي انتقد تبذير الثروات الهائلة واستثماراتها في إحكام السيطرة الأمنية، مشيرا إلى بداية تآكل النظام من الداخل "مع تقدم القذافي في السن وأولئك الذين قاموا معه بالثورة باتوا كلهم أكثر من السبعين". وبالتالي فإن قمع الاحتجاجات الحالية وحشد آليات الدعاية ضد المعارضة سواء في الداخل أو في الخارج قد يحقق نتائج آنية إلا أنه قد لا يغير من عوامل تآكل النظام من الداخل في ظل غياب الحرية والديمقراطية وتفشي الفساد واحتكار الثروة.
فيما يرى مراقبون أن الاستعمال المفرط للقوة وهيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة السياسية في ليبيا هو سيف ذو حدين قد يحقق نتائج آنية إلا أنه قد لا يضمن استقرار النظام على المدى البعيد خصوصا أمام زوال حاجز الخوف والأفق الذي خلقه نموذجا ثورتي تونس ومصر.
حسن زنيند
مراجعة: منصف السليمي