لماذا لا يستعيد العراق مكانته في سوق النفط العالمية؟
٢٨ يناير ٢٠٠٦بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على حرب العراق وسقوط نظام صدام حسين، يتساءل البعض عن مدى استفادة العراقيين من عائدات النفط ولماذا لا يعود العراق، الذي يمتلك حوالي عشر الاحتياطي العالمي من النفط، إلى السوق العالمية بالحجم الذي كانت عليه طاقته التصديرية في السابق، لاسيما وأن احد أهم أهداف الحرب الأمريكية على العراق كان إسقاط كابوس نظام صدام حسين المتربع على هذا المخزون النفطي الضخم؟
إلى ذلك، تشير الأرقام إلى أن إنتاج العراق من النفط في الوقت الحالي لا يتجاوز 1.9 مليون برميل في اليوم وإلى أن هذه الكمية أقل بكثير من الكمية التي كان العراق يصدرها قبل نشوب الحرب وحتى أثناء الحصار الدولي عليه. فقبل نشوب الحرب عام 2003 كانت الكمية التي يصدرها العراق تصل إلى 2.5 مليون برميل في اليوم، إضافة إلى التهريب والتسويق من خلال السماسرة والبيع في الأسواق السوداء وما إلى ذلك. وحسب الخطط الموضوعة، فإن إنتاج النفط العراقي كان من المقرر إن يصل إلى 3 مليون برميل في اليوم بحلول نهاية عام 2004، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن. لا شك أن هناك عدة أسباب حالت دون أن يستعيد قطاع النفط العراقي عافيته. ومن هذه الأسباب على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر عشوائية إعادة تأهيل القطاع النفطي العراقي بعد الحرب وسوء الإدارة والتخريب والفساد المالي والإداري.
عشوائية إعادة تأهيل المنشآت النفطية
تشير الدراسات إلى أن عملية إصلاح وإعادة تأهيل المنشآت النفطية العراقية من الأضرار التي لحقت بها إثر الحصار الاقتصادي والحرب كلفت ما يربو على 1.4 مليار دولار. لكن وحسب آراء الخبراء هناك أخطاء رافقت عملية إعادة تأهيل هذه المنشآت. و يعتقد هؤلاء أن الكمية الإنتاجية ستكون على الأقل بزيادة 500 ألف برميل في اليوم مقارنة مع الوقت الراهن، لو أن عملية إعادة تأهيل المنشآت النفطية تمت بشكل منتظم ودون عقبات. وهو ما كان سيعود على الشعب العراقي بدخل يصل إلى ثمانية مليارات دولار في السنة. وتشير التقارير إلى أن عملية إصلاح المنشآت النفطية قد شابها في بداية الأمر أخطاء فنية كثيرة. ويشار في هذا الصدد إلى أن الإدارة الأمريكية على ما يبدو لم يكن لديها خطة محددة لإدارة القطاع النفطي العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين. وباستثناء السيطرة السريعة والملفتة للنظر على وزارة النفط، كانت خطوات القوات الأمريكية التالية متعثرة وعشوائية. فقد باشر مهندسو القوات الأمريكية، مباشرة بعد سقوط نظام صدام حسين، باشروا العمل على إصلاح بعض المرافق النفطية العراقية. هؤلاء لم يكن لديهم بطبيعة الحال الخبرة الكافية، كما أنه لم يكن بإمكانهم التعامل مع التقنية السوفيتية التي كانت من جهة معقدة بالنسبة لهم ومن جهة أخرى متهالكة بفعل سنوات الحصار والحرب. كما أن غياب المعايير الفنية والكفاءة وعدم الحيادية في اختيار الشركات التي تم التعاقد معها لإعادة تأهيل المنشآت النفطية نجم عنه الكثير من الثغرات القانونية والفنية التي انعكست على تنفيذ تلك المشاريع. فمثلا أشارت تقارير صحفية أمريكية إلى أن الحكومة الأمريكية تعاقدت مع شركات أمريكية دون اعتماد أسلوب المناقصات مما يعني انتفاء المعايير والشروط الفنية اللازمة لتنفيذ مثل هذه المشاريع.
أسباب أمنية
لعل المتابع لواقع الحال في العراق قد لاحظ أن المنشآت النفطية وفي مقدمتها أنابيب الضخ كانت هدفا استراتيجيا للهجمات الإرهابية. وتشير الإحصائيات إلى تنفيذ ما يزيد على 280 هجوما على هذه الخطوط منذ مايو 2003. أضف إلى ذلك الهجمات على الناقلات والاستيلاء على حمولتها وبيعها بأسعار بخسة في السوق السوداء، ناهيك عن السرقات والاعتداء على محطات النفط من قبل لصوص مسلحين. كما أن تعرض العاملين في القطاع النفطي من الأجانب بالذات للاختطاف والقتل وتردي الأوضاع الأمنية من الأسباب التي تجبر الشركات على تخفيض نشاطها في العراق أو العزوف عن ذلك وتجنب المغامرة وتعريض عامليها للخطر. يشار إلى أن بعض المعاهد الغربية بدأت تثير المخاوف مما تسميه بـ "ظاهرة الإرهاب النفطي" في الشرق الأوسط، إذ أن النفط قد يستخدم كأهداف استراتيجية لهجمات إرهابية الغرض منها خنق الاقتصاد الغربي عن طريق التأثير على إمدادات النفط إلى السوق العالمية التي هي بطبيعتها شديدة الحساسية من متغيرات في مناطق إنتاج وتصدير الطاقة.
الفساد المستشري
منذ سقوط نظام صدام حسين والكثير من الشكوك والشبهات تحوم حول طبيعة عمل وزارة النفط العراقية ومدى الفساد المستشري فيها، حالها حال الكثير من المؤسسات العراقية التي شهدت فسادا منظما بسبب الفراغ الأمني والتسيب الإداري. يذكر في هذا الصدد أن وزارة النفط كانت في العام الماضي قد استغنت عن حوالي 450 موظفا فيها بسبب الفساد. وشهد قطاع النفط تنامي ظاهرة التهريب والبيع في السوق السوداء وعمليات التحايل والتلاعب بأجهزة القياس (العدادات) والتلاعب بالأرقام الحسابية للمبيعات. كما تتحدث بعض المصادر عن أن الشركات الأمريكية العاملة في العراق تعمد إلى تلبية احتياجاتها من النفط العراقي بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق العالمي أي بحوالي 27 دولار للبرميل الواحد وهو ما يمثل أقل من نصف القيمة في السوق العالمية.
دويتشه فيله