لتحجيم نفوذ روسيا.. أوكرانيا تبحث عن موطئ قدم لها في أفريقيا
٧ يوليو ٢٠٢٤تعود علاقة روسيا بالعديد من دول القارة السمراء إلى عقود ماضية حيث ترجع إلى حقبة الاتحاد السوفيتي السابق الذي قدم دعما لبلدان أفريقية في نيل الاستقلال.
وفي ذلك، قال إيليا كوسا، الخبير في المعهد الأوكراني للمستقبل، إن أوكرانيا "فشلت في نيل جزء من الإرث [السوفيتي] في أفريقيا وهذا ما يعد خطأ استراتيجيا".
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لم تحاول أوكرانيا القول بأنها جزء من تلك القصة. فالعديد من الأوكرانيين كانوا في جميع أنحاء أفريقيا كمهندسين وفنيين ومعلمين وأطباء باعتبارهم مواطنين من مواطني الاتحاد السوفيتي في تلك الحقبة".
وارجع كوسا ذلك إلى رغبة أوكرانيا بعد الاستقلال في رفض استدعاء أي ذكرى من ماضيها السوفيتي خاصة بعد الغزو الروسي أواخر فبراير / شباط عام 2022.
يشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذل منذ سنوات مساعي حيثية في إحياء العلاقة التي تربط الاتحاد السوفيتي بأفريقيا أو البحث عن علاقات جديدة سواء عن طريق تقديم الدعم العسكري أو شن حملات تضليل ضد منافسي حلفاءه السياسيين في القارة السمراء.
أما فيما يتعلق بأوكرانيا، فكان حضورها الدبلوماسي - قبل العدوان الروسي - في أفريقيا هزيلا إذ كانت تمتلك سفارات في عشر دول أفريقيا في مقابل 43 سفارة روسية.
وفي تعليقه، قال كوسا "تعلمنا درسا مفاده أننا بحاجة إلى دول أخرى من خارج المدار الغربي لبناء حوار يرمي إلى تعزيز موقفنا في سياق الحرب مع روسيا".
بدوره، قال أوفيجوي إيجويجو، الباحث السياسي النيجيري في شركة Development Reimagined المتخصصة في الاستشارات الدولية، إن "تاريخ أوكرانيا الدبلوماسي في أفريقيا صفر".
ويبدو أن حديث الباحث يتوافق مع بعض المعطيات على أرض الواقع إذ لم تدعم أوكرانيا سوى عدد محدود من الدول الأفريقية خلال التصويت على القرارات الأممية منذ بدء الحرب. وفي هذا السياق، دعمت 28 دولة أفريقية فقط أول مشروع قرار أممي يدعو إلى الوقف الفوري للحرب فيما صوتت دولة أفريقية واحدة ضده، لكن اللافت أن 17 دولة أفريقية امتنعت عن التصويت مع عدم حضور ثماني دول أخرى.
زخم دبلوماسي
بيد أن أوكرانيا في الوقت الحالي تسعى إلى تحقيق نجاحات دبلوماسية في أفريقيا حيث افتتحت مؤخرا ست سفارات جديدة في دول أفريقية من بينها رواندا وبوتسوانا وموزمبيق مع التخطيط لإنشاء أربع سفارات أخرى.
وفي ذلك، قال أوفيجوي إن أوكرانيا "أدركت أن أفريقيا باتت لاعبا مهما عندما يتعلق الأمر ببناء موقف قوي داخل أروقة الأمم المتحدة خاصة الجمعية العامة بسبب أن بلدان القارة السمراء يشكلون أكبر كتلة تصويتية قارية".
وأضاف أن أوكرانيا "باتت في حاجة إلى بعثات دبلوماسية لإضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع الدول الأفريقية والمضي قدما في تعزيز اتصالات رفيعة المستوى مع حكومات بلدان القارة".
وفي تعليقه، قال الصحافي والخبير في الشؤون الخارجية، بيتر فابريسيوس، إن مواجهة النفوذ الروسي في أفريقيا هو سبب آخر وراء مساعي كييف الدبلوماسية في القارة السمراء.
وفي مقابلة مع DW، أضاف فابريسيوس، الباحث البارز في "معهد الدراسات الأمنية" البحثي ومقره جنوب أفريقيا، أن جهود أوكرانيا "جلية" في مواجهة النفوذ الدبلوماسي والدعائي الروسي في أفريقيا.
الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قام بجولات أفريقية عديدة بين عامي 2022 و2023 فضلا عن زيارته مقر الاتحاد الأفريقي.
ورغم ذلك، يرى أوفيجوي إيجويجو أن أوكرانيا "تأخرت في أفريقيا إذ خلال الثلاثين عاما منذ استقلال كييف، لم يقم أحد رؤسائها أو أحد وزراء خارجيتها بجولة أفريقية".
بيد أن الخبير في الشأن الأفريقي إيليا كوسا قال إن الوضع قد تغير في الوقت الراهن، مضيفا "أصبح هناك اعترافا بأهمية أفريقيا على المستوى السياسي في أوكرانيا وفي دوائر الخبراء. باتت الدوائر السياسية في كييف تدرك بأن الأخيرة في حاجة إلى تعزيز الحوار والعلاقات مع بلدان القارة السمراء".
لكن روسيا لم تقف صامتة حيال ذلك إذ أعلنت في مايو/أيار الماضي عزمها فتح أربع بعثات دبلوماسية جديدة ليبلغ عدد سفارتها في القارة 47 بالتزامن مع قيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولات أفريقية عديدة كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي حيث قصد غينيا وتشاد وبوركينا فاسو وجمهورية الكونغو.
