2020 - عام مأساوي في لبنان وعاصمته
٢٦ ديسمبر ٢٠٢٠عاشت بيروت فترات مأساويّة، شهدت فيها الكثير من الاشتباكات والتفجيرات والاغتيالات منذ نهاية الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد بين عامي 1975 و1990. فلا يكاد يمّر عام إلا ويقع في المدينة- المعروفة باسم العَنْقَاء- حدثاً مؤسفاً. وبيد أن 2020 كانت السنة الأسوأ حيث وصل فيها لبنان إلى طريق مسدود سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وهو ما نستعرضه في السطور التالية:
الحراك الشعبي.. بداية الشرارة
منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بدأت في العاصمة اللبنانيةسلسلة احتجاجات شعبية للاعتراض على قرارات الحكومة برفع أسعار بعض السلع واستحداث ضريبة جديدة على استخدام تطبيقات المكالمات الهاتفية على الإنترنت مثل واتس آب. لكن في واقع الأمر كانت هذه المظاهرات تمردا ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي استحوذت على السلطة لثلاثة عقود. وخلال الاحتجاجات سقط العشرات من المدنيين ومئات الجرحى إثر اشتباكات اندلعت بين قوات الجيش والمدنيين، كما تقدم رئيس الوزراء سعد الحريري باستقالته.
وبسبب عدة أزمات متلاحقة طرأت على الساحة اللبنانية، لم يكتب لهذا الحراك الاستمرار كثيراً، مروراً بالقمع الذي مارسه النظام وانهيار العملة المحلية والنظام المصرفي وتفشي فيروس كورونا المستجد، وكذلك تفاقم الأوضاع الاقتصادية بعد انفجار مرفأ بيروت. وبعد أن مرت سنة كاملة عليه، بات من الواضح أن الحراك الشعبي غير قادر على خلق سلطة سياسية بديلة داخل لبنان حتى الآن.
يناير.. أسبوع الغضب
مع مطلع سنة 2020، نشبت اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومحتجين في بداية ما سمي بـ "أسبوع الغضب"، وذلك على خلفية استهداف عدة مصارف في بيروت من قبل محتجين. وجاء ذلك بعد أن فرضت المصارف سقفاً منخفضاً على عمليات السحب النقدي والائتماني، فضلاً عن تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي بعدما فقدت أكثر من 40 في المئة من قيمتها.
مارس.. التوقف عن دفع "اليوروبوندز"
قرّر لبنان في 7 مارس/آذار الماضي، التوقف عن دفع سندات "اليوروبوندز"، المستحقة وتبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار. و"اليوروبوندز" هي ديون على الدولة اللبنانية بالدولار، وهو ما اعتبره محللون بأنها خطوة أخرى تشير إلى عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وحسب ما أشارت إليه عدة صحف لبنانية آنذاك، فإن البلاد دخلت مرحلة جديدة قد تقود إلى إعادة صياغة نظامها الاقتصادي والمالي. فلأول مرة يتخلف لبنان عن سداد ديونه في تاريخ تعاملاته المالية، سواء مع الخارج أو مع الداخل. واعتبرت أن قرار الحكومة هو بمثابة مفترق الطرق الخطير الذي تقف على أعتابه البلاد. فإما سلوك خيار الإنقاذ والبحث عن خيارات اقتصادية أخرى غير تلك التي أوصلت إلى انهيار متسارع، وإمّا إضاعة الفرصة وإعادة تعويم النظام الاقتصادي الحالي بصيغٍ جديدة، أكثر شراسة في سحق الشعب وتعميق الفروق الطبقية والانقسامات الطائفية والمذهبية.
شهور "كورونا" تزيد الطين بلة
على الرغم من أن لبنان كان متخبطا في أزمات اقتصادية خطيرة بدأت قبل تفشّي كورونا. إلا أن الجائحة جاءت لتُفاقم الوضع لاسيما مع الصعوبات والتحديات القائمة بالفعل. وأشارت منظمة العمل الدولية إلى عدة آثار سلبية خلفتها تلك الأزمة على العمال الضعفاء والمنشآت الصغيرة في لبنان. حيث يعيش نصف السكان حاليا تحت خط الفقر، وقد أصبح الأمن الغذائي في خطر، وانهار النظام الصحي بشكل تام، ويعتمد الاقتصاد اللبناني حاليا على المساعدات الدولية.
فالانكماش الحاصل في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12 بالمائةبحسب تقديرات وزارة المالية من المتوقّع أن يتواصل في السنوات الثلاث القادمة ليصل إلى نسبة تراكمية قد تتخطى 30 بالمائة، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقليص القدرة المعيشيّة للمقيمين.
