لماذا يتمتع بوتين بحب الروس؟
٢ ديسمبر ٢٠٠٧دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تقديم نفسه في الإعلام في صورة الرجل القوي الصارم. ولعل صورته أثناء القمة الأوروبية الروسية الماضية في منتجع سمارا الروسي خير مثال على ذلك، إذ وقف بوتين بنظارات شمسية عاكسة وبذلة سوداء ضيقة إلى جوار المستشارة الألمانية ميركل ليبدو كعميل محترف في أحد أفلام الجاسوسية وليس كرجل دولة مهمة انتُخب بطريقة ديمقراطية.
وفي أغسطس/آب الماضي خرجت وسائل الإعلام بصورة تظهر بوتين وهو يصطاد السمك عاري الصدر ومطوقا عنقه بقلادة فضية، وذلك أثناء زيارة أمير موناكو البرت الثاني إلى سيبريا. الخبير بالشؤون الروسية في معهد الدراسات الأمنية والسياسة الدولية هانز-هينينج شرودر يفسر ذلك قائلا: "يطيب للرئيس بوتين أن يقدم نفسه في صورة الرجل القوي القادر على تقديم الحماية، إنه في الحقيقة يجسد الصورة التي تتمناها المرأة الروسية".
بوتين موطن ثقة الروس
غير أن صورة بوتين كمنقذ روسيا القوي تعكس في جانبها الأكبر افتقار الروس إلى الثقة في المؤسسات والشخصيات الوطنية. فعندما سُأل الروس عن المؤسسة التي تحوز على ثقتهم أجاب 70 بالمائة منهم بأنه الرئيس، في حين وضع 10 بالمائة فقط ثقتهم في الأحزاب السياسية، وقال 8 بالمائة إنهم يثقون في النقابات ورأى 15 بالمائة أن القضاء هو الجهة الجديرة بالثقة. ويعقب الخبير هانز-هينينج شرودر قائلا: "لا تخلو نتائج استطلاع الرأي من صحة، فالأحزاب السياسية تتغير كل عام، وكثير منها لا يتمتع بقاعدة شعبية وإنما أسست من أعلى، والنقابات لا تهتم برعاية مصالح أعضاءها، أما القضاء فهو فاسد".
ما تبقى إذن هو صورة بوتين الرئيس القوي الذي قاد بلده لتستعيد مكانتها القديمة كقوة مؤثرة بعد سنوات التخبط أثناء حكم سلفه يلتسين في تسعينيات القرن الماضي، كما نجح في تحقيق قدر مهم من الرخاء الاقتصادي لمواطنيه، هكذا ينظر بعض الروس إلى رئيسهم. غير أن الباحث فالك بومسدورف من مؤسسة فردريش ناومان في موسكو له رأي آخر، إذ يعلق بالقول: "الرخاء الاقتصادي لا يعود الفضل فيه إلى بوتين وحده، وإنما يعود بشكل كبير إلى ارتفاع أسعار النفط".
المزيد من الرخاء تحقق أثناء حكم بوتين
المراقب للشأن الروسي سيلمح تحسنا واضحا في الأحوال المعيشية للروس منذ أن جمع بوتين الخيوط الأساسية للاقتصاد في يده. فقد ارتفعت الأجور في الأعوام الثمانية الماضية بمقدار 50 بالمائة، وتكونت في روسيا طبقة اجتماعية يمكن تسميتها طبقة وسطى. يقول توماس كونتزه من مؤسسة كونراد أديناور سابقا: "لقد تشكلت طبقة من رجال الأعمال الجدد الذين يديرون شركات صغيرة أو متوسطة، هذه الطبقة التي لم يكن لها وجود قبل بوتين لديها اهتمام كبير بأن يبقى في سدة الحكم".
التحسن الاقتصادي في روسيا جاء بعد فترة عصيبة. فعلى نقيض ما حدث في ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لم يؤدِ تدشين العملية الديمقراطية في روسيا بعد نهاية الحكم الشيوعي إلى تحسين جودة حياة المواطنين. فقد أصبحت الأجور في فترة حكم بوريس يلتسين غير كافية للمعيشة بأي حال، ويقول الخبير هانز-هينينج شرودر في هذا السياق "لقد كانت تلك هي الفترة الذي كان الجميع فيه يصارعون من أجل البقاء."
وجه آخر لبوتين
شخصية الرئيس بوتين هي الوحيدة القادرة في الوقت الحاضر على توحيد المجتمع والدولة، حسب ما يرى الخبير هانز-هينينج شرودر. لذلك يحيي الكثير من الروس رغبة بوريس جريسلوف رئيس حزب روسيا الموحدة في أن يصبح بوتين قائدا وطنيا بحيث تمتد سلطته حتى بعد نهاية فترة ولايته الرئاسية.
لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية يرى المرء صورة أخرى لبوتين. فالخبير هانز-هينينج شرودر يرى أن طريقة بوتين في اتخاذ القرارات الداخلية تفتقر إلى نفس الحزم والصرامة التي يتعامل بهما في قضايا السياسة الخارجية، ويقول: " انطباعي هو أن بوتين لم يستطع أن يفرض رأيه فيما يتعلق بالقضايا الشائكة". فقضية إصلاح نظام التأمين الصحي وغيرها من القضايا الساخنة لم يتطرق إليها بوتين منذ أربع سنوات. كما أنه سرعان ما سحب بعض الإصلاحات الاجتماعية التي أقدم عليها عام 2005، بعد قيام مظاهرات صغيرة للاعتراض عليها.
"بوتين ألماني نموذجي"
أما فيما يخص الصراعات داخل الحكومة فإن بوتين ليس السياسي الذي يحسم الأمور بسرعة، فقبل خمس سنوات ثار خلاف علني بين وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيين لمدة أشهر حول السياسة الأمنية دون أن يبادر بوتين بالتدخل. ويقول الخبير هانز-هينينج شرودر "لو حدث أمر كهذا في ألمانيا لفقد أحد المسئولين أو كلاهما وظيفته فورا".
لماذا يحب الروس بوتين برغم كل شيء؟ ربما لأن نظام بوتين يشبع بشكل كاف احتياجات الروس غير المنخرطين في السياسة أو في صفوف المعارضة. بوتين في النهاية لا يجسد الصورة النمطية للروسي، كما يقول الخبير هانز-هينينج شرودر، ويضيف "بوتين في الحقيقة يلبي الصورة النمطية للألمان أكثر من الصورة النمطية للروس، كروسي يتوقع المرء اتساع في الروح والمزيد من الثمل".