لماذا تستمر إجراءات جائحة كورونا في تقسيم المجتمع الألماني؟
٢٨ أكتوبر ٢٠٢٤ما مدى خطورة فيروس كورونا؟ هل كانت إجراءات الحماية من فيروس كورونا التي فرضتها الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات صحيحة ومناسبة؟ يأتي هذا السؤال في وقت حذّر فيه عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن من التهوين من شأن الفيروس وآثاره في الوقت الراهن. وقال دروستن الذي أصبح أحد أبرز العلماء في البلاد خلال الجائحة، في مقابلة مع صحيفة أوغسبورغر ألغماينه تسايتونغ: "إن إعادة التفسير التي تجري في الوقت الحالي غير نزيهة".
إن الانطباع بأن العلم قد تنازع حول تقييم الجائحة وأن هناك العديد من الآراء المختلفة غير صحيح. "لم يكن الخلاف حول القضايا الأساسية موجودًا في العلم بالطريقة التي تم تصويرها في البرامج الحوارية" حسبما يرى دروستن. واختلف عدد قليل من العلماء، لكن أطروحاتهم المضادة نُشرت على نطاق واسع. وينتقد دروستن في وقت لاحق: "كان ذلك بمثابة إعلام ترفيهي".
وكانت مقارنة كوفيد بالانفلونزا سوء تقدير واضح. "للأسف نفس الأشخاص الذين أدلوا بتصريحات خاطئة في ذلك الوقت يحاولون الآن تلميع صورتهم العامة. الجائحة أصبحت من الماضي ولا ينبغي لنا تشويهها."
قوى سياسية تدعو لتشكيل لجنة تحقيق حول كورونا
ولطالما رفض التحالف اليساري "سارة فاغنكنيشت" وحزب "البديل من أجل المانيا" اليميني المتطرف إلى حد كبير إجراءات الحماية من فيروس كورونا. ويدعو الحزبان منذ شهور إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في البوندستاغ للتحقيق في سياسة الجكومة تجاه جائحة كورونا. وهذا أمر ضروري "لتسليط الضوء على الفترة التي شهدت أكبر قيود على الحقوق الأساسية في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية"، كما قالت فاغنكنشت في مارس 2024.
ويتهم تحالف سارة فاغنكنيشت الحكومة بـ "قمع المواقف المعارضة في الخطاب العام" وممارسة تأثير سياسي لا مبرر له على معهد روبرت كوخ (RKI)، كما جاء في طلب اللجنة. إن معهد روبرت كوخ هو هيئة فيدرالية تقوم بتقييم وتحليل وبحث الأمراض شديدة الخطورة أو واسعة الانتشار أو ذات الأهمية الكبيرة للسياسة العامة أو الصحية.
هل كانت التدابير الوقائية ضد فيروس كورونا مناسبة؟
الكمامات الإجبارية، وحظر التجول، وإغلاق المدارس، وحظر المظاهرات، والتطعيم الإجباري لموظفي الرعاية الصحية والتمريض: كانت من أبرز تدابير الحماية التي اتخذتها الحكومة الألمانية في البداية من فيروس كورونا في عهد أنغيلا ميركل. هذه التدابير المثيرة للجدل إلى حد كبير في بعض الحالات واصلها لاحقًا تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي بقيادة أولاف شولتس.
وقد اعترف بعض صانعي القرار السياسي في ذلك الوقت بوقوع أخطاء، وبأنهم كانوا سيفعلون بعض الأمور بشكل مختلف اليوم. ومن ناحية أخرى، يشير هؤلاء أيضًا إلى حجم الأزمة غير المسبوق. لقد وصل نظام الرعاية الصحية إلى حدوده القصوى. في 27 يناير 2020، ثبتت إصابة أول شخص في ألمانيا بفيروس كورونا. وبحلول 19 ديسمبر 2023، تم إحصاء أكثر من 38 ألف بشكل رسمي.
حكومة إشارة المرور تختلف في المعالجة
كما هو الحال، لن تكون هناك مراجعة رسمية للإجراءات على المستوى الاتحادي. لا يمكن للحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي الاتفاق على الشكل الذي يجب أن تتم به أية مراجعة. ولذا يعتقد الاشتراكيون الديمقراطيون أن المراجعة ستكون منطقية فقط "على مستوى الولايات الاتحادية". بينما يؤيد الليبراليون الديمقراطيون تشكيل لجنة تحقيق في البوندستاغ.
وفي الوقت نفسه، تُبقي عواقب الجائحة المكتب الاتحادي لمراجعة الحسابات والعديد من المحاكم مشغولة. فوزارة الصحة الألمانية متورطة في نزاع قانوني طويل الأمد مع موردي أقنعة بسبب فواتير غير مدفوعة. وكان وزير الصحة آنذاك ينس شبان قد ضمن مبلغًا كبيرًا من المال مقابل كل كمامة تم توريدها ثم انهالت عليه العروض. وحاول شبان بعد ذلك إعلان بطلان العديد من المعاملات. والقضية الآن أمام محكمة العدل الاتحادية.
