لمحة عن المعاهد التخصصية العليا في ألمانيا
عندما يتوجه محمد، وهو طالب فلسطيني يعيش في ألمانيا، صباح كل يوم إلى المعهد التخصصي العالي في مدينة غيسن ينتابه شعور بالراحة والسرور، لا سيما في الآونة الأخيرة. فبعد اربعة شهور فقط، سينهي دراسته التي بدأها قبل ثلاث سنوات ونصف. حين قدم محمد إلى ألمانيا قبل أربع سنوات ونصف، لم يكن يعرف الكثير عن نظام التعليم العالي فيها، كما أنه لم يكن يعلم أن هناك مؤسسات تعليمية في ألمانيا تعرف بـ "المعاهد التخصصية العليا" الى جانب الجامعات. وتعتبر هذه المعاهد بمثابة جامعات، ولكنها تتميز عن الأخيرة بتركيزها على الناحيتين التدريبية والعملية، بجانب تركيزها على الناحية النظرية. وكان هذا سبباً كافياً دفع محمد إلى الانتقال من جامعة ماربورغ، حيث كان قد بدأ بدراسة تخصص الصيدلة، ليلتحق بالمعهد التخصصي العالي التابع لمدينة غيسن حيث يدرس الآن تخصص هندسة الآلات الطبية.
تكاليف أقل
وبصفتها الدعامة الثانية لنظام التعليم العالي الألماني توفر المعاهد التخصصية العليا تعليما ذي طابع عملي، وخاصة في مجالات الهندسة والمعلوماتية والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والاقتصاد والصحة. وتختتم الدراسة في هذه المعاهد باختبار الدبلوم. ومنذ العام 1998 أصبح من الممكن منح درجات البكالوريوس والماجستير في كثير من المعاهد العليا. وبينما تملك الجامعات والمعاهد العليا المساوية لها الحق بمنح درجة الدكتوراه، تملك الجامعات وحدها حق منح درجة الأستاذية. وفي ألمانيا يختار واحد من كل أربعة طلاب هذا النمط من الدراسة، وذلك وفقا لآخر الإحصائيات المتعلقة بهذا الامر. ويقول محمد أن أحد الأسباب المهمة التي شجعته أيضاً على الانتقال للدراسة في معهد عال هو قصر مدة الدراسة فيه مقارنة بالجامعة، الأمر الذي يترتب عليه انخفاض في تكاليف الدراسة. فعلى الرغم من الرسوم المنخفضة للجامعات في ألمانيا مقارنة ببلدان أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، يبقى غلاء المعيشة في ألمانيا وفي أوروبا بشكل عام العائق الأكبر أمام الكثير من الطلبة الأجانب من دول العالم الثالث. وقد يؤدي هذا في كثير من الأحيان إلى طول مدة الدراسة وربما إلى فشل البعض في إتمامها.
صورة واقعية للعمل الوظيفي
كانت المعاهد التخصصية العليا تعتبر ومنذ تأسيسها قبل حوالي 30 عاماً بمثابة الأخت الصغرى للجامعات، ثم تطور بها الحال حتى أصبحت الآن منافسة عنيدة لها. وفي السابق كان يقتصر دورها في الأصل على منح التدريب العملي للمهندسين ورجال الاقتصاد العاملين في الشركات والمؤسسات والعاملين في المجال الاجتماعي. أما اليوم فيعتبر البعض أن هذه المعاهد هي بمثابة "معاهد المجتمع الصناعي الحديث"، حيث أنها تتميز بتحديد هدف تعليمي واضح مبني على صورة واقعية للعمل الوظيفي، بالإضافة إلى خطط دراسية موضوعة بدقة وترتبط ارتباطاً مباشرا بسوق العمل. وغالباً ما يكون مدرسو هذه المعاهد من ممارسي المهن أو من المدراء الملمين بمتطلبات أصحاب الشركات فيما يتعلق بموظفيهم المستقبليين، وبالتالي فهم يدرسون الطلبة بشكل مرن يتناسب مع هذه المتطلبات. ويتوجب على طلاب المعاهد العليا قضاء فصل تدريبي في أحد الشركات أو المصانع، كل حسب تخصصه. وهنا يحصل الطالب على فرصة الاحتكاك المباشر مع واقع الحياة العملية، وتتاح له فرصة تطبيق ما تعلمه من مواد نظرية على أرض الواقع تحت إشراف أناس متمرسين. كما يتيح هذا التدريب فرصة ذهبية لخريجي المعاهد العليا بإمكانية حصولهم على أماكن عمل في الشركات التي كانوا قد تدربوا فيها أثناء دراستهم.
معاهد عليا ألمانية في العالم العربي
وفي إطار توثيق التعاون الأكاديمي بين ألمانيا من جهة وكثير من الدول العربية من جهة أخرى، تم في السنوات القليلة الماضية افتتاح الجامعة الألمانية في القاهرة، وجامعة الوادي الألمانية السورية في محافظة حمص والجامعة الألمانية الأردنية في عمان. ويقول البروفسور رونالد مونش مدير مشروع الجامعة الألمانية الأردنية في عمان أن الجامعة الألمانية الأردنية تنتهج فلسفة المعاهد التخصصية العليا في ألمانيا، وذلك من خلال تركيزها على الجانب التطبيقي، وليس النظري فقط. ويتوجب على طلبة التخصصات المختلفة في الجامعة قضاء فصلين على الأقل في ألمانيا، الأول في إحدى الجامعات أو أحد المعاهد العليا، والآخر في إحدى الشركات أو أحد المصانع الألمانية. ويصف مونش الدراسة في الجامعات العربية بأنها تركز في مجملها على الناحية النظرية بشكل بحت ولا تعير الناحيتين التطبيقية والعملية سوى اهتماما ضئيلاً. وقال أن الجامعات العربية لا تحاول تكييف خططها التعليمية بحيث تتناسب مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل المتغيرة، وهذا ما تحاول أن تتميز به الجامعات الألمانية في هذه الدول.
إياد حميدة