دبلوماسية الغذاء
وبالتوازي مع جهودها الدبلوماسية، خرجت أوكرانيا بطريقة أخرى لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا ألا وهي الحبوب أو ما يُطلق عليه "دبلوماسية الحبوب".
وقبل الحرب، كانت أوكرانيا ثاني أكبر مورد للذرة وثالث أكبر مورد للقمح في أفريقيا، مما يجعلها ذات أهمية كبيرة في مجال الأمن الغذائي في القارة.
وشرعت أوكرانيا في التبرع بالحبوب بالمجان في إطار برنامج أطلقه في نوفمبر / تشرين الثاني عام 2022 تحت اسم "حبوب من أوكرانيا" بهدف تصدير الحبوب إلى الدول الأكثر عرضة لخطر المجاعة والجفاف.
وبموجب البرنامج، فقد تلقى السودان حتى الآن شحنتين من الدقيق بإجمالي أكثر من 21 ألف طن من القمح الأوكراني مع تبرعات أخرى ذهبت إلى نيجيريا وإثيوبيا وكينيا والصومال.
يأتي تلك الجهود رغم اضطرار أوكرانيا إلى استخدام طرق بديلة لتصدير حبوبها عقب الانسحاب الروسي من اتفاقية تصدير الحبوب والأسمدة عن طريق البحر في منتصف العام الماضي مما أعاق تصدير المواد الغذائية الأوكرانية الحيوية عبر البحر الأسود.
تزامن هذا مع بدء روسيا إرسال شحنات من الحبوب مجانا إلى أفريقيا بداية من نوفمبر / تشرين الثاني الماضي كجزء من تعهد قطعه بوتين على نفسه بشحن الحبوب إلى ست دول أفريقية.
بيد أن الأمر لم يتوقف على شحنات الحبوب بل شمل توقيع حكومة مالي اتفاقية مع روسيا لإنشاء مصفاة للذهب في بلد يعد من أكبر منتجي الذهب في أفريقيا وإعادة حكومة بوركينا فاسو عقب الانقلاب، فتح السفارة الروسية بعد إغلاق دام ثلاث عقود وسط نشر قوات روسية لتدريب القوات الأمنية.
الانخراط العسكري
وعلى غرار روسيا، أفادت تقارير إعلامية بأن أوكرانيا أرسلت وحدة قتالية خاصة إلى السودان لدعم الجيش في قتاله ضد قوات الدعم السريع التي تحظى بدعم من مرتزقة روس.
ورغم التزام الحكومة الأوكرانية الصمت حيال تلك الأنباء، إلا أن مجلة "بوليتيكو" نقلت عن أندريه يوسوف، المسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، قوله إن "الاستخبارات الأوكرانية يجب أن تكون متواجدة طالما دعت الضرورة لتدمير العدو الذي يشن حربا واسعة النطاق ضد أوكرانيا".
وأضاف "نحن حاضرون في أي مكان حيثما كان ذلك ممكنا لإضعاف المصالح الروسية". وتحدثت تقارير إعلامية عن نشر قوات أوكرانية في الصومال لمواجهة النفوذ الروسي.
أوكرانيا.. يجب ألا تتعجل المكاسب
ورغم جهود أوكرانيا المتنامية لتعزيز نفوذها في أفريقيا، فقد أشار وزير خارجيتها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأن بلاده "لم تحصل في المقابل إلا على القليل".
وفي تعليقه، قال فابريسيوس إن أوكرانيا "بذلت جهودا كبيرة بما في ذلك زيارة 12 دولة أفريقية وفتح سفارات، لكن يجب عدم توقع أن تقدم دول أفريقية على فتح سفارات في كييف مع استمرار الحرب. ورغم ذلك، تتوقع كييف الكثير".
واتفق الخبير في الشأن الأفريقي كوسا في هذا الرأي، قائلا "لا يعرف كثيرون في أوكرانيا سوى القليل عن أفريقيا خاصة على المستوى الاجتماعي. يجب أن ترسل كييف صحافيين إلى أفريقيا مع تشجيع الصحافيين الأفارقة على زيارتها".
ويبدو أن عدم إحراز أوكرانيا النجاح الكبير في القارة السمراء كان جليا خلال قمة السلام الأوكرانية التي عقدت في سويسرا في وقت سابق من الشهر الجاري حيث وقعت 11 دولة أفريقية على البيان الختامي الذي حظى بدعم 82 دولة.
ورغم إعراب دول أفريقية مثل غانا وكينيا، عن دعم أوكرانيا، إلا أن فابريسيوس يرى أن هناك سببين رئيسيين وراء تردد العديد من الدول الأفريقية في الاصطفاف إلى جانب كييف.
وفي ذلك، قال "أحد هذه الأسباب ببساطة هو الحرب في أوكرانيا بعيدة عن أفريقيا. فرغم أن العديد من دول القارة حاولت الحفاظ على درجة كبيرة من عدم الانحياز مثل جنوب أفريقيا، إلا أنها تعتبر الحرب الحالية حربا أوروبية".
من جانبه، يرى أوفيجوي إيجويجو أن المشكلة تكمن في أن "الطابع الغربي" يطغى على رسائل أوكرانيا الدبلوماسية، مشيرا إلى أن العديد من البلدان الغربية قد "فقدت مصداقيتها في أجزاء كثيرة من أفريقيا." وأرجع الباحث ما وصفه بـ، "اللامبالاة في أفريقيا تجاه أوكرانيا إلى أن الأطراف التي تتحدث نيابة عن أوكرانيا لم تعد تتمتع بشعبية في القارة السمراء".
أعده للعربية: محمد فرحان