"كما أثار مكتب التدقيق الفيدرالي شكوكًا حول فترة تولي شبان منصب وزير الصحة. وانتقد المكتب الوزارة بسبب "الإفراط في شراء الكمامات". وكان لا بد من إتلاف نصفها بسبب عدم الحاجة إلى الكمامات وانتهاء تاريخ صلاحيتها.
خطط الإطاحة والخطف
ودعا خليفة شبان وزير الصحة الحالي كارل لاوترباخ منذ بداية جائحة فيروس كوروناإلى اتخاذ تدابير صارمة لاحتواء الجائحة، وهذا ما جعله شخصية مكروهة بالنسبة للكثيرين في مشهد "الخبراء والمفكرين الألمان المشاكسين، وبين المناهضين للتطعيم ومنتقدي القيود المفروضة على فيروس كورونا.
ويخضع مشهد "المشاكسين" للمراقبة من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور بسبب "نزع الشرعية الدستورية عن الدولة". و في أبريل 2022، تم القبض على أعضاء مشتبه بهم من جماعة "الوطنيون المتحدون" الإرهابية الذين لهم صلة بمشهد "المشاكسين" وحركة مواطني الرايخ اليمينية المتطرفة بتهمة التخطيط للإطاحة بالحكومة واختطاف لاوترباخ. ولا يزال وزير الصحة تحت الحماية على مدار الساعة حتى اليوم.
مفكرون مشاكسون متهمون بالاحتيال
وصف عالم الاجتماع الألماني ماتياس كوينت حركة ”Querdenken-Gruppe 711" التي تتخذ من شتوتغارت مقرًا لها، وهي واحدة من أولى الحركات الاحتجاجية ضد إجراءات الحماية من فيروس كورونا، بأنها مثال بارز على تطرف المشهد. وقد تعمد أعضاؤها تقديم أنفسهم على أنهم "مقاتلون مقاومون ضد الظلم الديكتاتوري المفترض".
شخصيات بارزة في مجال التفكير المشاكس متهمة الآن بالفساد. كما يُزعم أن هذه الشخصيات استغلت الجائحة لتحقيق الربح. ويُقال إن ميشاييل بالفيغ، مؤسس ورئيس ”كفيردنكر 711"، جمع أكثر من 1.2 مليون يورو من خلال النداءات العامة للتبرعات واستخدم أكثر من 575000 يورو لأغراضه الخاصة.
ويُتهم المحامي السابق والشخصية البارزة راينر فولميش باختلاس 700000 يورو من مؤسسة "لجنة كورونا" التي شارك في تأسيسها. ونشرت "لجنة الخبراء" ادعاءات مضللة حول المرض والتطعيمات. وفولميش الذي كان في يوم من الأيام المرشح الأول لحزب "دي بازيس" متهم بالاختلاس والاحتيال. وقد أدين بتهمة التشهير والتحريض على الفتنة بعد أن وصف العلماء في معهد روبرت كوخ بـ "القتلة الجماعيون".
جدل حول بروتوكولات معهد روبرت كوخ منقحة
لعبت مبادرة معهد روبرت كوخ دورا بارزا خلال الجائحة. وعقدت اجتماعات وتقييمات بشأن الوضع وإدارة الأزمات بانتظام. وتعكس محاضر هذه الاجتماعات الخطاب العلمي. وهي تُظهر كيف تم تناول وجهات النظر المختلفة وتقييمها.
وفي أبريل 2023، واستجابةً لطلب بموجب قانون حرية المعلومات، نشر المعهد للمرة الأولى ملفات من الفترة من يناير 2020 إلى أبريل 2021، وكانت هذه الملفات في البداية نسخًا منقحة بشكل كبير والتي كانت تهدف حسب المعهد إلى حماية حقوق الأطراف الثالثة والملكية الفكرية والأمن العام والعلاقات الدولية - ولكن هذا لم يوفر سوى مزيد من التربة الخصبة لمنظري المؤامرة.
مجتمع منقسم
في مقابلة مع مجلة ”دير شبيغل" الإخبارية في مارس/ آذار 2024، قال وزير الصحة الألماني لوترباخ إن البلاد كانت أفضل استعدادًا بكثير للجائحة القادمة، على الأقل من الناحية الفنية. "كمجتمع نحن أقل استعدادًا بكثير لأن لدينا مجموعة فرعية معبأة على نطاق واسع تتداخل بشدة مع ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا، وهذه ترفض تدابير مكافحة العدوى وتعارض التطعيمات. وهذا من شأنه أن يجعل إدارة أي جائحة مستقبلية أكثر صعوبة من الناحية السياسية".
أعده للعربية: م.أ.م