كما أشار استطلاع أجراه المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، حول تداعيات الأزمة المالية والإغلاق بسبب فيروس كورونا إلى أن 30.8 في المائة من المؤسسات عمالها، كما أن أكثر من 33 في المائة من العاملين في القطاع الخاص توقفت رواتبهم بالكامل و35 في المائة خُفضت أجورهم.
أبريل.. الليرة تواصل هبوطها
في شهر أبريل الماضي، اشتعلت الاحتجاجات مرة أخرى في بعض المدن اللبنانية وأسفرت عن مقتل متظاهر شاب ووقوع عدد من الجرحى، وذلك بعد تسجيل الليرة اللبنانية مزيدا من الهبوط أمام الدولار ما تسبب في زيادة غلاء السلع الأساسية. حيث فقدت العملة اللبنانية أكثر من نصف قيمتها وأصبح لها أربعة أسعار: السعر الرسمي، سعر محلات الصيرفة، سعر الصرافين غير المرخصين، وسعر المصارف.
وفي ذلك الوقت، حمّل عدد من المحتجين الطبقة السياسية بكاملها مسؤولية انهيار العملة الوطنية وما ألت إليه الأوضاع داخل البلاد، فيما قال رئيس الوزراء حسان دياب في تصريحات إعلامية آنذاك، إن خطة الإصلاح الحكومية تعتزم الانتقال إلى سعر صرف مرن، ينخفض على أثره السعر إلى 4297 ليرة مقابل الدولار بحلول 2024.
أغسطس الدموي.. انفجار مرفأ بيروت
في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، وقع انفجار ضخم في عنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، ووفق تقديرات رسمية فإنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، حيث كانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة منذ عام 2014. وقد ألحق الانفجار أضرارا بالغة في العاصمة، وقتل وجرح وشرد مئات الآلاف من المواطنين، مما استدع تحرك دولي بعد إطلاق السلطات المحلية نداء استغاثة.
فأكثر من 170 قتيلاً ونحو 6000 جريح وأضرار مادية جسيمة تُقدّر بـ 15 مليار دولار، هي حصيلة الخسائر الناجمة عن انفجار المرفأ والذي كان من الممكن تفاديه، بحسب رأي الكثيرين. واستقالت حكومة حسان دياب بعد أسبوع من الانفجار، كما قدم مصطفى أديب استقالته لاحقا بعد الفشل في تشكيل حكومة مستقلة. وفي وقت لاحق وجه المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت فادي صوان دعوى قضائية بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين بتهمة "الاهمال والتقصير والتسبب بوفاة" وجرح مئات الأشخاص.
وقد شهد لبنان موجة هجرة واسعة بعد انفجار مرفأ بيروت،حيث غامر مئات الأشخاص بالهروب عبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن فرص حياة أفضل، حسب ما أفادت به منظمة "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية.
ديسمبر.. وتهديدات ماكرون للبنان
هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الطبقة السياسية في لبنان بعدم تقديم أية مساعدات مالية قبل تشكيل حكومة جديدة وإجراء إصلاحات. وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي على هامش افتتاح مؤتمر دولي ثان مطلع الشهر الجاري لدعم لبنان بعد مرور أربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت وفي توقيت تتواصل فيه خلافات المسؤولين اللبنانيين.
الخبير في الشأن اللبناني جاسم عجاقة أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية صرح عبر برنامج المسائية الإخباري لقناة DW عربية: "إن لبنان كان سينجح لوحده في تشكيل الحكومة وتطبيق الإصلاحات اللازمة لو كان الوضع طبيعيا، لكن مع وجود طبقة سياسية متخبطة، فقد فشلت الجهود التوافقية، وهو ما يظهر أهمية الضغط الخارجي على هذه الطبقة من أجل القدرة على تطبيق الإصلاحات الموعودة وتشكيل حكومة توافقية".
وأخيرا.. الحريري يقدم تشكيلة الحكومة الجديدة
في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري قدم رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، قائمة تضم 18 وزيرا للرئيس ميشال عون بعد شهور من التشاحن الذي حال دون الاتفاق على حكومة جديدة. وتأتي تلك الخطوة قبيل زيارة يقوم بها ماكرون إلى بيروت في وقت لاحق من الشهر الجاري، للتأكد من تشكيل حكومة ذات مصداقية.
وفي النهاية، هل سيشهد العام الجديد 2021 خططا عاجلة وتشكيل حكومة توافقية تنقذ ما يمكن إنقاذه في لبنان، أم سيتسمر الوضع كما هو عليه في منع القيام بإصلاحات تلبي طموح اللبنانيين، بسبب تركيبة النظام الطائفية والمذهبية.
وفاء عبد الرحمن